من دروب العبور إلى شبكات الاستغلال.. لماذا يتصاعد خطر الاتجار بالبشر في كوستاريكا؟

من دروب العبور إلى شبكات الاستغلال.. لماذا يتصاعد خطر الاتجار بالبشر في كوستاريكا؟
الاتجار بالبشر - أرشيف

لم تعد كوستاريكا بالنسبة إلى كثير من المهاجرين محطة عبور هادئة، بل تحولت في السنوات الأخيرة إلى بؤر تتقاطع فيها ظواهر العنف المنظّم والتهريب واستغلال الفئات الضعيفة، في سياق يضع أمام الدولة تحديات إنسانية وقانونية معقدة، حيث يؤكد مشهد الانتهاكات أن ظاهرة الاتجار بالبشر في البلاد ليست مسألة معزولة عن شبكات أوسع للإجرام والمضايقات الإدارية والسياسات الحدودية، وأن الاستجابة الوطنية والدولية لا تزال مطالبة بتعزيز الحماية والإنصاف للضحايا. 

وفق مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة تتخذ جرائم الاتجار بالبشر في كوستاريكا أشكالاً متعددة تشمل: الاستغلال الجنسي، والعمالة القسرية في قطاعات الزراعة والضيافة، واستغلال المهاجرين القاصرين، بالإضافة إلى حالات مصاحبة تتعلق بتجارة المخدرات وتهريب الأشخاص، وتستفيد شبكات متعدّدة المستويات من هشاشة المهاجرين الذين يأتون عبر مسارات تشمل دول أمريكا الجنوبية والكاريبي، أو من تدفقات مترحِّلين ومرسَلين من دول بعيدة.

وفي بعض الحالات، تم توثيق احتجاز وثائق وقيود على حرية التنقل واشتراطات عمل مجحفة تسلب الضحية الحرية الاقتصادية والأساسية.

أسباب متشابكة

تعود أسباب اتساع هذه الظاهرة في كوستاريكا إلى عوامل متداخلة: أولاً: ازدياد تدفقات الهجرة واللجوء عبر المنطقة يزيد من عدد الأشخاص المعرضين للاستغلال، خصوصاً حين تكون آليات الحماية واللجوء ضعيفة أو غير واضحة، ثانياً: إن الفقر وعدم المساواة الاقتصادية داخل بعض المناطق الريفية والحضرية يجعل شريحة من السكان المحليين عرضة لعروض عمل وهمية أو لإجبارهم على ظروف عمل قسرية، ثالثاً: الربط بين شبكات تهريب المخدرات والأسواق المظلمة للعمل يوفر بيئة ملائمة لاستغلال اليد العاملة وسوق للجنس القسري، ورابعاً: إن القصور في جمع البيانات وتنسيق الجهات القضائية والشرطية يحد من قدرة الدولة على تحديد النطاق الحقيقي للمشكلة وملاحقة الجناة بكفاءة. 

وتشير سجلات النيابة والجهات الحقوقية إلى أعداد متزايدة من الضحايا المعرّفين رسمياً، إذ أفادت الجهات العدلية بأن أكثر من 1,100 ضحية مرتبطة بجرائم الاتجار بين 2021 و2023، ما يعكس حجم المشكلة وعمق أثرها في المهاجرين، وخصوصاً النساء والأطفال، تتجلى التداعيات الإنسانية في فقدان الأمان البدني والنفسي، وبروز مشكلات صحية جسدية ونفسية طويلة الأمد، وصعوبات في إعادة الإدماج الاجتماعي والاقتصادي للناجين. وتزيد سياسات الاحتجاز والترحيل السريعة هشاشة الأشخاص وتعرضهم لمخاطر متجددة.

وضعت كوستاريكا على مدار السنوات الأخيرة آليات قانونية مؤطرة لمكافحة الاتجار، ومنخرطة أيضاً في برامج تعاون تقني مع منظمات دولية لتحسين قدرات الشرطة والنيابة في التحقيق وجمع الأدلة، وفي 2024 جرى التخطيط لخطط استجابة وطنية ودعم قدرات الجهات القضائية، كما بادرت السلطات إلى تطوير منصات بيانات تحليلية مشتركة لتحسين تتبّع القضايا، وفي مطلع 2025 قدّمت كوستاريكا لوحة قيادة رقميّة لرفع جودة البيانات وتيسير التعاون الدولي، ما يدلّ على محاولات جادة لردم فجوات المعلومات التي تعوق الملاحقة القضائية، إلا أن التحديات التنفيذية والموارد لا تزال معوقاً أمام تحقيق نتائج سريعة واسعة النطاق. 

ردود المنظمات الحقوقية والدولية

دعمت منظمات أممية وإقليمية جهود تعزيز الحماية لكنّها نبهت إلى ممارسات تتعارض مع معايير حقوق الإنسان، وحذرت منظمات حقوقية دولية من أن إجراءات ترحيل وإعادة التوجيه قد تُعرّض المهاجرين للانتهاك وتقلّل من فرصة تقديمهم شهوداً أو الحصول على دعم طارئ، في حين طالبت منظمات محلية وحركة المجتمع المدني بتقوية شبكات استقبال الضحايا وتوفير مآوٍ وخدمات نفسية وقانونية دون تقييد، كما تصدرت تقارير دولية توصيات بتوسيع برامج الوقاية والتدريب والتمويل الموجّه للمجتمعات الأكثر عرضة للاستغلال. 

كوستاريكا موقعة على الاتفاقيات الدولية الأساسية التي تحظر الاتجار بالبشر، بما في ذلك بروتوكول باليرمو الملحق باتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية، إضافةً إلى التزامات إقليمية عبر منظومة دول أمريكا اللاتينية، ويترتب على هذا الالتزام التزامٌ عمليٌّ بتشريعات وطنية فعّالة وحماية الضحايا وعدم ترحيلهم حيث يواجهون خطراً، التحدي يكمن في ترجمة الالتزامات إلى إجراءات عملية عبر موارد مالية مؤمّنة وتدريب مؤسساتي مستمر وتنسيق إقليمي فعّال. 

ثغرات قيادية ومقترحات

تعكس التجربة الحاجة إلى حزمة سياسات متكاملة: أولاً، تعزيز آليات التعريف المبكر للضحايا في نقاط العبور وأماكن العمل، وتدريب طواقم الشرطة والحدود والقطاع الصحي، ثانياً، تمويل مخصّص لرعاية الناجين (ملاجئ، دعم نفسي وقانوني، برامج إعادة إدماج مهنية)، ثالثاً، آليات قانونية لحماية الشهود وضمان محاكمات فعّالة تفضي إلى إدانات ومخلفات ردعية؛ رابعاً، شراكات إقليمية لمتابعة شبكات التهريب عبر الحدود وتبادل المعلومات الجنائية، وخامساً، سياسات صريحة لمعالجة العوامل الاقتصادية المحركة للاستغلال، من خلال برامج بديلة للدخل وحماية العمال المهاجرين. تدعم هذه الإجراءات التزامات كوستاريكا الدولية وتقلّل من المسارات التي يستغلها المهربون. 

تواجه كوستاريكا معضلة مزدوجة: كيف تحمي سيادتها وسلامة حدودها من جهة، وكيف تفي في الوقت نفسه بالتزاماتها بحماية الأشخاص الأكثر ضعفاً، من جهة أخرى، إن النجاح في مقاربة الاتجار بالبشر لا يقاس فقط بعدد القضايا الملاحقة، بل بقدرة الدولة والمجتمع المدني على الوقاية، وحماية الضحايا، واستعادة كرامتهم. والتحول المطلوب يتطلب تمويلاً مستداماً، ومتابعة مؤسسية ممنهجة، وتعاوناً إقليمياً حقيقياً يُعيد للأشخاص الحق في حماية وقضاء وعيش كريم.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية