«بدنا ولادنا».. حملة لإذابة الصقيع عن جثامين الفلسطينيين المحتجزين في ثلاجات إسرائيل
«بدنا ولادنا».. حملة لإذابة الصقيع عن جثامين الفلسطينيين المحتجزين في ثلاجات إسرائيل
"يوسف له دين في رقبتي ورقبة كل فلسطيني، يُسدد باستعادة جثمانه ودفنه في مقابرنا".. بهذه الاستغاثة الإنسانية طالبت والدة الفلسطيني يوسف محمد فتحي صبح، باستعادة جثمانه من ثلاجات سجون إسرائيل.
وقالت رجاء حثناوي والدة الطفل الفلسطيني يوسف لـ"جسور بوست" إن نجلها قتل في سبتمبر 2021، وكان عمره 15 عاما، أثناء اشتباكات مع قوات الجيش الإسرائيلي عند اقتحام بلدة برقين بالضفة الغربية.
وأوضحت أن الجنود الإسرائيليين اختطفوا جثمانه وتحفظوا عليه مع مئات الجثامين للضحايا الفلسطينيين، سواء الذين توفوا داخل السجون أو في الاشتباكات ورفضوا تسلميها لذويهم.
ومساء السبت، نظم مئات الفلسطينيين، وقفة احتجاجية بميدان المنارة وسط مدينة رام الله، للمطالبة باستعادة جثامين أبنائهم من السلطات الإسرائيلية، أطلقوا خلالها حملة شعبية باسم "بدنا ولادنا".
ثلاجات إسرائيل
وأكدت رجاء حثناوي أنها منذ مقتل نجلها قبل أكثر من 8 أشهر، وحتى الآن لا تعرف مصير جثمانه، هل هو متحفظ عليه داخل ثلاجة أم مدفون داخل القبر.
ومضت قائلة: "نريد استرداد جثامين أبنائنا، هذا حق ديني وشرعي وقانوني، لا بد أن ندفن جثامينهم في مقابرنا، وليس مقابر إسرائيل أو ثلاجاتها".
وأضافت: "لن أرتاح حتى أسترد جثمان ابني الطاهر، هذا حقه عليَ، كان دائما يقول لي أنا خلقت للشهادة وسوف أموت وآخذك معي إلى الجنة، فكيف أترك جثمانه في ثلاجات إسرائيل".
وأوضحت: "أسر القتلى الذين يطالبون باسترداد جثامين أبنائهم، سيواصلون حملتهم الشعبية، حتى يصل صوتهم لكل مكان، ليعلم المجتمع الدولي ما تفعله إسرائيل من جرائم ويجبرها على إعادة الجثامين".
وقالت حثناوي، إن الله رزقها بنجلها يوسف بعد طول انتظار، فقد أنجبت قبله 3 فتيات، وبعده فتاة رابعة وكانت تعتمد عليه في كل شيء، مؤكدة: "كان يحب بلده ويقول إنه سيموت من أجلها، ويوصيها بألا تبكي بعد رحيله".
وخلال وقفة أسر الضحايا، تلا عدنان رواجبة والد بلال، البيان الأول لـ"الحملة الشعبية لاسترداد جثامين الضحايا"، مؤكدا أن "إسرائيل دفنت 253 جثمانًا فيما يعرف بمقابر الأرقام، فيما تحفظت على 105 جثامين في الثلاجات منذ 2015".
ومقابر الأرقام، هي مدافن متواضعة في عدة مناطق، وسميت بهذا الاسم لأن قوات إسرائيل تُثبت فوق كل قبر لوحة معدنية مكتوبا عليها رقم، ولديها لكل رقم ملف خاص عن شخصية المدفون بها.
تدويل الجريمة
بدورها قالت المحامية الفلسطينية سمر خياط لـ"جسور بوست": "سلكنا كل الطرق القانونية لاسترداد جثامين الفلسطينيين المحتجزة لديهم لكننا لم نفلح في ذلك، لأن قضاء إسرائيل يحكم بما تمليه عليه سلطات إسرائيل".
وأضافت: "حتى المحكمة العليا الإسرائيلية مسيسة، ولا تتخذ أي قرار ضد رغبات السلطات، استمرار إسرائيل في احتجاز جثامين الشهداء كارثة إنسانية، يعتبرها القانون الدولي جريمة حرب".
وأكدت خياط أن "احتجاز الجثامين معناه استمرار معاناة أسر الضحايا من فقدان أبنائهم، هذا ألم لا ينتهي، ونحن سنحاول التحرك في كل اتجاه لإذابة صقيع الثلاجات عن جثامين أبنائنا".
وأشارت إلى أن جثامين الفلسطينيين موزعة على جميع أنحاء الوطن، بينهم 12 شهيدًا من القدس، و27 من غزة، و65 آخرون من الضفة، وجميعهم طالب ذووهم القضاء الإسرائيلي بإلزام سلطات إسرائيل برد جثامينهم.
وأوضحت أنه "قبل عام 2015 كان القضاء الإسرائيلي يحكم برد الجثامين، وتمكنت عشرات الأسر من استرداد جثامين أبنائها بالفعل، لكن فيما بعد قرر مجلس الوزراء الإسرائيلي العودة إلى سياسة احتجاز جثامين الضحايا".
وأكدت أن ذوي القتلى قدموا طعنا على قرار مجلس الوزراء أمام المحكمة العليا، لكن الأخيرة أيدت القرار الوزاري في عام 2019، استجابة لمطلب سياسي من سلطات إسرائيل.
وأضافت سمر أن سلطات إسرائيل تُصمم على احتجاز الجثامين لاستخدامها كورقة سياسية في المقايضة بالأسرى الإسرائيليين، مؤكدة أن الحملة الشعبية لاسترداد جثامين الأسري ستتواصل مع المؤسسات الأممية أملا في الضغط على إسرائيل.
مبادلة سياسية
ووفق دراسة حديثة أصدرتها هيئة شؤون الأسرى والمحررين (رسمية)، تتلذذ سلطات إسرائيل باحتجاز الجثامين للمساومة عليها والانتقام من أسر الضحايا، مطالبة العالم باتخاذ موقف حقيقي تجاه هذه الجريمة.
وخاطبت الهيئة "اللجنة الدولية للصليب الأحمر، للتدخل كجهة محايدة، والعمل على استرداد جثامين الفلسطينيين من قوات الأمن الإسرائيلية".
وتعهدت الهيئة بتقديم الملف إلى المحاكم الدولية، لإجبار إسرائيل على الإفراج عن الجثامين، وملاحقتها على جريمة انتهاك حقوق الموتى، المخالفة لكل الاتفاقيات الدولية والقانون الدولي الإنساني.
وأكدت أن اتفاقية جنيف الرابعة نصت على ضرورة تسليم الجثامين إلى عائلاتها لدفنها حسب معتقداتهم الدينية، لكن السلطات الإسرائيلية لا تلقي بالا للاتفاقيات الدولية وتواصل ارتكاب جرائمها.
وفي 2019 أقرت المحكمة العليا الإسرائيلية احتجاز الجثامين، بغرض مبادلتهم مع أسرى إسرائيليين تحتجزهم حركة "حماس" في قطاع غزة، منذ 2014.
بدورها أكدت "حماس" في أكثر من مناسبة أنها تحتفظ بـ4 إسرائيليين داخل قطاع غزة، دون الكشف عن مصيرهم أو وضعهم الصحي.