بين القانون الدولي والواقع.. كيف ستؤثر عودة العقوبات الأممية على مواطني إيران؟
بين القانون الدولي والواقع.. كيف ستؤثر عودة العقوبات الأممية على مواطني إيران؟
أُعيد تفعيل عقوبات أممية شاملة ضد إيران، ليلة أمس السبت، بعد فشل محادثات دولية ومحلية لإبرام تسوية جديدة للملف النووي، وتفعيل آلية إعادة العقوبات التي أطلقها كل من بريطانيا وفرنسا وألمانيا، بحسب ما ذكرته فرانس برس، وأعاد القرار فرض حظرٍ على معاملات مرتبطة ببرنامجي إيران النووي والصاروخي إلى جانب تدابير اقتصادية وتجارية وقيود على أسلحة وأصول، في حين أثار رداً فورياً وسياسياً من طهران وارتباكاً بيانياً في الأسواق المحلية.
تعود جذور الأزمة إلى اتفاق عام 2015 المعروف بخطة العمل الشاملة المشتركة الذي قيد نشاطات إيران النووية وسمح برفع عقوبات دولية مقابل إجراءات تحقق ومراقبة، وأعاد انسحاب الولايات المتحدة أحادي الجانب من الاتفاق في 2018 الأزمة للواجهة، في حين بدأت طهران تدريجياً بالتراجع عن التزاماتها، وزادت من وتيرة التخصيب ومستويات النقاء، ما زاد مخاوف المجتمع الدولي من تقارب المواد نحو مستويات قريبة من الاستخدام العسكري.
وفي المقابل، عادت المحاولات الدبلوماسية خلال العام الجاري لكنها آلت إلى طريق مسدود، فدعت الدول الأوروبية الثلاث (الترويكا) إلى تفعيل ما يُعرف بآلية الزناد في إطار قرار مجلس الأمن رقم 2231، وأُجلّت محاولات موسكو وبكين لتمديد مهلة التفاوض.
أبعاد الخطر النووي
الوكالة الدولية للطاقة الذرية أفادت بتراكم كميات من اليورانيوم المخصب إلى نقاوة عالية، وذكرت تقارير حكومية وأمنية أن مخزون إيران من المادة المخصبة بنسبة 60 بالمئة بلغ مئات الكيلوغرامات (تُقدَّر الأرقام في تقارير دولية حول منتصف يونيو بنحو 440 كيلوغراماً من مادة في شكل UF6)، وهو ما يقرب مادياً من مستويات تجعل المسافة التقنية حتى 90 بالمئة أقصر بكثير من السابق، ويُستنتَج من تقارير المراقبة أن هذه الكميات، إذا ما أُكملت عمليات التخصيب، تختزل زمن الوصول التقني إلى مواد ذات قدرة نووية عسكرية، وهو ما أثار قلق الدول التي دفعت لآلية إعادة العقوبات.
تنعكس العقوبات الدولية بسرعة على المعيشة الأساسية لدى السكان بسبب اعتماد منظومة مالية دولية ربطت تدفّق التجارة والتمويل، فالأسواق الإيرانية سجلت تدهوراً سريعاً في سعر صرف الريال، مع بلوغ أسعار الصرف في السوق الحرة أرقاماً قياسية تجاوزت لاحقاً مليون ريال للدولار في تداولات السوق الحرة، ما ضاعف تكاليف الاستيراد وزاد ضغوط التضخم، فيما لوحظ إقبال متزايد على شراء الذهب كونه ملاذاً آمناً، وفي ظل هذه الضغوط، كان لارتفاع أسعار السلع الأساسية أثرٌ مباشر في قدرة الأسر على تأمين الغذاء والسلع الطبية.
النقاش القانوني حول استثناءات إنسانية لا ينكر وجود آليات استثنائية لاستيراد الأدوية والسلع الإنسانية، غير أن خبراء ومنظمات حقوقية يشيرون إلى تأثير التزامن بين العقوبات وامتناع المصارف والمؤسسات التجارية عن التعامل مع إيران ما يخلق شللاً عملياً في سلاسل التوريد الطبية والمواد المستلزمات الأساسية للعلاج، خصوصاً في علاجات الأمراض المزمنة والسرطانية ومرضى الثلاسيميا، وتوثق دراسات وأبحاث علمية وتقارير منظمات حقوق الإنسان وحملات أممية أن العقوبات تُقوّض القدرة على الوصول إلى معدات طبية متقدمة وقطع غيار، وأن ذلك يؤدي إلى تأخر التشخيص والعلاج وارتفاع مخاطرة المرض والوفيات.
ردود المنظمات الحقوقية
منظمات دولية لحقوق الإنسان حذّرت مراراً من العواقب المباشرة وغير المباشرة للعقوبات على الحقوق الأساسية ونوهت منظمات “هيومن رايتس ووتش” و"أمنستي" إلى تقارير تبيّن تفاقم مؤشرات الانتهاكات والآثار الصحية والاجتماعية، ودعَت المنظمات إلى آليات رقابية واضحة لضمان مرور المساعدات والسلع الإنسانية دون عراقيل مصرفية أو لوجستية، كما أشار مكتب مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان وتقارير أممية إلى أن العقوبات زادت هشاشة السكان وعرّضت النظام الصحي بالبلاد لضغوط متصاعدة، في مقابل ذلك، تؤكد دول أوروبية دافعة عن إعادة العقوبات أنها لم تتخذ هذه الخطوة إلا بعد فشل إيران في تنفيذ إجراءات ملموسة وإعطاء مفتشي الوكالة وصولاً كاملاً للمواقع الأساسية.
تُستند إعادة فرض العقوبات إلى أحكام واردة في قرار مجلس الأمن الرقم 2231 الذي أقرّ آليات لتحريك العقوبات في حال إخلال أحد الأطراف بالتزاماتها، و مع ذلك، تباينت القراءات القانونية فروسيا والصين اعتبرتا الخطوة غير قانونية وطالبتا بتأجيل التفعيل، في حين رأى داعمو "آلية الزناد" أنها إجراء شرعي لردع انتهاك الاتفاق ومخاطر الانتشار النووي، عملياً، يعتمد تطبيق العقوبات على مدى التزام الدول الأعضاء بتنقيح تشريعاتها الوطنية وتفعيل الإجراءات المالية والجمركية، وقد تؤثر سياسة امتثال دول كبرى أو امتناعها عملياً في مدى فعالية الحزمة العقابية.
عودة عقوبات الأمم المتحدة على إيران تضع البلاد في مفترق مسارات سياسية ودبلوماسية تقودها مفاوضات قد تُستأنف أو تُعقَد في سياق متوتر، واقتصادية-اجتماعية تتعرض فيها فئات واسعة من السكان لأخطار ملموسة على مستوى الصحة والغذاء والدخل.
المنظمات الحقوقية والأممية تحثّ على ضمان آليات واضحة لحماية الاحتياجات الإنسانية والحدّ من التأثير الجانبي للعقوبات، في حين تُصر الدول الدافعة على أن الضغوط القوية هدفها إرجاع إيران إلى التزامات مراقبة ومفاوضات تضمن الشفافية النووية، وعلى الأرض، سيدفع المواطن الإيراني ثمن هذا التوتر، وفق تقارير اقتصادية وصحية وأرقام تتزايد بشأن التضخم وفقدان القدرة الشرائية ونقص الأدوية الحرجة.