إيران وسلاح الإعدام.. أكثر من ألف عقوبة في 2025 واستراتيجية القمع تتوسع
إيران وسلاح الإعدام.. أكثر من ألف عقوبة في 2025 واستراتيجية القمع تتوسع
أعلنت منظمة العفو الدولية أن السلطات الإيرانية أعدمت أكثر من ألف شخص حتى الآن هذا العام، في أعلى حصيلة سنوية تسجّلها المنظمة خلال خمسة عشر عاماً على الأقل، ودعت إلى فرض وقف فوري للتنفيذ، وإجراءات دولية عاجلة لوقف هذا التصعيد.
وتُظهر أرقام الأمم المتحدة أن ما لا يقل عن 841 عملية إعدام نُفّذت في إيران بين بداية العام وحتى 28 أغسطس، في حين بلغت حصيلة العام الماضي نحو 975 إعداماً على الأقل، وفق تقارير أممية وتحقيقات صحفية مستقلة، وهذه الأرقام تعكس ارتفاعاً حاداً في تنفيذ أحكام الإعدام مقارنة بالسنوات السابقة وفق المفوضية السامية لحقوق الإنسان.
أسباب التصاعد
وفق منظمة هيومن رايتس ووتش يمتد تصاعد الإعدامات في إيران إلى مجموعة متداخلة من العوامل أولها استخدام السلطات لعقوبة الإعدام بوصفها أداة قمع سياسي واستجابة للأزمات الأمنية المحلية، ومنها موجات الاحتجاج التي أعقبت وفاة مهسا أميني عام 2022، ثم تشديد الإجراءات بعد تصاعد التوترات الإقليمية والحرب المستجدة في يونيو 2025، حيث أعلنت السلطات عن حملات توقيف وملاحقات بحق من تُشتبه بتعاونهم مع العدو.
وثانياً، توسع تطبيق أحكام الإعدام في قضايا مرتبطة بالمخدرات وجرائم لا ترتقي بالضرورة إلى معيار أشد الجرائم خطورة كما يحدده القانون الدولي، ما يجعل الكثير من هذه أحكاماً مثيرة للجدل دولياً، وثالثاً، يسهم غياب الشفافية والإجراءات القضائية العادلة في تحويل المحاكمات إلى آليات لإضفاء شرعية شكلية على أحكام إعدام تُدان دولياً.
ردود فعل المنظمات الحقوقية
دعت منظمات حقوقية دولية، وعلى رأسها منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش ومنظمات إيرانية معنية، إلى وقف فوري للتنفيذ وإلغاء الأحكام الصادرة عن محاكم ثورية تفتقر إلى الضمانات القضائية الدولية، وقد حذر مكتب حقوق الإنسان في الأمم المتحدة من الارتفاع الكبير في عقوبة الإعدام ودعا إلى تعاون إيران مع آليات الأمم المتحدة للتحقيق في الانتهاكات. ومن جانبها وضعت منظمات معنية بسجل الإعدام كلمة «حملة قتل منهجية» في توصيفها لما يحدث داخل السجون الإيرانية.
على المستوى الإنساني، تتحوّل الإعدامات إلى أداة رعب تهزّ نسيج المجتمع؛ إذ تؤدي إلى فقدان عدد كبير من الأرواح، وإضفاء حالة من الخوف بين العائلات والمجتمعات المحلية، وتهجير داخلي أو تقييد حرية التعبير والنشاط المدني.
قانونياً، يثير توظيف عقوبة الإعدام في قضايا المخدرات أو التهم الفضفاضة مثل الفساد في الأرض نزاعاً مع المعايير الدولية. فالاتفاقية الدولية للحقوق المدنية والسياسية تقصر تطبيق عقوبة الإعدام على أشد الجرائم خطورة وتلزم توفير ضمانات المحاكمة العادلة، في حين تُحذر الهيئات الأممية من توسيع دائرة الجرائم القابلة للعقوبة بالإعدام.
استهداف أقليات ومحاكمات
تقارير أممية ومنظمات محلية أشارت إلى أن الأكراد والبلوش والأقليات الأخرى قد تُستهدف بشكل غير متناسب، وأن بعض الإعدامات جرت بعد محاكمات أو تهم أُطلقت في إطار قوانين أمنية واسعة، كذلك وثّق رصد أممي وجود حالات إعدامات علنية ومسارات تنفيذية لا توفر إيضاحات حول إجراءات الطعن والإنصاف، ما يفاقم القلق الدولي.
إيران لديها تاريخ طويل من اعتماد عقوبة الإعدام في مجموعة واسعة من القضايا، ورغم أن العام 2024 سجّل رقماً مرتفعاً (حوالى 975 إعداماً)، تشير التقارير إلى أن 2025 قد يكون الأعلى منذ عقود، ووفق منظمات رصد مستقلة، فهذه السلسلة التاريخية تزود السياق لفهم أن تحوّل الإعدام إلى أداة شاملة ليس طارئاً فحسب، بل امتداد لمنهجية قمعية متجذرة منذ فترة طويلة.
تطالب المنظمات الدولية بوقف فوري للتنفيذ وإدخال تعديلات تشريعية تقيّد تطبيق عقوبة الإعدام، وإطلاق سراح من اعتقلوا تعسفياً، وإتاحة وصول مستقل لمنظمات الأمم المتحدة واللجان الدولية إلى السجون والمحاكم، كما دعت إلى مراجعة القوانين الجنائية التي تجرّم سلوكيات لا تدخل تحت نطاق أشد الجرائم خطورة، وإلغاء العقوبات القاسية في قضايا المخدرات أو التهم السياسية، وناشدت منظمة العفو دولاً ثالثة إلى ممارسة ضغوط عاجلة لوقف الإعدامات المخطط لها.
آليات القانون الدولي
ينص القانون الدولي على قيود واضحة في تطبيق الإعدام، ويُعد الإجراء مخالفاً عندما يفتقد الضمانات الأساسية للمحاكمة العادلة أو يُطبق في جرائم لا تنطوي على قتل متعمد، وثمة أدوات دولية للضغط تشمل طلبات التحقيق الدولية، تقارير مجلس حقوق الإنسان، ومناشدات في إطار المراجعة الدورية الشاملة، فضلاً عن إجراءات دبلوماسية وعقوبات مستهدفة يمكن أن تستخدمها دول لمنع تنفيذ أحكام على نحو جماعي أو تعسفي.
الرقم القياسي لعمليات الإعدام في إيران هذا العام يعكس أزمة مزدوجة تتمثل في أزمة قانونية تقوض مبادىء المحاكمة العادلة، وأزمة إنسانية تبثّ الخوف وتستهدف خصوماً ومجتمعات أقلية، والرد الدولي حتى الآن تركز على الإدانات والمطالب بوقف التنفيذ، في حين تبقى فعالية الضغوط متوقفة على مستوى التنسيق الدولي وإمكانية الوصول إلى معلومات ووقائع أوضح داخل إيران، وتطالب المنظمات الحقوقية بإجراءات فورية لحماية حياة من هم في المقام الأول، وتضع المجتمع الدولي أمام اختبار إنساني وقانوني في قدرتها على منع مزيد من الوفيات الممنهجة.











