زواج القاصرات في ليبيا.. جريمة صامتة تحت غطاء العرف والتقاليد
زواج القاصرات في ليبيا.. جريمة صامتة تحت غطاء العرف والتقاليد
تواصل آثار النزاع السياسي والاجتماعي في ليبيا تمزيق البنية الأسرية والمجتمعية، وتنعكس بشكل مباشر على تفاصيل الحياة اليومية للفتيات القاصرات.
وتظهر ظاهرة زواج القاصرات كجريمة صامتة، تغذيها هشاشة القانون وتواطؤ الأعراف وانهيار منظومات الحماية الاجتماعية، بحسب ما ذكرت وكالة "JINHA"، اليوم الأحد.
لم تعد الطفولة محمية لا بالقانون ولا بالمجتمع، بل تُزف الفتيات إلى مصير مجهول باسم "الستر" أو "الخلاص من الفقر"، في حين يغيب الإحصاء الرسمي وتندر الدراسات الاجتماعية، لتبقى الظاهرة في خانة المسكوت عنه.
ويُجمع ناشطون حقوقيون على أن الانقسام السياسي، إلى جانب انعدام آليات الرصد، يزيدان من صعوبة توثيق حجم الكارثة، فلا توجد أرقام دقيقة، بل شهادات متناثرة وحالات طلاق متزايدة لفتيات لم يبلغن سن الرشد، ما يثير قلقاً متنامياً داخل المجتمع المدني.
شهادات صادمة من الميدان
روت مديرة مكتب الخدمة الاجتماعية والدعم النفسي سعاد العريبي، قصصاً مؤلمة لفتيات لم يتجاوزن الرابعة عشرة، وجدن أنفسهن زوجات وأمهات قبل أن يعشن معنى الطفولة.
واعتبرت أن هذه الممارسة تمثل "اغتصاباً للطفولة"، فالفتاة القاصر تفتقر إلى القدرة النفسية والجسدية لتحمل مسؤوليات الزواج، ومع ذلك تُلام وتُعاقب على أي تقصير، في حين يُرتكب الانتهاك تحت غطاء العرف والدين.
ورغم أن القانون الليبي للأحوال الشخصية رقم (10) لسنة 1984 حدد سن الزواج بعشرين عاماً، فإن الاستثناء القضائي فتح الباب واسعاً أمام تزويج القاصرات، حيث يُمنح القضاة سلطة تقرير الأهلية دون ضوابط واضحة.
وتحول هذا الاستثناء إلى منفذ لانتهاك الطفولة، خصوصاً في المناطق الريفية والنازحة، حيث يُرغم الفقر والحرب العائلات على اتخاذ قرارات قاسية بحق بناتهن.
الحرب وزواج القاصرات
أوضحت سعاد العريبي أن النزاعات المسلحة والانهيار الاقتصادي دفعا كثيراً من الأسر إلى تزويج الفتيات مبكراً باعتباره مخرجاً من الأزمات.
ولفتت إلى أن بنية الفتيات النفسية والجسدية لا تسعفهن لتحمل الضغوط الاجتماعية والأسرية، الأمر الذي يضاعف من المخاطر الصحية والنفسية عليهن.
من جانبها، ربطت الناشطة الحقوقية راوية الجازوي، بين تفشي الظاهرة وانهيار البنية الأسرية بعد عقد من الحرب.
وقالت إن "العنف الذي تعرضت له النساء خلال الأزمات دفع بعض الأسر إلى تزويج بناتها اعتقاداً أن ذلك سيحميهن من الاعتداء أو الخطر، في حين أن الزواج المبكر ليس سوى باب جديد لانتهاكات أشد".
وأضافت أن قضايا الطلاق التي استقبلتها المحاكم ازدادت بشكل لافت بعد عام 2011، ما يعكس عمق الأزمة.
الحاجة إلى سياسات جذرية
طالبت ناشطات حقوقيات بضرورة التحرك العاجل لمواجهة الظاهرة، معتبرات أن الحملات الإعلامية الموسمية لا تكفي.
وأكدن أن المطلوب اليوم سياسات شاملة، تشمل إدراج موضوع زواج القاصرات في المناهج الدراسية، وتدريب القضاة على تقييم الأهلية النفسية والاجتماعية للفتيات، وتوفير مراكز دعم نفسي واجتماعي للمراهقات المتضررات.
ودعت سعاد العريبي إلى إشراك الفتيات أنفسهن في صياغة السياسات التي تمس حياتهن، معتبرة أن "الإنصات إلى أصوات القاصرات هو المدخل الحقيقي لفهم معاناتهن".
وأجمعت الناشطات على أن محاربة هذه الظاهرة تتطلب إرادة سياسية موحدة، ورؤية مجتمعية ترى في الفتاة مواطنة كاملة الحقوق لا عبئاً يُدفع إلى الزواج المبكر كحل زائف.