زواج القاصرات في المغرب.. "قيد الفاتحة" يثير مخاوف مجتمعية من ضياع الحقوق
زواج القاصرات في المغرب.. "قيد الفاتحة" يثير مخاوف مجتمعية من ضياع الحقوق
أشعلت دعوات الناشطات والحقوقيات في المغرب من جديد النقاش حول المادة 20 من مدونة الأسرة، التي تتيح لقاضي الأسرة منح الإذن بزواج القاصر دون سن الثامنة عشرة، إذا رأى في ذلك مصلحة بعد استشارة أوليائها والاستعانة بخبرة طبية وبحث اجتماعي.
وتطالب منظمات المجتمع المدني بحذف هذه المادة نهائيًا، معتبرةً أنها ثغرة قانونية تُبقي آلاف الفتيات رهائن لزيجات قسرية تنتهي في الغالب بالطلاق، والتشرد، وضياع الحقوق، بحسب ما ذكرت وكالة "JINHA"، اليوم الأربعاء.
وتُظهر الوقائع اليومية أن العديد من الأسر المغربية تلجأ إلى تزويج بناتها القاصرات دون توثيق رسمي لعقود الزواج، تحت ذريعة انتظار بلوغ الفتاة السن القانونية لتسوية وضعها، غير أن المأساة تتفاقم عندما يُهمل الزوج وعده بالتوثيق أو يختفي دون أثر، لتجد "الزوجة" نفسها مطلقة بأطفال دون نسب قانوني.
وتشير منظمات حقوق المرأة إلى أن هذه الممارسات تمثل تحايلاً على القانون عبر قراءة "الفاتحة" كوسيلة شكلية لعقد القران، وهو ما يسمح لبعض الرجال بتعدد الزوجات دون إذن من الزوجة الأولى، أو بالتهرب من الالتزامات الشرعية عندما تتعقد العلاقة.
نساء محطمات وأطفال بلا هوية
تروي قصص مؤلمة معاناة نساءٍ سقطن ضحايا لزواج الفاتحة، فقد عاشت سعاد مسعود (اسم مستعار) من ضواحي خنيفرة تجربة قاسية، بعدما تزوجت عرفيًا وأنجبت ثلاثة أبناء، قبل أن يتركها زوجها دون توثيق الزواج أو الاعتراف بالأطفال.
سافرت سعاد إلى إسبانيا للعمل في جني الفراولة لتوفير لقمة العيش، فيما انقطعت ابنتها الكبرى عن الدراسة لتعتني بإخوتها وجدتها.
ورغم أن المغرب فتح سابقًا باب توثيق الزيجات غير المسجلة لتصحيح الأوضاع، فإن آلاف الحالات ظلت عالقة، وحقوق الأطفال ضائعة بين الإجراءات واللامبالاة.
عراقيل تواجه التوثيق
تُظهر تصريحات المحامية والناشطة الحقوقية حسناء بلبنار من هيئة مراكش، أن الإشكال لا يقتصر على الزيجات القديمة، بل يمتد إلى حالات حديثة ما زالت تواجه عراقيل التوثيق رغم وجود أطفال.
وتوضح بلبنار أن المادة 16 من مدونة الأسرة تعتبر عقد الزواج الوثيقة الوحيدة للإثبات، لكنها تسمح استثناءً بقبول الشهود والأدلة في حالة وجود موانع قاهرة حالت دون التوثيق في حينه.
غير أن توجيهات المجلس الأعلى للسلطة القضائية في السنوات الأخيرة حدّت من قبول هذه الطلبات، ما ترك آلاف النساء دون حماية قانونية.
ورغم بعض الاستثناءات القضائية، مثل قرار محكمة النقض عام 2023 الذي اعترف بزواج تم بالفاتحة استنادًا إلى شهود وصور، تبقى هذه الحالات نادرة ولا تمثل قاعدة عادلة لحماية النساء.
إقرار بالبنوة.. ومشقة الاعتراف
تعاني فتيات قاصرات مثل أمينة سالم من منطقة دمنات شرق مراكش المصير نفسه. فقد زُوّجت قسرًا وهي قاصر، وأنجبت طفلًا لم يتمكن من دخول المدرسة بسبب غياب التسجيل المدني.
وبعد أن هاجر الزوج إلى إيطاليا بطريقة غير شرعية، تعذّر عليه توثيق الزواج أو الاعتراف بالبنوة، تاركًا الأم والطفل في مواجهة المجهول.
ويشير الحقوقيون إلى أن المهاجرين يمكنهم نظريًا توكيل ممثل قانوني عبر القنصليات لتثبيت البنوة، لكن غياب الوضع القانوني للمهاجرين غير النظاميين يجعل ذلك مستحيلًا عمليًا، ما يضاعف من معاناة النساء وأطفالهن.
ثغرات وزيجات باطلة
يؤكد القانون المغربي أن كل زواج لم يُوثق بعقد رسمي ولم يحضره وليّ وشاهد عدل يُعد فاسدًا شرعًا وقانونًا، ومع ذلك، تلجأ المحاكم إلى الاجتهاد عبر المادة 400 من مدونة الأسرة التي تتيح العودة إلى المذهب المالكي، ما سمح بتسوية بعض الحالات استنادًا إلى الشهود وإثبات الصداق والإيجاب والقبول.
لكن انتهاء المهل الزمنية التي فُتحت بين عامي 2004 و2019 لتوثيق الزيجات السابقة أغلق الباب أمام كثير من النساء، فبقيت الزيجات اللاحقة بدون سند قانوني، فيما لا تزال المحاكم تواجه طوفانًا من دعاوى ثبوت الزوجية والإقرار بالبنوة.
وتطالب الناشطات النسويات بإلغاء المادة 20 من مدونة الأسرة بشكل نهائي، واعتبار زواج القاصر جريمة قانونية لا استثناء فيها، كما يدعون إلى إطلاق حملة وطنية لتوثيق جميع الزيجات العرفية وضمان حق الأطفال في النسب والتعليم والرعاية، دون تحميل الأمهات عبء إثبات ما هو بديهي في الأصل.
ويؤكد خبراء القانون أن استمرار العمل بالاستثناءات والمهل القانونية يكرس الظلم بدل معالجته، ويحوّل النصوص إلى أدوات لإدامة اللامساواة بين الجنسين في بلد يسعى لإصلاح شامل لقوانينه الأسرية.










