انتهاكات غزة تعيد صياغة التحالفات.. منظمات حقوقية تدعو لتعليق الشراكة الأوروبية الإسرائيلية

انتهاكات غزة تعيد صياغة التحالفات.. منظمات حقوقية تدعو لتعليق الشراكة الأوروبية الإسرائيلية
تشييع جثمان أحد الصحفيين في غزة- أرشيف

تجد اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل نفسها في عين عاصفة سياسية وحقوقية متجددة، بعدما ناشدت لجنة حماية الصحفيين (CPJ) و16 منظمة دولية لحقوق الإنسان والإعلام، في بيان لها اليوم الثلاثاء، قادة ألمانيا وإيطاليا وجمهورية التشيك بتعليق الاتفاقية كليًا أو جزئيًا.

تأتي هذه المطالبات وفق "قناة الغد" في ظل تقارير متزايدة عن انتهاكات حقوق الإنسان خلال الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، بما في ذلك تقييد حرية الصحافة ومنع دخول المراسلين الدوليين.

اتفاقية مثقلة بالجدل

تم توقيع اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل عام 1995 ودخلت حيز التنفيذ في عام 2000، وتُعد الاتفاقية الركيزة القانونية والمؤسسية للعلاقات السياسية والاقتصادية بين الجانبين، وتتضمن فصولًا للتجارة الحرة والاستثمار والتعاون الإعلامي والتعليمي، لكنها تتأسس أيضًا على "الاحترام المتبادل لحقوق الإنسان والمبادئ الديمقراطية"، هذه الصياغة القانونية جعلت الاتفاقية عرضة للنقد، إذ اعتبرتها منظمات حقوقية أداة تمنح إسرائيل امتيازات اقتصادية كبيرة رغم ما يُوصف بملفها الحقوقي المثير للجدل.

في الآونة الأخيرة، اقترحت المفوضية الأوروبية تعليق بعض البنود المتعلقة بالتجارة، مشيرة إلى "انتهاك عناصر أساسية تتعلق بحقوق الإنسان"، غير أن تمرير هذه الخطوة يتطلب موافقة جميع الدول الأعضاء، وهو ما يضع ألمانيا وإيطاليا والتشيك في بؤرة الخلاف نظرًا لمعارضتها المتكررة لأي إجراء قد يضر بعلاقاتها الاستراتيجية مع تل أبيب.

مناشدة حقوقية غير مسبوقة

في رسائل رسمية موجهة إلى الحكومات الثلاث، أكدت لجنة حماية الصحفيين والمنظمات الشريكة أن استمرار الشراكة بشكلها الحالي "سيضاعف الأذى الذي يلحق بالصحفيين وحرية الصحافة في غزة"، البيان وصف الوضع بأنه "جرس إنذار" للديمقراطيات الغربية، محذرًا من أن التغاضي عن الانتهاكات سيؤدي إلى "انتشار ظاهرة إسكات الأصوات إلى ما وراء حدود غزة".

المنظمات الموقعة شددت على أن المادة الثانية من الاتفاقية نفسها تنص على أن احترام حقوق الإنسان "عنصر جوهري"، وبالتالي فإن تعليق الشراكة ليس فقط خيارًا سياسيًا بل التزامًا قانونيًا على الاتحاد الأوروبي.

حرية الصحافة في مرمى النار

خلال الشهر الماضي، وقّع أكثر من 100 صحفي ومصور ومراسل حربي يعملون في وكالات أنباء دولية عريضة تطالب بـ"السماح الفوري وغير الخاضع للرقابة للصحافة الأجنبية بدخول قطاع غزة"، واعتبرت المنظمات الحقوقية أن القيود المفروضة على التغطية الإعلامية تُخفي حجم الكارثة الإنسانية في القطاع.

تقارير منظمات أممية، بينها مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان، وثّقت "انتهاكات جسيمة" ضد المدنيين في غزة، فيما حذرت منظمة "مراسلون بلا حدود" من أن "الصحافة المستقلة باتت مستهدفة بشكل مباشر"، وتشير الأرقام الصادرة عن نقابة الصحفيين الفلسطينيين إلى مقتل أكثر من 200 صحفي منذ بداية الحرب في غزة، ما يجعلها واحدة من أخطر النزاعات على الصحافة في العقود الأخيرة.

الانقسام الأوروبي

بينما تدعم دول أوروبية مثل أيرلندا وإسبانيا وبلجيكا فكرة فرض عقوبات أو تعليق الاتفاقية، ترفض ألمانيا وإيطاليا والتشيك المضي في ذلك، وتبرر برلين موقفها بضرورة الحفاظ على "قنوات تواصل مفتوحة مع إسرائيل"، بينما ترى روما أن تعليق الاتفاقية سيؤدي إلى "تقويض الاستقرار الإقليمي"، أما براغ فتؤكد أن الخطوة ستضعف الاتحاد الأوروبي وتمنح منافسين دوليين مثل روسيا أو الصين مساحة أكبر للتأثير.

هذا الانقسام يعكس التوازن الصعب بين المبادئ والقيم التي يرفعها الاتحاد الأوروبي في سياسته الخارجية، والمصالح الاستراتيجية التي تربطه بإسرائيل في ملفات الأمن والدفاع والطاقة والتكنولوجيا.

التداعيات الاقتصادية المحتملة

وفقًا لموقع "واللا" الإسرائيلي، فإن أي تعليق أو تقييد للاتفاقية قد يعرّض إسرائيل لخسارة صفقات تجارية ضخمة مع أوروبا، التي تُعد أكبر شريك تجاري لها، حيث تمثل نحو ثلث إجمالي صادراتها، كما أن تعليق بعض بنود التعاون قد يؤثر على قطاعات حساسة مثل التكنولوجيا المتقدمة والأبحاث العلمية المشتركة.

في المقابل، يرى محللون اقتصاديون أن الاتحاد الأوروبي نفسه قد يواجه تداعيات محدودة نسبيًا، بالنظر إلى أن السوق الإسرائيلية صغيرة مقارنة بالشركاء الكبار مثل الصين والولايات المتحدة.

ليست هذه المرة الأولى التي يُثار فيها جدل حول اتفاقيات الاتحاد الأوروبي في ضوء قضايا حقوق الإنسان، فقد سبق أن عُلقت بعض بنود اتفاقيات الشراكة مع دول مثل سريلانكا وبيلاروسيا وميانمار بسبب انتهاكات حقوقية، غير أن تطبيق مثل هذا القرار على إسرائيل يظل معقدًا بسبب الوزن السياسي واللوبيات المؤثرة في أوروبا، إلى جانب البعد التاريخي والثقافي للعلاقات الأوروبية الإسرائيلية.

من الناحية القانونية، تشدد منظمات مثل "العفو الدولية" و"هيومن رايتس ووتش" على أن الانتهاكات الموثقة في غزة ترقى إلى مستوى "جرائم حرب"، وتذكّر هذه المنظمات الاتحاد الأوروبي بالتزاماته بموجب القانون الدولي، وخصوصًا اتفاقيات جنيف التي تلزم الأطراف بعدم توفير الدعم لأي طرف يرتكب انتهاكات جسيمة ضد المدنيين.

مستقبل بين الضغط والتسوية

السيناريوهات المحتملة تتراوح بين تعليق جزئي يقتصر على بعض بنود التجارة والتعاون، وبين إعادة صياغة الاتفاقية لتشمل آليات رقابة أقوى على احترام حقوق الإنسان، غير أن خيار الإلغاء الكامل يظل مستبعدًا في ظل التعقيدات السياسية والاقتصادية.

حتى الآن، تعتبر إسرائيل أن أي خطوة أوروبية ضدها منحازة وتخدم الدعاية المعادية لكن الضغوط الحقوقية والإعلامية المتزايدة، خاصة مع تراكم التقارير الأممية، تجعل من الصعب على الاتحاد الأوروبي تجاهل القضية لفترة طويلة.

بين المبادئ المعلنة والمصالح الاستراتيجية، يقف الاتحاد الأوروبي أمام اختبار صعب في علاقته مع إسرائيل. هل يلتزم بتعهداته في مجال حقوق الإنسان ويعيد النظر في اتفاقية الشراكة، أم يختار الإبقاء على التعاون الاستراتيجي رغم ثمنه الإنساني؟ ما يجري في غزة لا يحدد فقط مستقبل الفلسطينيين والصحفيين هناك، بل يضع صورة أوروبا كمدافع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان على المحك.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية