بين الإبداع والقلق.. الذكاء الاصطناعي يغيّر ملامح الرسوم المتحركة

بين الإبداع والقلق.. الذكاء الاصطناعي يغيّر ملامح الرسوم المتحركة
الذكاء الاصطناعي - أرشيف

يفتح الذكاء الاصطناعي صفحة جديدة في تاريخ الرسوم المتحركة بعد ثلاثة عقود من صدور فيلم "توي ستوري"، أول فيلم ثلاثي الأبعاد في العالم. فبينما يُبشر هذا التطور بثورة في عالم الإبداع البصري، يُثير في الوقت ذاته قلقاً واسعاً بين الفنانين والمبدعين الذين يخشون أن تُزيح الخوارزميات ريشتهم عن الشاشة، وتختزل سنوات الخبرة في بضعة أكواد رقمية.

وأطلق استوديو "أنيماج" الفرنسي، الذي تأسس عام 2022، تحولاً نوعياً في استخدام الذكاء الاصطناعي لصناعة الصور المتحركة. 

ويُقدَّم هذا الاستوديو اليوم كرائدٍ في دمج التقنية الحديثة مع الفن، بعد تطويره نموذجاً قادراً على إنتاج مشاهد متحركة بالكامل انطلاقاً من نصوص أو رسومات بسيطة تُعرف بـPrompts، بحسب ما ذكرت وكالة "فرانس برس"، اليوم الاثنين.

واستفاد النموذج من تحليل أكثر من 300 حلقة من مسلسل الأطفال الشهير "بوكويو" لإنتاج صور مطابقة للطابع البصري الأصلي.

وأوضح مؤسس الاستوديو ومديره التنفيذي سيكست دو فوبلان أن النظام "مدرَّب فقط على بيانات يملك الاستوديو حقوقها الفكرية"، في محاولة لتفادي النزاعات القانونية التي تُعد أحد أكبر التحديات في هذا المجال. 

وأضاف أن الذكاء الاصطناعي، إذا استُخدم بذكاء، يمكن أن يصبح "مساعداً للفنان لا بديلاً عنه".

انتهاك حقوق الملكية

تتصاعد المخاوف في الأوساط الفنية بعد ظهور نماذج كـ "سورا" التابعة لـ"أوبن إيه آي" و"فيو" من "غوغل ديب مايند"، التي تُتهم بانتهاك حقوق الملكية الفكرية عبر توليد صور وأعمال مستوحاة من أعمال استوديوهات معروفة مثل جيبلي وهاياو ميازاكي دون إذنٍ مسبق.

ويرى مختصون أن هذا السلوك يُهدد بتقويض منظومة حماية الإبداع الفني التي بُنيت عبر قرن من الزمان، في وقتٍ تسعى فيه المؤسسات إلى تنظيم العلاقة بين الإبداع البشري والذكاء الاصطناعي.

وتسبّب الإعلان عن تعاون "أوبن إيه آي" مع شركة بريطانية تابعة لمجموعة "فدريشن ستوديوز" الفرنسية لإنتاج فيلم طويل باستخدام الذكاء الاصطناعي، في موجة من القلق داخل قطاع الرسوم المتحركة الأوروبي، وحذّرت منظمات فنية فرنسية من أن "التكنولوجيا لا يمكن أن تحل محل الحس الإبداعي والرؤية الإنسانية التي يحملها الفنانون".

وأكد رسام الغرافيك والمصمم الفرنسي جان جاك لوني، الرئيس المشارك لجمعية مصممي الرسوم المتحركة (AGrAF)، أن الخطر الحقيقي يكمن في المسلسلات التلفزيونية "التي تتبع نمطاً موحداً وسهل التكرار، ما يجعلها أكثر عرضة للاستبدال بواسطة الذكاء الاصطناعي".

وأوضح أن هذه الأدوات "تنظّف وتُحسّن وتُسوّي المشاهد" بطريقة تُغري السوق الباحثة عن الكفاءة والتكلفة الأقل، لكنها تُهدد أكثر من 12 ألف وظيفة في قطاع الرسوم المتحركة بفرنسا.

توفير في الوقت والتكلفة

يرى فوبلان أن التطور التكنولوجي لا مفر منه، وأن الأهم هو تدريب الفنانين الحاليين على استخدام الأدوات الجديدة لضمان استمرارهم في السوق.

وأكد أن النماذج الجديدة تتيح توفيراً هائلاً في الوقت والتكاليف الإنتاجية، قائلاً: "الاستوديو الذي لا يعتمد الذكاء الاصطناعي لن يتمكن من الصمود في سوق يواجه أزمة تمويل خانقة".

ورغم هذه المزايا، لا تزال الأسئلة الأخلاقية قائمة: هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يُنتج فناً يحمل روح الإنسان؟ أم سيحوّل الإبداع إلى منتج آلي بلا إحساس أو روح؟

العمالقة يراقبون المشهد

لم تُبدِ استوديوهات كبرى مثل بيكسار وديزني قلقاً كبيراً حتى الآن، بفضل قدراتها التقنية والمالية الضخمة.

وقال بوب بولي، مصمم الغرافيك في "بيكسار" والمشارك في ابتكار شخصية باز لايتيير بفيلم توي ستوري، في مقابلة مع وكالة فرانس برس: "الذكاء الاصطناعي يُحدث ثورة في كل شيء، ولا يمكننا تجاهله، لكن الفن لا يزال بحاجة إلى لمسة الإنسان".

وأشار بولي، الذي يعمل على إخراج فيلم توي ستوري 5 المقرر عرضه في يونيو 2026، إلى أنه شاهد أفلاماً قصيرة صُنعت كلياً بالذكاء الاصطناعي، ووجدها "باهتة وتفتقر إلى العاطفة"، مؤكداً أن "الإبداع لا يقاس بسرعة الإنتاج، بل بعمق الشعور والخيال".

مستقبل غامض للفن

يُجمع الخبراء على أن الذكاء الاصطناعي لن يُلغي الفن الإنساني، لكنه سيُعيد تعريفه جذرياً.

فكما غيّر توي ستوري مفهوم الرسوم المتحركة عام 1995، يُتوقع أن تُعيد الموجة الجديدة رسم الحدود بين الآلة والمبدع، وتفرض معادلة جديدة يكون فيها الإنسان الموجّه، والذكاء الاصطناعي الأداة.

ومع ذلك، يبقى الخوف الأكبر أن تتحول هذه الأداة إلى سيد، فيغيب الدفء الإنساني عن الشاشة، وتصبح المشاعر محاكاة رقمية بلا روح.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية