وسط مخاوف من التضليل.. كبار السن في الولايات المتحدة يدخلون عصر التكنولوجيا
وسط مخاوف من التضليل.. كبار السن في الولايات المتحدة يدخلون عصر التكنولوجيا
لم يعد الذكاء الاصطناعي حكراً على الشباب ورواد التكنولوجيا، إذ تشير دراسات حديثة إلى أن كبار السن في الولايات المتحدة بدؤوا بدورهم في خوض تجربة استخدام هذه التقنيات، سواء عبر المساعدات الصوتية مثل "أليكسا" أو عبر روبوتات المحادثة النصية مثل "شات جي بي تي"، في خطوة تكشف عن تحوّل تدريجي في علاقة الجيل الأكبر بالعالم الرقمي.
وأفاد 55% من كبار السن الأمريكيين الذين شملهم الاستطلاع بأنهم استخدموا نوعاً من تقنيات الذكاء الاصطناعي، وكانت المساعدات الصوتية الأكثر انتشاراً مقارنة بروبوتات المحادثة، بحسب ما ذكرت صحيفة "ScienceAlert"، اليوم الثلاثاء.
واستخدم نصف المشاركين مساعداً صوتياً خلال العام الماضي، في حين استخدم واحد من كل أربعة روبوت محادثة نصي.
ويُظهر هذا الاتجاه أن الذكاء الاصطناعي بدأ يتسلل إلى تفاصيل الحياة اليومية، حتى لدى الفئات التي كانت تقليدياً أقل تفاعلاً مع التكنولوجيا.
الذكاء الاصطناعي والاستقلالية
يُعد الحفاظ على العيش باستقلالية أحد أهم أهداف كبار السن في أمريكا، لا سيما أن كثيرين منهم لا يرغبون في الانتقال إلى دور الرعاية أو لا يستطيعون تحمّل تكاليفها.
ووفّر الذكاء الاصطناعي فرصة لتحقيق هذا الهدف، إذ وجد كثير من المستخدمين أنه يساعدهم في العيش بأمان وراحة داخل منازلهم.
تنوّعت استخداماته بين الترفيه والبحث عن المعلومات، وامتدت إلى مهام أكثر ابتكاراً كالتخطيط للرحلات أو توليد النصوص والصور.
كما استخدم نحو ثلث كبار السن أجهزة أمن منزلي ذكية كالأجراس والكاميرات وأنظمة الإنذار، وأفاد 96% منهم بشعور أكبر بالأمان بعد تركيبها.
ورغم المخاوف من انتهاك الخصوصية باستخدام الكاميرات داخل المنازل، فإن معظم المستخدمين رأوا أن الكاميرات الخارجية تمنحهم طمأنينة، خصوصاً لمن يعيشون بمفردهم أو بعيداً عن أبنائهم.
الفجوة الرقمية والديموغرافية
أظهرت النتائج أن الوضع الصحي والتعليم والدخل عوامل حاسمة في استخدام الذكاء الاصطناعي، فالأكثر تعليماً وصحةً ودخلاً هم الأكثر ميلاً لاستخدام المساعدات الصوتية وأنظمة الأمان الذكية، وهو نمط يشبه تبنّي الهواتف الذكية سابقاً.
وتبقى هذه الفجوة الرقمية مؤشراً على تحدٍ مستمر يواجه المجتمعات المتقدمة في ضمان وصول التقنيات الحديثة إلى جميع الفئات العمرية.
رغم الإقبال المتزايد، لا تزال الثقة في الذكاء الاصطناعي منقسمة بين كبار السن، إذ قال 54% إنهم يثقون بالمحتوى الذي ينتجه الذكاء الاصطناعي مقابل 46% لا يثقون به.
ويبدو أن التجربة الشخصية تلعب دوراً محورياً، فالأشخاص الذين استخدموا الذكاء الاصطناعي بأنفسهم أظهروا ثقة أعلى في نتائجه.
لكن هذا الاطمئنان لا يخلو من المخاطر، لأن نصف المشاركين فقط شعروا بالقدرة على اكتشاف المعلومات الخاطئة. وأشار الخبراء إلى أن القدرة على التمييز بين الحقائق والتزييف مسألة جوهرية في عصر تغزو فيه الأدوات الذكية فضاء الإنترنت.
دروس وسياسات مطلوبة
تشير النتائج إلى ضرورة تطوير برامج لمحو الأمية الرقمية تستهدف كبار السن، مع تعزيز الوعي حول مزايا ومخاطر الذكاء الاصطناعي.
وأبدى تسعة من كل عشرة مشاركين رغبتهم في معرفة ما إذا كانت المعلومات أو الصور قد وُلدت بواسطة الذكاء الاصطناعي، ما يؤكد الحاجة إلى شفافية أكبر في المحتوى الرقمي.
بعض الولايات الأمريكية، مثل ميشيغان، بدأت بالفعل في فرض سياسات تُلزم بالكشف عن المحتوى المُولَّد بالذكاء الاصطناعي في الإعلانات السياسية، في حين دعا باحثون إلى توسيع هذه القوانين لتشمل جميع أشكال المحتوى، بما فيها الإعلانات التجارية ومنشورات وسائل التواصل الاجتماعي.
نحو شيخوخة رقمية آمنة
يرى خبراء التكنولوجيا والسياسات الاجتماعية أن دمج كبار السن في عالم الذكاء الاصطناعي ليس رفاهية بل ضرورة، إذ تتيح هذه الأدوات فرصاً لتحسين جودة الحياة والاستقلال، لكن مع ذلك يجب أن تكون مصحوبة بإرشاد وتدريب وحماية من التضليل.
في نهاية المطاف، يبدو أن الذكاء الاصطناعي لا يغيّر فقط طريقة تفاعل الشباب مع العالم، بل يعيد تعريف الشيخوخة نفسها، ليجعلها أكثر ارتباطاً بالتكنولوجيا، وأكثر قدرة على التكيف مع المستقبل.










