وسط دعوات للإصلاح.. قلق حقوقي من زيادة وفيات النساء أثناء الولادة بالمغرب
وسط دعوات للإصلاح.. قلق حقوقي من زيادة وفيات النساء أثناء الولادة بالمغرب
تُعيد حوادث وفاة النساء أثناء الولادة في المغرب إلى الواجهة واحدة من أكثر القضايا الإنسانية إلحاحاً في البلاد، حيث تتقاطع مع معضلات عميقة تتعلق بالعدالة الاجتماعية والمساواة في الحصول على الخدمات الصحية.
وعلى الرغم من الخطط الوطنية المتكررة لتحسين صحة الأم والطفل، فما تزال نساء كثيرات، خصوصاً في القرى والمناطق الجبلية، يواجهن رحلة محفوفة بالمخاطر عند كل ولادة.
ومع تكرار المآسي داخل المستشفيات العمومية، تتصاعد أصوات الجمعيات النسوية والحقوقية مطالبة بمساءلة حقيقية وتفعيل الاستراتيجيات الحكومية التي بقيت، في نظرها، حبراً على ورق.
صرخة تحذير جديدة
أطلقت فيدرالية رابطة حقوق النساء صرخة تحذير جديدة، عقب وفاة امرأة في المستشفى الجهوي الحسن الثاني بأكادير، معتبرةً أن الحادث يعكس هشاشة خطيرة في المنظومة الصحية المغربية، ويفضح واقع الرعاية الصحية للأمهات، ولا سيما المناطق القروية والجبلية.
واعتبرت الفيدرالية، في بيان لها، الجمعة، أن استمرار وفيات النساء أثناء الولادة "وصمة إنسانية تمس العدالة الاجتماعية وتهدد الحق في الحياة والكرامة".
وذكرت الفيدرالية في بيانها، أن هذه الواقعة "المأساوية" ليست حادثة معزولة بل حلقة جديدة في سلسلة من الكوارث التي تتكرر في مستشفيات البلاد.
وأوضحت أن ما جرى في أكادير يعيد إلى الأذهان مآسي مشابهة شهدتها مستشفيات في الجنوب والشرق خلال الأشهر الماضية، دون أن تُسفر التحقيقات عن حلول عملية.
وأشارت الهيئة النسوية إلى أن حماية حياة النساء مسؤولية وطنية تتجاوز حدود القطاعات الحكومية، مؤكدة أن العدالة الاجتماعية تبدأ من ضمان ولادة آمنة لكل امرأة مغربية، بغضّ النظر عن موقعها الجغرافي أو وضعها الاجتماعي.
التدابير محدودة وغير كافية
انتقدت المنظمة الحقوقية في بيانها الذي نقلته وكالة الأنباء المغربية الرسمية، ردود فعل وزارة الصحة التي أعلنت عن فتح تحقيق واتخاذ إجراءات عاجلة، معتبرة أن هذه التدابير "محدودة وغير كافية"، إذ لا تلامس جذور المشكلة المتمثلة في ضعف البنية التحتية الصحية وغياب وسائل نقل إسعافية آمنة.
وأضافت الفيدرالية أن النقص الحاد في الكوادر الطبية، وتفاوت جودة الخدمات بين المدن والقرى، يجعلان من الحمل والولادة تجربة محفوفة بالمخاطر لكثير من النساء.
ودعت الحكومة إلى تجاوز الحلول الظرفية نحو إصلاح بنيوي يضمن العدالة الصحية ويكرّس المساواة في الحق في العلاج.
دعوات لإطلاق خطة وطنية
طالبت فيدرالية رابطة حقوق النساء التي تُعد من أبرز المنظمات المدافعة عن حقوق المرأة في المغرب، بإطلاق خطة وطنية عاجلة للرعاية الصحية الآمنة، وتفعيل الاستراتيجية الوطنية للصحة الجنسية والإنجابية، التي وُضعت قبل سنوات لكنها لم تُطبق فعليًا.
وأكدت الهيئة أن كل وفاة لامرأة أثناء الولادة تمثل فشلًا جماعيًا في حماية الحق في الحياة، داعية الحكومة إلى إشراك المجتمع المدني والمنظمات المحلية في إعداد وتنفيذ السياسات الصحية لضمان الشفافية والمساءلة.
وكشفت الفيدرالية أنها قدّمت في وقت سابق مقترحات عملية إلى سبعة أحزاب سياسية وثلاث مركزيات نقابية ضمن برنامج أسمته "المواطنة المسؤولة"، إلا أن أغلب هذه التوصيات لم تجد طريقها إلى التنفيذ.
ورأت الهيئة أن غياب الإرادة السياسية والتمويل الكافي يجعل كل الخطط السابقة مجرد شعارات، مؤكدة أن الاستثمار في صحة النساء هو استثمار في العدالة الاجتماعية والتنمية المستدامة.
إحصاءات ومقارنة إقليمية
أظهرت أحدث المعطيات الرسمية، الصادرة عن المندوبية السامية للتخطيط ومنظمة الصحة العالمية، أن معدل وفيات الأمهات في المغرب يبلغ 72 وفاة لكل 100 ألف ولادة حية، أي ما يعادل ضعف المعدل في شمال إفريقيا.
وتصل النسبة إلى أكثر من 100 وفاة في المناطق الجبلية والنائية، حيث تواجه النساء صعوبات كبيرة في الوصول إلى المراكز الصحية.
ورغم التحسن النسبي، مقارنة بالعقود الماضية، أكدت تقارير أممية أن المغرب ما زال بعيدًا عن تحقيق أهداف التنمية المستدامة المتعلقة بخفض المعدل إلى أقل من 70 وفاة لكل 100 ألف ولادة بحلول عام 2030.
الحاجة إلى إصلاح جذري
أقرت الحكومة المغربية، في أكثر من مناسبة، بوجود اختلالات في النظام الصحي، مؤكدة أنها تعمل على توسيع العرض الصحي وتحسين الخدمات في المستشفيات الإقليمية.
لكن منظمات نسوية وحقوقية ترى أن جوهر الأزمة يكمن في ضعف الميزانيات المخصصة للصحة العمومية، والنقص المزمن في الأطر الطبية، وغياب التنسيق بين وزارة الصحة والسلطات المحلية.
وشددت رابطة حقوق النساء على أن تحقيق العدالة الاجتماعية يبدأ من حق المرأة في الحياة والرعاية، داعيةً إلى جعل صحة النساء والفتيات أولوية وطنية لا تحتمل التأجيل.