عائدون إلى غزة.. فلسطينيون يتمسكون بالحياة والوطن رغم مآسي الحرب
عائدون إلى غزة.. فلسطينيون يتمسكون بالحياة والوطن رغم مآسي الحرب
أعاد الفلسطينيون في شمال غزة اكتشاف مدينتهم التي دمرتها الحرب، حين تدفقت جموع النازحين على شارع الرشيد سيرًا على الأقدام أو فوق عربات متهالكة، عائدين إلى بيوت لم تعد موجودة، وأحياء مُسحت من على الخريطة بعد عامين من القصف المستمر.
مشهدٌ إنساني تتقاطع فيه الدموع مع الغبار، حيث يسير الناس حفاة يحملون ما تبقى من متاعهم وأطفالهم في رحلة عودة تشبه الحلم المستحيل.
وقالت وكالة فرانس برس، اليوم الأحد، إن آلاف العائلات الفلسطينية عبرت من الجنوب إلى الشمال عقب إعلان وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة حماس، وسط مشاعر مختلطة تجمع بين الأمل والدهشة والخوف، بعد حربٍ وصفت بأنها الأشد تدميرًا في تاريخ القطاع.
فرح فوق الركام
روت نبيلة بصل، وهي أم تمسك بيد ابنتها المصابة بشظايا في رأسها، مشاعرها بعد العودة: "الشعور لا يوصف، الحمد لله.. إن شاء الله تكون آخر معاناة إلنا".
لكن فرحتها لم تدم طويلًا، إذ اكتشفت أن بيتها لم يعد سوى أطلال. مثلها كثيرون، حملوا ذكرياتهم عائدين إلى اللاشيء.
ووصف أحمد الجعبري، رجل ستيني عاد إلى حيّه في غزة، لحظة رؤيته لمنزله المنهار بقوله: "دمر بيتي في لحظة.. لا دماء اليوم، بس وين نروح؟ هل سنعيش عشرين سنة في خيمة؟".
مدن بلا ملامح
سارت نهى داود، أم لخمسة أبناء من حي الشجاعية، على قدميها من دير البلح إلى الشمال لتجد أن الطريق التي حفظتها من طفولتها لم تعد موجودة.. قالت بصوت مختنق: "ما بنقدر نميز بيوتنا، الشوارع راحت، كل شي انمسح. كأن المدينة مرت بكارثة ما بتخلي حجر على حجر".
ومسحت دموعها وهي تشير إلى الأنقاض: "مش عارفة وين أروح، لا بيت ولا مكان، لا مي ولا كهربا... إحنا عايشين على ولا شي".
وفي حي التفاح، وقف أحمد مقاط أمام ما تبقى من منزله، وقال: "المنطقة مسحت بالكامل، لا بيوت ولا شوارع، بس جبال ركام".
كارثة إنسانية غير مسبوقة
أكد المكتب الإعلامي الحكومي في غزة أن أكثر من 90% من البنية التحتية المدنية دُمر، في حين تجاوزت الخسائر المادية 70 مليار دولار.
وأشار التقرير إلى أن نحو 300 ألف وحدة سكنية سُويت بالأرض، وأن ما يقارب مليوني إنسان يعيشون اليوم في خيام تفتقر إلى الماء والكهرباء والدواء والأمان.
وتحوّل القطاع إلى مساحة من الدمار الكامل، حيث يعاني السكان من صعوبات معيشية غير مسبوقة، في ظل غياب دعم دولي كافٍ لإعادة الإعمار، وتراجع المساعدات الإنسانية مع اقتراب فصل الشتاء.
إصرار على الحياة
ورغم هذا الواقع القاتم، يرفض الفلسطينيون الاستسلام.. وقالت ربى شهاب، ناشطة شبابية جاءت ضمن فريق تطوعي لتوزيع الماء والغذاء: "الناس راجعة على الذاكرة، مش على البيوت. بس هاي الرجعة بحد ذاتها حياة جديدة. بعد عامين من الجحيم، الرجعة أمل، حتى لو على الرماد".
وأكد الطبيب خالد العراج من مجمع الشفاء الطبي أن: "الهدنة سياسية، بس الواقع الإنساني ما تغير. المرضى بنعالجهم تحت الخيام، ما في مستشفيات جاهزة ولا كهرباء".
وأضاف: "العودة رغم كل شيء هي بداية شفاء نفسي. الناس بدها تشوف بيوتها، حتى لو صارت تراب".
غزة تحاول التنفس
ومع غروب شمس اليوم الأول بعد وقف النار، ساد هدوء ثقيل على المدينة التي أنهكتها الحرب.. هدوء يشبه الصمت الذي يسبق البكاء، لكنه أيضًا يشبه أنفاس مدينة تحاول أن تعود إلى الحياة، ولو من بين الركام.
وبينما تتصاعد الدعوات الدولية لإطلاق خطة شاملة لإعادة الإعمار، يواصل أهالي غزة التمسك بالأمل، يبحثون في الأنقاض عمّا تبقّى من ذكرياتهم، وعن وطنٍ يصرّ على النهوض من تحت الرماد، مهما تغيّرت وجوه الحرب.