خطة ترامب لوقف حرب غزة.. فرصة إغاثة أم شرعنة تحول سياسي وأمني؟

خطة ترامب لوقف حرب غزة.. فرصة إغاثة أم شرعنة تحول سياسي وأمني؟
ترامب ونتنياهو

قدّم البيت الأبيض وثيقة من عشرين بنداً تهدف، وفق نص الخطة، إلى إنهاء الحرب الدائرة منذ أكتوبر 2023 في قطاع غزّة وإطلاق عملية إعادة إعمار تحت إشراف دولي مؤقت، بما في ذلك آلية حكم انتقالي وتقوية الأمن عبر قوة دولية ومطالبات بنزع سلاح حماس مقابل عفو وإجراءات إعادة دمج وفتح للمعابر وإدخال مساعدات واسعة النطاق. 

نصّ الخطة نُشر رسمياً الاثنين من قِبل إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والوكالات الإعلامية ونُقلت تفاصيله دفعة واحدة خلال مؤتمر صحفي مشترك مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي أعلن تأييده بحسب فرانس برس.

دوافع سياسية واستراتيجية

تتعدد دوافع الخطة في سياق النقاط التالية.. أولاً، السياق الزمني: الحرب المتواصلة أدّت إلى دمار هائل وخسائر بشرية واسعة وضغط دولي متزايد من أجل وقف النار وتيسير دخول الإغاثة، ومحلياً وسياسياً داخل الولايات المتحدة، فطرح خطة سلام قوية يمنح الإدارة قدرة دبلوماسية وسياسية تظهرها كوسيط فعال وتستثمر رأس مال سياسياً داخلياً وخارجياً، ثانياً، تلبي الخطة طموحات أمنية لإسرائيل تتمثل في نزع السلاح، وضمانات أمنية، وتحجيم حماس وهو ما يفسّر تأييد قادة إسرائيليين للخطة فور عرضها وفق رويترز.

مضمون الخطة

من بين البنود المحورية: وقف فوري للعمليات المسلحة عند قبول الطرفين؛ إطلاق الرهائن خلال 72 ساعة؛ انسحاب إسرائيلي مرحلي مقابل نشر قوة استقرار دولية؛ إنشاء هيئة انتقالية تكنوقراطية فلسطينية تحت إشراف هيئة دولية يقودها الرئيس دونالد ترامب ويشارك فيها شخصيات دولية مثل توني بلير؛ عفو مشروط لأعضاء حماس المتخلّين عن السلاح؛ خطة اقتصادية واسعة النطاق لاستثمار وإعادة إعمار غزة؛ وعد بعدم إجبار الناس على مغادرة القطاع. 

من ناحية إنسانية، هذه البنود تحمل وعداً مباشراً: وقف إطلاق نار سريع يواكب دخول مساعدات طبية وغذائية وإعادة تأهيل بنيّة تحتية مدمّرة، وإطلاق رهائن يشتدّ إليه الناس حاجة نفسية وإنسانية، لكن الفائدة الفورية مرتبطة بقبول جميع الأطراف، وخصوصاً حماس، وهو عنصر لم يُحسم بعد وفق "بولوتيكو".

التداعيات الإنسانية المحتملة والشكوك الواقعية

إيجابيات محتملة: خفض فوري للقتال، ووصول مساعدات كبرى، وإعادة تشغيل مستشفيات ومخابز وشبكات مياه وكهرباء، وبدء إعادة تأهيل تبشّر بخفض معاناة ملايين المدنيين في قطاع غزة

ومع ذلك، ثمة مخاطر إنسانية جسيمة فبند الاستبعاد الكامل لحماس من أي حكم وشرط نزع السلاح قد يترجم عملياً إلى فرز سياسي وآليات أمنية تفرض سيطرة أجنبية لفترات ممتدة، ما يثير مخاطر أمنية واجتماعية وسياسية قد تُعيد إنتاج دور العنف وتهجيراً طوعياً بغطاء أمني إن لم تُحكَم الضمانات، كما أن آليات العفو العام مقابل إقرار الإفلات من المساءلة قد تصطدم بإشكاليات حقوقية وقانونية واسعة تتطلب مساءلة عن الانتهاكات المرتكبة خلال الحرب في قطاع غزة.

ردود الفعل الأممية والحقوقية

أبدت دول ومنظمات دولية وأوروبية ترحيباً متحفظاً بالخطة باعتبارها نافذة لإيقاف القتال وفتح المعابر وإرسال المساعدات، ورحّب زعماء أوروبيون بعرض إدارة ترامب ودعوا إلى استغلال الفرصة لإيصال الإغاثة. 

المؤسسات الحقوقية الدولية ردّت بتحفّظ أو القلق. منظمات حقوقية بارزة سبق أن حذّرت من أي مقاربة تتضمن نقلاً قسرياً أو سياسات قد تُعدّ طرداً قسرياً أو تنقية عرقية، ووصفت تصريحات سابقة عن نقل سكان غزة بأنها غير قانونية، مطالبة باحترام القانون الدولي الإنساني وعدم تكرار تجارب تهجير جماعي، وسبق أن نبهت منظمات مثل هيومن رايتس ووتش وأمنستي إلى أن أي خطة تقوم على محاولة إخراج السكان أو تغيير الحقائق الديموغرافية ستتعارض مع مبادئ القانون الدولي.

الأمم المتحدة بدت مرحبة بأي جهود وساطة وقادرة على تقديم الدعم الإنساني، لكنها ذكّرت بوجوب الالتزام بالقانون الدولي وحماية المدنيين وضمان وصول المساعدات دون عراقيل، وكرر الأمين العام وممثلو الأمم المتحدة الحاجة إلى احترام المعايير الدولية في كل خطوة. 

عقدة العفو ونزع السلاح مقابل العدالة

أحد المحاور الجوهرية للتحليل القانوني هو التضاد الواضح بين بند العفو أو العفو المشروط وتسوية تتجاهل مساءلة محتملة عن جرائم حرب أو انتهاكات جسيمة، في ظل تحقق تحقيقات دولية (ملاحقات ودراسات في محاكم دولية مثل المحكمة الجنائية الدولية) ورأي استشاري والمحاكم الدولية التي اعتبرت سياسات الاحتلال ونتائجها موضوع لالتزامات دولية، فإن تقديم عفو جماعي بلا آليات ملزمة للتحقيق والعدالة يفتح نقاشاً قانونياً وأخلاقياً حاداً حول الإفلات من العقاب وحقوق الضحايا. 

عوائق التنفيذ والسيناريوهات المحتملة

السيناريو الأكثر تفاؤلاً يتطلب موافقة حماس، ونشر قوة استقرار دولية سريعة، وضمانات واضحة لعدم إجبار سكان قطاع غزة على المغادرة، وتوافق إقليمي (مصر والأردن وقطر) لفتح معابر وإعادة الإعمار، أما السيناريو المتشائم يقوم على رفض حماس أو شروط مريعة من إسرائيل تقوّض سيادة السكان أو تحوّل قوة الاستقرار إلى احتلال فعلي أو تقنين لإجراءات عقابية، ما سيطيل أمد النزاع ويعمّق الكارثة الإنسانية.

 تقارير صحفية وتحليلات أولية تُشير إلى تباينات في المواقف داخل المجتمع الفلسطيني وفي الشارع الغزّي، كما تسجّل مخاوف من أن تنفيذ بعض البنود عملياً ينطوي على مزيد من التهجير أو التبعية الأمنية.

خطة ترامب تحوي عناصر قد توفر استراحة إنسانية حقيقية لو طُبّقت بشفافية والتزام قانوني كامل، إلا أنها تحمل مخاطر سياسية وقانونية كبيرة إذا حُبكت خارج أطر القانون الدولي وبدون ضوابط عدلية ومراقبة مستقلة.

 ويوصي مراقبون بضمان وقف إطلاق نار حقيقي ومراقب دولياً، وشروط واضحة لعودة الرهائن وتحويل الإفراج إلى إجراءات إنسانية فورية، وتأكيد صارم بعدم إجبار أي مدني على الرحيل، وآليات مستقلة للتحقق من انتهاكات وضمان المساءلة وعدم منح عفو يطبّع الإفلات من العقاب، ونشر قوة دولية بمدى تفويض قانوني واضح وشرعية إقليمية، كما أن أي ترميم أو استثمار يجب أن يقرن بحماية حقوق الملكية وإشراك ممثلين منتخبين للفلسطينيين، وليس بهيكل تسيطر عليه دول أو شخصيات سياسية خارجية بلا مساءلة.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية