أزمة الدواء في إيران.. انهيار منظومة الصحة يفاقم معاناة النساء وكبار السن
أزمة الدواء في إيران.. انهيار منظومة الصحة يفاقم معاناة النساء وكبار السن
تفاقمت أزمة الدواء في إيران خلال العام الحالي لتصبح واحدة من أبرز مظاهر فشل البنية الاقتصادية والإدارية في البلاد، إذ أدى الإلغاء المفاجئ للدعم النقدي التفضيلي، إلى جانب الاضطرابات النقدية والاعتماد شبه الكامل لصناعة الأدوية على الاستيراد، إلى ارتفاع غير مسبوق في الأسعار.
وانعكست هذه التطورات بشكل مباشر على قدرة المرضى على الحصول على أدويتهم الأساسية والمنقذة للحياة، وألقت بظلالها الثقيلة على النظام الصحي برمّته، وخصوصا النساء وكبار السن، بحسب ما ذكرت وكالة "JINHA"، اليوم الأربعاء.
وفي ظل استمرار العقوبات الأمريكية وتراكم ديون الحكومة تجاه شركات الأدوية، تعطلت عجلة الإنتاج المحلي، وازدهرت السوق السوداء، وسط غياب شبه تام للرقابة الحكومية، ما جعل الدواء سلعة نادرة وباهظة الثمن.
واقع يهدد حياة الإيرانيين
تحولت الصيدليات إلى مسرح لمعاناة يومية، إذ يخرج المواطن الإيراني اليوم مذهولاً من الأسعار التي لم تعد تُصدق، فقد بلغت تكلفة علاج نزلة برد بسيطة ما بين 300 و500 ألف تومان، وهو مبلغ يفوق قدرة غالبية الأسر متوسطة الدخل.
ووفقاً لتقارير رسمية، شهدت أسعار بعض الأصناف الدوائية ارتفاعاً بنسبة 650% مقارنة بالعام الماضي، في حين تغطي شركات التأمين نسبة محدودة جداً من هذه الزيادات.
وأوضحت الصيدلانية دریا. ف، أن شركات التأمين لم تُحدث قوائم الأسعار في أنظمتها قبل تطبيق الزيادة، ما أدى إلى تحميل المواطنين كامل التكلفة.
وأضافت أن مؤسسات التأمين مثل "التأمين الاجتماعي" لم تسدد مستحقات الصيدليات في موعدها، الأمر الذي جعل كثيراً من الصيادلة عاجزين عن توفير الأدوية المطلوبة.
الدواء يتحول إلى رفاهية
لم يعد النقص في الأدوية الأجنبية وحده ما يؤرق الإيرانيين، بل امتد إلى الأصناف المحلية أيضاً، ووفق البيانات الرسمية، شهدت إيران منذ نهاية عام 2024 وحتى مطلع 2025 عجزاً في نحو 470 صنفاً دوائياً، من بينها أدوية السرطان، والتصلب اللويحي، وأمراض الدم الوراثية كالتلاسيميا والهيموفيليا، وأدوية القلب والجهاز التنفسي، وحتى المضادات الحيوية والمسكنات اليومية.
وروت فائزة. ص التي خضعت لعمليتي قلب، أنها أصبحت تضطر لشراء أدويتها من دول الجوار بأسعار مضاعفة، في حين قالت زيبا. ت المصابة بمرض التصلب اللويحي، إنها لم تجد بداً من اللجوء إلى السوق السوداء بعد أن تجاوزت الأسعار حدود المنطق.
أما جلالة. ك، وهي أم لطفل مصاب بالتلاسيميا، فوصفت معاناتها اليومية في البحث عن دواء ابنها بقولها: "أخشى أن يأتي يوم لا أستطيع فيه إنقاذه، ليس بسبب المرض، بل بسبب غياب الدواء".
ديون وضعف رقابة
تقول الطبيبة ندا. أ: "من أدوية السرطان إلى فيتامينات الأطفال، لم تعد الجودة كما كانت، ومع ذلك فإن مجرد توفرها اليوم يُعدّ إنجازاً".
وتوضح أن غياب الرقابة وتراكم ديون الحكومة لشركات الأدوية أديا إلى انهيار الثقة في الصناعة المحلية، مشيرةً إلى حوادث مأساوية مثل وفاة 72 مريضاً خضعوا لغسيل الكلى نتيجة استخدام أدوية غير مطابقة للمواصفات.
وتؤكد شهادات مرضى آخرين ضعف فعالية كثير من الأدوية المحلية. وتروي سوما م.، المصابة بمتلازمة تكيس المبايض، أنها تضطر إلى شراء أدويتها من العراق؛ إذ قالت: "الأدوية الأجنبية كانت فعالة، أما المحلية فسببت لي آثاراً جانبية خطيرة دون تحسن يُذكر".
النساء في قلب الأزمة
دفعت الأزمة كثيراً من النساء، خصوصاً الطبقة المتوسطة، إلى بيع ممتلكاتهن أو الاقتراض لتأمين العلاج، في حين تعتمد النساء الفقيرات على جمعيات خيرية تقدم مساعدات محدودة لا تكفي لتغطية الاحتياجات الأساسية.
تقول ناشطات إن الأزمة أفرزت واقعاً قاسياً، إذ أصبحت النساء المسنات والمعيلات للأسر الأكثر تضرراً من انهيار منظومة الرعاية الصحية.
وفي غياب الدعم الرسمي، لجأت بعض النساء إلى العلاجات الشعبية والأعشاب بوصفها بدائل مؤقتة، رغم خطورتها في بعض الحالات. وتحوّلت محلات العطارة ومراكز الطب الشعبي إلى وجهة اضطرارية للمرضى، في مشهد يُجسد تراجع الدولة عن دورها في حماية صحة مواطنيها.
أزمة تهدد المستقبل
تُعدّ أزمة الدواء في إيران أكثر من مجرد مشكلة اقتصادية؛ إنها انعكاس لانهيار هيكلي في منظومة الدعم الصحي والاجتماعي. فغياب التمويل، وتضارب السياسات، والعقوبات، وسوء الإدارة، حولت حق الإنسان في العلاج إلى امتياز لمن يملك المال.
وفي ظل هذا الواقع القاتم، تبرز النساء بوصفهن أكثر الفئات هشاشة وتضرراً، ما يستدعي تحركاً عاجلاً من المجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية للضغط من أجل ضمان وصول الأدوية الأساسية إلى المحتاجين، وتقديم الدعم للنظام الصحي الإيراني الذي يقف اليوم على حافة الانهيار الكامل.










