غزة بلا مدارس.. 179 مؤسسة تعليمية تحولت لأنقاض وآلاف الطلاب في عداد الشهداء

غزة بلا مدارس.. 179 مؤسسة تعليمية تحولت لأنقاض وآلاف الطلاب في عداد الشهداء
إحدى المدارس المدمرة في غزة

في مشهد يُعيد رسم حدود المأساة الفلسطينية، أعلنت وزارة التربية والتعليم العالي الفلسطينية أن العدوان الإسرائيلي المتواصل منذ السابع من أكتوبر 2023 خلّف أكثر من 20,058 شهيدًا من الطلبة، إلى جانب 31,139 جريحًا في قطاع التعليم بغزة والضفة الغربية، في حصيلة تُعدّ الأثقل في تاريخ التعليم الفلسطيني المعاصر.

الوزارة أوضحت، في بيانها الصادر اليوم الثلاثاء، أن أكثر من 19,910 من الشهداء هم من طلبة قطاع غزة، بينما استُشهد في الضفة الغربية 148 طالبًا، في حين أُصيب أكثر من ألف، كما أُشير إلى اعتقال 846 طالبًا في الضفة الغربية خلال الحملات العسكرية المتصاعدة منذ بداية الحرب.

لكن المأساة لم تتوقف عند الطلبة، فالمعلمون والإداريون نالوا نصيبهم من الاستهداف، إذ أكدت الوزارة استشهاد 1,037 من الكوادر التعليمية وإصابة 4,740 آخرين في غزة والضفة، إضافة إلى اعتقال أكثر من 228 معلمًا.

بنية مدمَّرة وذاكرة مفقودة

تؤكد الأرقام أن النظام التعليمي الفلسطيني أصبح من أكثر القطاعات تضررًا بفعل العدوان الإسرائيلي، فقد أعلنت الوزارة تدمير 179 مدرسة حكومية بالكامل في قطاع غزة، إلى جانب 63 مبنى جامعيًا سُوّيت بالأرض، فيما تعرضت 118 مدرسة حكومية وأكثر من 100 مدرسة تابعة لوكالة الأونروا للقصف المباشر أو التخريب الجزئي.

وفي مشهد يختصر حجم الكارثة، كشفت الوزارة أن القوات الإسرائيلية أزالت 30 مدرسة بطلبتها ومعلميها من السجل التعليمي الفلسطيني بالكامل، أي أن تلك المؤسسات توقفت عن الوجود كليًا، بعد أن تحوّلت ساحاتها إلى مقابر جماعية أو أكوام ركام.

أما في الضفة الغربية فقد دمّرت القوات مدرستي عميرة الأساسية في يطا جنوب الخليل والعقبة الأساسية في طوباس، وتعرضت ثماني جامعات وكليات لاقتحامات متكررة وتخريب للممتلكات والمختبرات.

القانون الدولي وواقع الإبادة

من الناحية القانونية، تشكّل هذه الاعتداءات انتهاكًا صارخًا للمادة 50 من اتفاقية جنيف الرابعة التي تنص على حماية الأطفال في أوقات النزاع، وكذلك للمادة 53 التي تحظر تدمير الممتلكات المدنية، وخصوصًا المدارس والمستشفيات، إلا إذا كانت ضرورات عسكرية حتمية تقتضي ذلك، وهو ما نفته معظم تقارير المنظمات الدولية المستقلة.

وقد أكدت منظمة هيومن رايتس ووتش في تقاريرها الأخيرة أن ما يجري في غزة “يُشكّل استهدافًا ممنهجًا للبنية التحتية المدنية، بما في ذلك المدارس، في إطار سياسة عقاب جماعي ضد السكان المدنيين، أما منظمة اليونيسف فوصفت الوضع التعليمي في غزة بأنه كارثة جيلية، مشيرة إلى أن أكثر من 600 ألف طفل فلسطيني حُرموا من حقهم في التعليم منذ عام 2023.

وفي مداخلة للأمينة العامة للأمم المتحدة المعنية بالأطفال والنزاع المسلح، فيرجينيا غامبا، قالت إن الاعتداءات المتكررة على المؤسسات التعليمية في غزة قد تُصنَّف كجرائم حرب، داعية إلى فتح تحقيق دولي مستقل لضمان المساءلة وعدم الإفلات من العقاب.

أجيال بلا فصول

تؤكد التقارير الميدانية الصادرة عن منظمات الدعم النفسي والاجتماعي في غزة أن الحرب لم تقتل الجسد فقط، بل استهدفت الذاكرة والهوية، فقد أفادت دراسة صادرة عن مركز غزة للصحة النفسية بأن نحو 80% من الأطفال الناجين من القصف فقدوا أحد أفراد أسرهم أو زملاءهم في المدرسة، وأن “الخوف المزمن، والكوابيس، والصدمة الوجودية أصبحت مظاهر يومية في حياتهم".

وتقول المرشدة التربوية الفلسطينية ليلى النجار: المدرسة لم تكن مكان تعلم فقط، بل ملجأ نفسيا وأملا يوميا للأطفال، الآن لم يبقَ سوى الركام، فالطفل الذي ينجو من القصف يعيش فكرة أنه بلا مستقبل.

كما حذر تقرير منظمة أنقذوا الأطفال (Save the Children) من أن جيلًا كاملًا في غزة مهدد بالانقطاع الدائم عن التعليم، إذ لم تعد هناك مدارس آمنة أو بيئة تعليمية مستقرة، وأصبح أكثر من 90% من الطلبة بلا مقاعد دراسية منتظمة منذ أكثر من عام.

يرى مختصون في الشأن التعليمي أن استهداف المدارس والجامعات في فلسطين يتجاوز البعد العسكري، ليحمل أبعادًا ثقافية وسياسية تهدف إلى تدمير الوعي الجمعي الفلسطيني، إذ كانت المؤسسات التعليمية على الدوام بؤرًا لإنتاج الوعي الوطني وترسيخ الهوية.

دعوات للتحقيق والمساءلة

في ظل هذه المعطيات، تتصاعد الدعوات الحقوقية لفتح تحقيق دولي تحت مظلة المحكمة الجنائية الدولية بشأن جرائم استهداف المؤسسات التعليمية، باعتبارها انتهاكًا واضحًا لاتفاقية حقوق الطفل لعام 1989 والبروتوكول الإضافي لاتفاقيات جنيف.

وطالبت كل من منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش ومجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بإنشاء آلية دائمة لتوثيق الانتهاكات الإسرائيلية ضد التعليم في فلسطين، ومساءلة المسؤولين عنها، مؤكدين أن “السكوت الدولي المتكرر يُشكل مشاركة ضمنية في الجريمة”.

بين أرقام الشهداء المذهلة وأطلال المدارس المهدمة، يبدو المشهد التعليمي الفلسطيني وكأنه يقف على حافة الانهيار الكامل. ومع ذلك، ما زالت الوزارة تُعلن عن مبادرات رمزية -مثل إنشاء مدارس مؤقتة في الخيام ومراكز الإيواء- لإبقاء جذوة التعليم حية ولو في حدود الإمكان.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية