مدارس تحت القصف وطفولة محاصرة.. كيف يقود تدمير التعليم في غزة إلى أزمة إنسانية واجتماعية؟

مدارس تحت القصف وطفولة محاصرة.. كيف يقود تدمير التعليم في غزة إلى أزمة إنسانية واجتماعية؟
إحدى مدارس غزة المدمرة

 

مع اقتراب موعد عام دراسي جديد تتحول مسألة الذهاب إلى المدرسة داخل قطاع غزة إلى رفاهية نادرة، فالمدارس التي كانت تمثّل فجوة أمل وهيكلًا لإعادة إنتاج المجتمع باتت في كثير من المناطق أماكن مهدمة أو مستخدمة كملاجئ للنازحين المشردين، ويحذر المدافعون عن التعليم والوكالات الإنسانية من أن ما يحصل اليوم لا يهدّد فقط سنة دراسية أو اثنتين، بل يعرّض إمكانية حصول جيل كامل على حقّه في المعرفة للخطر، وفق منظمة "اليونيسف".

حجم الضرر والأرقام المحورية

تُشير تقديرات حديثة من مجموعات إنسانية وتعليمية إلى أن نحو 87 إلى 90 بالمئة من مباني المدارس في قطاع غزة تعرّضت لأضرار متفاوتة أو دُمرت بالكامل، ما أخرج مئات الآلاف من التلاميذ من التعليم النظامي وأجبر آلاف الأساتذة على الخروج من التدريب والعمل.

 في المقابل، أبلغت وزارة التربية والتعليم الفلسطينية عن خسائر بشرية فادحة بين الطلبة والمعلمين، وأفادت تقارير رسمية بآلاف الشهداء والجرحى من صفوف التلاميذ والمعلمين منذ اندلاع الحرب، كما وثّق البعض فقدان آلاف المدارس والمرافق التعليمية بالكامل، فيما تعمل منظمات مثل اليونيسف واليونسكو ومنظمات إنقاذ الطفولة على توفير مساحات تعليمية مؤقتة بدائية لا تغني عن مدرسة كاملة. 

أسباب مباشرة وغير مباشرة 

وفق منظمة الأونروا وهيومن رايتس ووتش تتداخل أسباب انهيار التعليم في غزة بين أسباب مباشرة وغير مباشرة، الأسباب المباشرة تتعلق بالتدمير المتعمد أو العرضي للمباني التعليمية جراء الضربات، واستهداف مدارس كانت تؤوي نازحين، ما حوّل صرحًا مدنيًا إلى موقع خسائر بشرية ومادية، والأسباب غير المباشرة تشمل الحصار والقيود على دخول المواد التعليمية والوقود والكهرباء، ونقص القدرة على دفع رواتب المعلمين، وتشريد الأسر وفقدان الاستقرار المنزلي الذي يحول دون انتظام الطلاب في الصفوف حتى إذا فتحت أبواب المدارس، كما أن استخدام المدارس كملاجئ إنساني يجعلها عرضة لهجمات متكررة ويقوّض رغبة الأسر بإرسال أبنائها إلى أماكن قد تتحول إلى ساحة قتال.

تداعيات مباشرة على الأطفال والأسرة والمجتمع

وتؤكد منظمة اليونيسف أن الآثار الفورية للحرب واضحة فانقطاع التعلم يؤدي إلى خسارة مهارات أساسية، تأخر في التحصيل، وارتفاع مخاطر التسرب التعليمي، خاصة بين الفتيات، نفسياً، يتعرّض الأطفال لصدمات مركبة: فقدان أقاربهم، التشريد، الجوع، والشهادات المباشرة على العنف، ما يرفع معدلات اضطرابات ما بعد الصدمة ويقوّض قدرة الأطفال على التركيز والتعلّم، واقتصادياً، تقترب غزة من سيناريو إنتاج أجيال محرومة من فرص العمل المؤهلة، ما ينعكس لاحقاً على إمكانات إعادة الإعمار والاستقرار الاجتماعي، كما أن المؤسسات التعليمية المدمرة تعني أيضاً تضاؤل دور المدارس كمقدمات للحماية المجتمعية والتوعية الصحية والنفسية. 

ردود المنظمات الدولية والحقوقية والهيئات الأممية

دعت اليونسكو واليونيسف ومنظمات دولية أخرى إلى وقف فوري للأعمال العسكرية وحماية المنشآت التعليمية  وإتاحة ممرّات آمنة للمساعدات التعليمية، مؤكدين أن المدارس منشآت مدنية محمية بموجب القانون الدولي، وقد أكدت منظمات حقوقية مثل هيومن رايتس ووتش وأمنستي توثيق ضرب مدارس وملاذات مدرسية وقتل مدنيين داخل أو قرب مرافق تعليمية، وطالبت بفتح تحقيقات مستقلة ومحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات، كما حذرت من أن استمرار الاستهداف وغياب الحماية سيحوّل التعليم إلى خسارة دائمة لا يمكن تعويضها بسهولة. 

الإطار القانوني الدولي

يحمي القانون الدولي الإنساني المدارس والطلاب والمعلمين بصفتها منشآت مدنية، ويحظر التجويع كوسيلة للحرب والتهجير القسري والعقاب الجماعي، كما تؤكد المبادرات الدولية مثل إعلان حماية المدارس (Safe Schools Declaration) ومرجعيات إرشادية صاغتها منظمات أممية ومؤسسات قانونية على ضرورة عدم استخدام المدارس لأغراض عسكرية وتحميل الأطراف مسؤولية حماية التعليم خلال النزاع، كما ينص قانون حقوق الطفل على وجوب ضمان استمرار التعليم كحق أساسي حتى في حالات الطوارئ، وبحسب اللجنة الدولية للصليب الأحمر فإن انتهاك هذه المعايير يفتح المجال أمام مساءلة عبر آليات وطنية أو دولية عند توفر الأدلة. 

مطالب حقوقية

تدعو اليونيسف واليونسكو ومنظمات التعليم في حالات الطوارئ إلى إجراءات متدرجة تشمل وقف فوري للأعمال العسكرية قرب المدارس وحماية المنشآت التعليمية باعتبارها مناطق آمنة، وفتح ممرات إنسانية آمنة لإدخال مواد تعليمية وتجهيزات وإصلاح عاجل للمباني القابلة للإصلاح، وتمويل طارئ لإنشاء مدارس مؤقتة ومساحات تعلم مخففة وتدريب للمعلمين المتبقين، بجانب وضع برامج دعم نفسي واجتماعي واسعة للأطفال والمعلمين، إضافة إلى توثيق منهجي للانتهاكات وحفظ الأدلة من أجل مساءلة مستقبلية.

لا يزال قطاع التعليم في غزة يعتمد تاريخياً على شبكة من المدارس الحكومية والخاصة ومرافق وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (الأونروا) التي تُشغّل عدداً كبيراً من المدارس الابتدائية والثانوية، ومنذ اندلاع الأعمال القتالية في أكتوبر 2023 وتصاعدها خلال 2024 و2025، تحولت واسعة من المدارس إلى مراكز إيواء طارئة، فيما وثّقت منظّمات دولية نسب تدمير مرتفعة في البنية التحتية التعليمية وارتفاع أعداد الضحايا من الطلاب والمعلمين.

وتوفر مبادرات دولية لحماية التعليم في حالات النزاع، مثل إعلان حماية المدارس وإرشادات الحماية أثناء النزاع، إطاراً غير ملزِم قانونياً لكن مرجعياً للحكومات والأطراف، بينما تظل آليات المساءلة مرتبطة بجمع الأدلة والتحقيقات التي يمكن أن تقود لاحقاً إلى إجراءات قانونية دولية أو محاكمات وطنية عندما تتوفر الظروف. 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية