وراء الحدود.. كيف يُطالب المجتمع المدني بحقوق الكوريين الشماليين؟

وراء الحدود.. كيف يُطالب المجتمع المدني بحقوق الكوريين الشماليين؟
زعيم كوريا الشمالية

في منتدى منظمة الحقوق الكورية الجنوبية "NK Insider" المنعقد في العاصمة الكورية الجنوبية سيئول، عبّر آن تشانغ هو، رئيس اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان الكورية الجنوبية، عن قناعة ملحّة بأن حماية حقوق الإنسان لسكان كوريا الشمالية يجب أن تمثّل هدفًا سياسيًا وإنسانيًا أولًا، بغض النظر عن موقف بيونغ يانغ من العلاقات بين الكوريتين، وقال إن الحقوق لا تُمنح وفق انصياع النظام، بل هي حقوق طبيعية لكل إنسان، حتى وإن رفض النظام التعامل أو اعترف بها.

وضمن فعاليات المنتدى، سرد منشقون شهادات صادمة عن انتهاكات تمس العمال المرسَلين إلى روسيا، وطالبوا بأن تُعطى الأولوية لاعتبار المواطنين في الشمال ككيان إنساني مستقل عن سياسات النظام، وفق وكالة "nknews".

ولفت كيم كانغ، نائب الممثل السابق لسفارة كوريا الشمالية في روسيا والمنشق عنها، إلى أن عدداً كبيرًا من الكوريين الشماليين يُرسلون إلى روسيا للعمل في ظروف مقارَبة للعبودية، مع ساعات عمل تفوق 16ساعة يوميًا وأجور تُرَحَّل غالبًا لحسابات النظام، وأضاف أن محاولات الخروج أو الاستقلال تُقابل بعقوبات جسدية والاعتقال القسري.

وأوضح سونغ سانغ هيون، القاضي الدولي السابق، في ذات المنتدى، أن دور كوريا الجنوبية يجب أن يكون دعم المسارات القانونية الدولية، واستدعى فكرة أن الدعم العسكري للشمال لروسيا قد يُتيح للجانب الأوكراني توجيه اتهامات ضد كيم جونغ أون في المحكمة الجنائية الدولية في المستقبل.

الانتهاكات الموثّقة

تقارير حقوقية أممية ومنظمات مستقلة وثقت أن النظام الكوري الشمالي يمارس انتهاكات شديدة ضد المواطنين، تشمل الاعتقال التعسفي، والعمل القسري، والتعذيب، والإعدام الميداني، وقمع حرية التعبير والتوجهات الدينية، وفق منظمة العفو الدولية.

في تقرير "أمنستي" لعام 2023، أُشير إلى أن ما يزيد على 40% من سكان كوريا الشمالية يعانون من انعدام الأمن الغذائي، وأن السلطات تُعدّ الأفراد "أعداءً" إذا حاولوا الاتصال بالعالم الخارجي أو كانوا في صلات مع اللاجئين أو وسائل الإعلام الخارجي. 

وتؤكد منظمة الحقوق الكورية الجنوبية NK Insider أن الانتهاكات توسّعت لتشمل العمال المرسَلين إلى روسيا ويُستغلّون في ظروف شبه عبودية، في انتهاك لقرارات الأمم المتحدة المتعلقة بالعقوبات وسحب العمالة القسرية، وفي أحدث التقارير، يُشير تقييم حكومي كوري جنوبي إلى أن نحو 15 ألف كوري شمالي يعملون حالياً في روسيا، على الرغم من قرارات أممية تدعو إلى إعادتهم، وأن ظروف العمل تميل إلى الإكراه والتجريد من الحقوق الأساسية.

الأدلّة القضائية والآليات الدولية

منذ 2013، كلّف مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة لجنة تحقيق لاستقصاء الانتهاكات في كوريا الشمالية، وأسفرت في 2014 عن تقرير صارم أعلن أن الانتهاكات تصل إلى مستوى جرائم ضد الإنسانية، بما في ذلك القتل، والسخرة، والإبادة، والاختفاء القسري، وقد دعت اللجنة إلى إحالة الوضع إلى المحكمة الجنائية الدولية أو هيئة دولية مكلفة، لكن ذلك لم يحدث. 

في السنوات التالية، وُجّهت توصيات عديدة للنظام بإلغاء معسكرات الاعتقال السياسية، اعتماد الشفافية في العدالة الجنائية، وتوسيع الوصول لمراقبين دوليين، ولكن بيونغ يانغ لم تتعاون عملياً، كما أن التقارير الأممية تتابع في كل مراجعة دورية لكوريا الشمالية انتهاكات حرية التعبير والحق في المعلومات والعمل القسري.

دوافع المطالب الحقوقية 

الطرح الحقوقي الحديث لا يطالب بالتدخل في السياسات الداخلية للنظام الكوري الشمالي، بل يدعو إلى أن يُعترف بالسكان كذاتٍ إنسانية تستحق الحماية، حتى إذا رفض النظام هذا المبدأ، وهذا الفصل يُعتبر ضروريًا حتى لا تُجازَى الضحية بموقف النظام بحد ذاته، بل تُعامل كإنسان في مقامات الحماية الدولية.

بموجب مبادئ الحقوق الدولية، جميع البشر لهم حقوق غير قابلة للتصرف بغض النظر عن الحكومة التي تحكمهم، والدول، خاصة الجارة كوريا الجنوبية، تتحمّل التزامات أخلاقية وقانونية مثل مبادئ مسئولية الحماية لتحرير الضحايا من الانتهاك أو الضغط الدولي لفتح ممرات حماية أو لجوء إنساني.

كما أن استراتيجية استخدام القنوات القانونية الدولية مثل المحكمة الجنائية الدولية حينما تتوفّر الأدلة (مثلاً في الدعم العسكري للنظام إلى روسيا) تشكّل أدوات ضغط قانوني على قيادات النظام لتعزيز المساءلة، حتى إذا كان التنفيذ الفعلي بعيد المنال.

التحديات المحتملة والانتقادات

بيونغ يانغ ترفض أي تدخل في شؤونها الداخلية ورفضت التعاون مع اللجان الدولية والمراقبين وهذا الرفض يمثل عقبة تقنية وسياسية أمام أي حماية دولية فعالة. 

حين تُستخدم قضية حقوق الإنسان كورقة ضغوط في الصراعات الدولية، فإن ذلك قد يحوّل المطالبات إلى أدوات نفوذ، مما يثير اتهامات من النظام بأنها تدخل في الشؤون الداخلية لذا من المهم أن يُصاغ الخطاب الحقوقي بطريقة لا ترفَع سقف المواجهة بل تضع المتضررين والضحايا في المقام الأول.

العمل على بناء ملفات حقوقية يتطلب شهادات موثوقة ووثائق، في بيئة تغيب فيها حرية التعبير والحركة والتواصل، فإن توثيق الانتهاكات يعتمد غالبًا على المنشقّين أو اللاجئين، مما يثير تحديات الشهادة والتحقّق والمعايير القضائية المقبولة دولياً.

مقترحات حقوقية 

يوصي حقوقيون بعدة مقترحات لتعزيز حقوق الإنسان بشأن مواطني كوريا الشمالية منها أولاً: إنشاء آليات حماية عبر الدول المجاورة مثل كوريا الجنوبية، واليابان، والمنظمات الإنسانية أن تتيح ملاذاً قانونيًا ومنصة للمنشقين، تمكينهم من الإدلاء بشهاداتهم ضمن حماية قانونية، وتقديم الحماية الدولية أو اللجوء المؤقت لمن هم معرضون للانتقام، وثانيا تعزيز التحقيقات الدولية المستقلة من خلال طلب فتح تحقيق مشترك تحت إشراف الأمم المتحدة أو مع هيئة دولية مختصة، يسعى لتوثيق الانتهاكات بشكل محايد، مع بناء ملفات يمكن استخدامها لاحقًا في ملاحقة قانونية أو توجيه انتقادات دولية مؤثرة.

ثالثا: دمج الانتهاكات في ملفات العقوبات الدولية عبر ربط ملفات حقوق الإنسان بقرارات العقوبات الدولية على النظام الكوري الشمالي، بحيث تُضاف الانتهاكات كمعايير لتوقيع عقوبات أو فرض تدابير تستهدف أذرع النظام التي تموّل الانتهاكات أو مشروع العمالة القسرية.

رابعاً: دعم المنظمات الحقوقية المختصة من خلال توسيع الدعم المالي والفني لمنظمات مثل NK Insider، ومركز قاعدة بيانات حقوق الإنسان الكورية الشمالية (NKDB) التي تضم عشرات الآلاف من حالات الانتهاكات الموثقة، لتعزيز التوثيق والتحليل والمرافعة الدولية. 

خامساً: حملة إعلامية دولية مركّزة من خلال إطلاع الرأي العام الدولي على شهادات المنشقين والضحايا من خلال معارض وفعاليات إقليمية ودولية -كما يفعل منتدى NK Insider- لتوليد ضغط مجتمعي وسياسي على الدول الفاعلة للضغط على النظام الكوري الشمالي.

مطالب حماية الكوريين الشماليين بغض النظر عن موقف النظام ليست مجرد سياسة متقدمة بل ضرورة حقوقية، والاعتراف بحقوق الإنسان في الشمال ليس رفضًا للنظام بل وقوفًا إلى جانب الضحية، واستعادة للبُعد الإنساني الذي يسبق الانتماء الحزبي أو السياسي. 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية