نساء على خط النار.. تقرير يكشف تصاعد قمع المدافعات عن الحقوق والحريات عالمياً

نساء على خط النار.. تقرير يكشف تصاعد قمع المدافعات عن الحقوق والحريات عالمياً
احتجاجات ضد انتهاكات حقوق المرأة- أرشيف

كشف تقرير منظمة المجتمع المدني" CIVICUS" للعام 2025 صورة قاتمة لوضع الحريات المدنية حول العالم، حيث باتت مساحات التعبير والتجمع والعمل المدني تضيق بوتيرة متسارعة، في ظل صعود أنماط حكم أكثر تشددا، وتزايد استخدام القمع والاعتقال والعنف كأدوات لإسكات الأصوات المستقلة.

ويشير التقرير إلى أن هذا التراجع لم يعد استثناء مرتبطا بدول بعينها، بل أصبح ظاهرة عالمية تمس حياة مئات الملايين من البشر.

وبحسب ما نقلته وكالة فرات للأنباء، اليوم الثلاثاء، يؤكد التقرير أن جزءا كبيرا من سكان العالم يعيشون اليوم في دول تنتهك فيها بشكل منهجي حرية الفكر والتعبير، والحق في التجمع السلمي، وتكوين الجمعيات.

ويرى معدو التقرير أن ما يجري يمثل تحولا خطرا في طبيعة العلاقة بين الدولة والمجتمع، حيث بات النشاط المدني ينظر إليه في كثير من البلدان بوصفه تهديدا سياسيا وأمنيا.

انتهاك الحريات المدنية

يوضح تقرير منظمة المجتمع المدني لعام 2025 أن الحريات المدنية الأساسية باتت مقيدة أو منتهكة في 83 دولة، مقارنة بـ 67 دولة في عام 2020، ما يعكس اتجاها تصاعديا مقلقا. 

ويبين التقرير أن نسبة سكان العالم الذين يعيشون في دول توفر حماية كبيرة للحريات المدنية انخفضت من 13 بالمئة في عام 2020 إلى 7 بالمئة فقط في الوقت الراهن، ويعكس هذا التراجع الحاد انهيارا تدريجيا في منظومات الحماية القانونية والسياسية التي يفترض أن تكفل الحقوق الأساسية للأفراد.

ويرصد التقرير أنماطا متكررة من الانتهاكات، أبرزها الاعتقال التعسفي بحق المدافعين عن حقوق الإنسان، والصحفيين، والنشطاء السياسيين والاجتماعيين، وتشير البيانات إلى أن هذه الممارسات لم تعد حالات فردية، بل أصبحت جزءا من سياسات ممنهجة تهدف إلى ردع أي نشاط مستقل أو ناقد.

وفي هذا السياق، تظهر المدافعات عن حقوق المرأة كونها أكثر الفئات استهدافا، سواء عبر الاعتقال أو العنف المباشر أو حملات التشهير.

المدافعات عن حقوق المرأة

يسلط التقرير الضوء على واقع بالغ القسوة تعيشه المدافعات عن حقوق الإنسان، حيث يواجهن أشكالا مركبة من القمع لا ترتبط فقط بنشاطهن الحقوقي، بل أيضا بهويتهن الجندرية.

ويوضح أن العديد من النساء الناشطات، وخاصة الصحفيات، تعرضن لحملات تهديد ومضايقات ممنهجة عبر الإنترنت، شملت التشهير والابتزاز والتحريض على العنف، ويربط التقرير هذا التصاعد بصعود الشعبوية السياسية، وتنامي نفوذ التيارات الدينية المتشددة، وترسخ الأنظمة الاستبدادية في مناطق متعددة من العالم.

ويحذر التقرير من تنامي قوة الشبكات المناهضة للعدالة الجندرية وحقوق المرأة، والتي يقودها سياسيون شعبويون وجماعات دينية أصولية، وتنظر هذه الشبكات إلى حقوق المرأة بوصفها تهديدا لما تسميه القيم التقليدية والأمن القومي والأسرة.

ووفقا للتقرير، تعتمد هذه الجهات على حملات تضليل إعلامي منظمة، تهدف إلى تشويه صورة المدافعات عن الحقوق وربط مطالبهن بمخاطر أخلاقية أو اجتماعية مصطنعة.

حالات موثقة وانتهاكات

ويوثق التقرير عددا من الحالات التي تعكس خطورة الوضع، مشيرا إلى أن بخشان عزيزي، وشريفة محمدي، ووريشة مرادي يواجهن عقوبة الإعدام في إيران بسبب أنشطتهن الحقوقية، كما يتناول التقرير قضية نرجس محمدي الحائزة جائزة نوبل للسلام، التي تعرضت للاعتقال المتكرر بسبب دفاعها عن حقوق المرأة والحريات المدنية، ولا يقتصر الاستهداف على دولة بعينها، إذ يشير التقرير إلى حالات احتجاز تعسفي بحق ناشطات في هونغ كونغ وبيلاروسيا والمكسيك ومصر، ما يعكس الطابع العالمي للأزمة.

وتؤكد ريلين ديلا باز، الكاتبة التي أعدت التقرير، أن الانتهاكات التي تتعرض لها المدافعات عن حقوق الإنسان ليست عشوائية أو استثنائية، بل تمارس بشكل منهجي ومدروس، وترى أن السلطات في العديد من الدول تستخدم القوانين، والأجهزة الأمنية، والخطاب الإعلامي لتجريد النساء الناشطات من الشرعية، ودفعهن إلى الصمت أو الإقصاء القسري من المجال العام.

ويشدد التقرير على أن استهداف النساء لا يعكس فقط خوف الأنظمة من النشاط الحقوقي، بل إدراك لدور النساء والفتيات المحوري في حركات السلام والعدالة الاجتماعية، فالمدافعات عن حقوق المرأة غالبا ما يكن في طليعة المطالبات بالإصلاح، والمساءلة، وإنهاء العنف، ما يجعلهن هدفا مباشرا للسلطات والجماعات التي ترى في هذا الدور تهديدا لبقائها ونفوذها.

فضاء مدني مهدد

ويرسم التقرير صورة لمستقبل مقلق إذا استمرت الاتجاهات الحالية، محذرا من أن تآكل الفضاء المدني سيقوض فرص التنمية المستدامة، ويغذي دوامات العنف وعدم الاستقرار، كما يشير إلى أن إسكات الأصوات النسائية على وجه الخصوص يحرم المجتمعات من طاقات حيوية وقدرات قيادية لا غنى عنها في مواجهة الأزمات السياسية والاقتصادية والبيئية.

تعد منظمة المجتمع المدني “CIVICUS” واحدة من أبرز الشبكات العالمية المعنية برصد أوضاع الفضاء المدني والحريات الأساسية، وتصدر تقارير دورية تعتمد على بيانات ميدانية وتحليلات حقوقية من مختلف دول العالم، ويأتي تقرير عام 2025 في سياق دولي يتسم بتصاعد النزاعات المسلحة، وتنامي الخطاب الشعبوي، وتراجع الالتزام بالمعايير الدولية لحقوق الإنسان.

وتشير تقارير متطابقة صادرة عن منظمات دولية أخرى إلى اتجاه مشابه يتمثل في تضييق الخناق على المجتمع المدني، واستخدام القوانين الاستثنائية والتكنولوجيا الرقمية لمراقبة وقمع النشطاء، وفي هذا المشهد العالمي المضطرب، تبدو المدافعات عن حقوق المرأة في قلب المواجهة، حيث يتقاطع نضالهن من أجل المساواة مع معركة أوسع للدفاع عن الحريات والديمقراطية وكرامة الإنسان.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية