نشطاء وحقوقيون خلف القضبان الإيرانية وسط انتقادات ومطالب دولية بالإفراج الفوري

نشطاء وحقوقيون خلف القضبان الإيرانية وسط انتقادات ومطالب دولية بالإفراج الفوري
نشطاء تم اعتقالهم في إيران

أثارت حملة اعتقالات نفذتها السلطات الإيرانية خلال الأيام الماضية موجة واسعة من القلق والانتقادات الحقوقية، بعد توقيف عدد من أبرز النشطاء في مجال حقوق الإنسان، بينهم نرجس محمدي الحائزة جائزة نوبل للسلام، وذلك أثناء مشاركتهم في مراسم تأبين المحامي الحقوقي خسرو علي كردي في مدينة مشهد شمال شرق البلاد.

وأعربت منظمة العفو الدولية، في بيان رسمي وفق ما أوردته شبكة "ANF NEWS" الأحد، عن قلقها الشديد إزاء اعتقال سبعة نشطاء حقوقيين على الأقل، من بينهم نرجس محمدي وسبيده قليان وبوران ناظمي وهستي أميري وعلي مطلب زاده وعلي الدين زاده، وأكدت المنظمة أن الاعتقالات جاءت على خلفية أنشطة سلمية مرتبطة بالدفاع عن حقوق الإنسان في إيران، مطالبة السلطات الإيرانية بالإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين.

مراسم تأبين تتحول إلى حملة توقيف

وقعت الاعتقالات خلال مراسم إحياء اليوم السابع لوفاة المحامي خسرو علي كردي، الذي توفي في ظروف وصفت بأنها غامضة داخل مكتبه في مدينة مشهد يوم 5 ديسمبر، وقد شارك في المراسم عدد كبير من النشطاء الحقوقيين وعائلات المطالبين بالعدالة، قبل أن تتدخل قوات الأمن وتفرض طوقا على المكان، لتنتهي المناسبة بحملة توقيف واسعة.

المدعي العام في مشهد أعلن يوم أمس السبت اعتقال 39 شخصا خلال المراسم، مؤكدا أن جميعهم لا يزالون رهن الاحتجاز، وأضاف أن من بين المعتقلين جواد علي كردي شقيق الفقيد، متهما إياه بإدارة التجمع، إلى جانب اتهامات وُجهت إلى عدد من النشطاء بالتحريض على ترديد شعارات اعتبرتها السلطات الإيرانية مخالفة للمعايير المعتمدة ومخلة بالنظام العام.

روايات متناقضة حول ما جرى

في مقابل الرواية الرسمية، نشر جواد علي كردي مقطع فيديو عقب انتهاء المراسم تحدث فيه عن محاصرة المسجد من قبل القوات الأمنية، مؤكدا أنه كان داخل المسجد منشغلا باستقبال الضيوف قبل أن يفاجأ بالانتشار المكثف لقوات مكافحة الشغب وآليات الشرطة في محيط المكان.

وأشار إلى أن التدخل الأمني كان عنيفا ومفاجئا، وهو ما أكدته شهادات متطابقة تحدثت عن اعتقالات طالت نشطاء ومدنيين دون توضيح أسباب قانونية واضحة في حينه، ولم تعلن السلطات حتى الآن عن أماكن احتجاز المعتقلين أو المدد القانونية لتوقيفهم، مكتفية بالقول إنهم محتجزون في مركز احتجاز قانوني.

نرجس محمدي في صدارة الاهتمام الدولي

حظي اعتقال نرجس محمدي باهتمام دولي واسع نظرا لمكانتها الحقوقية وحصولها على جائزة نوبل للسلام، إضافة إلى وضعها الصحي الذي سبق أن أثار مخاوف منظمات حقوق الإنسان.

الاتحاد الأوروبي، عبر متحدثه باسم الشؤون الدبلوماسية أنور النوني، دعا السلطات الإيرانية إلى الإفراج الفوري عنها مع مراعاة حالتها الصحية.

كما أعرب الاتحاد الأوروبي عن قلقه العميق إزاء اعتقال نرجس محمدي وسائر النشطاء، مؤكدا أنهم مارسوا حقهم في حرية التعبير والتجمع السلمي، وهي حقوق أساسية يجب احترامها في جميع الأحوال.

بدورها، أصدرت لجنة نوبل النرويجية بيانا طالبت فيه بتوضيح مكان احتجاز نرجس محمدي وضمان سلامتها والإفراج عنها دون قيد أو شرط، معتبرة أن استمرار احتجازها يثير مخاوف جدية على أمنها الشخصي.

اتهامات إضافية وغموض أمني

زاد من تعقيد المشهد إعلان المدعي العام في مشهد عن إصابة قائد شرطة المدينة وأحد عناصر الأمن بجروح نتيجة طعن بسكين خلال الأحداث، مشيرا إلى أن هذه الوقائع أدت إلى اعتقال 38 ناشطا مدنيا، غير أن قيادة الشرطة لم تصدر حتى الآن أي بيان تفصيلي أو توضيح رسمي حول ملابسات هذه الإصابات، ما فتح الباب أمام تساؤلات واسعة بشأن طبيعة ما جرى.

وأكد المدعي العام أن جواد علي كردي اعتُقل بعد نشره مقطع فيديو انتقد فيه سلوك قوات الأمن خلال المراسم، وهو ما اعتبرته السلطات تصعيدا وتحريضا إضافيا، ويُذكر أن جواد علي كردي، وهو محام أيضا، يقضي حكما قضائيا مع وضع سوار إلكتروني، وكان من أبرز المشككين في الرواية الرسمية لوفاة شقيقه.

وفاة غامضة تشعل الغضب

تقول السلطات الإيرانية إن خسرو علي كردي توفي نتيجة نوبة قلبية، إلا أن عائلته وعددا من النشطاء الحقوقيين شككوا في هذه الرواية، خاصة بعد الحديث عن قيام عناصر أمنية بجمع كاميرات المراقبة من محيط مكتبه عقب وفاته، وقد اعتبر جواد علي كردي أن هذه الخطوة تثير شكوكا جدية حول ظروف الوفاة.

وكان خسرو علي كردي قد أمضى فترات سابقة في السجن، وتولى في السنوات الأخيرة الدفاع عن سجناء سياسيين وعائلات ضحايا القمع، ما جعله شخصية معروفة في الأوساط الحقوقية، وأثار خبر وفاته ردود فعل واسعة داخل إيران وخارجها، تحولت إلى تحركات تضامنية انتهت باعتقالات جديدة.

تحذيرات من جولة قمع جديدة

وصفت اللجنة التوجيهية لتحالف حرية نرجس اعتقال نرجس محمدي وعدد من النشطاء الآخرين بأنه هجوم صارخ على حرية التجمع وحرية الصحافة والمدافعين عن حقوق الإنسان في إيران، وأكدت أن الاعتقالات العنيفة التي طالت نرجس محمدي وعالية مطلب زاده وسبيده قليان وهستي أميري وبوران ناظمي تشير إلى بداية جولة جديدة من القمع عقب وفاة خسرو علي كردي.

منظمات حقوقية أخرى حذرت من أن استخدام مراسم التأبين ذريعة للاعتقال يعكس تضييقا متزايدا على أي مساحة للتعبير أو التجمع، حتى في المناسبات الإنسانية والاجتماعية، معتبرة أن ذلك يعمق أزمة الثقة بين المجتمع المدني والسلطات.

يشهد ملف حقوق الإنسان في إيران توترا مستمرا منذ سنوات، مع تصاعد القيود على حرية التعبير والتجمع، واعتقال النشطاء والصحفيين والمحامين. وتزامنت هذه التطورات مع احتجاجات واسعة شهدتها البلاد خلال الأعوام الأخيرة، قابلتها السلطات بإجراءات أمنية مشددة. وتعد نرجس محمدي واحدة من أبرز الأصوات الحقوقية في إيران، حيث قضت سنوات في السجن بسبب نشاطها السلمي، وأصبحت رمزا دوليا للمطالبة بالحقوق والحريات، ويرى مراقبون أن اعتقالها مجددا، إلى جانب نشطاء آخرين، يعكس إصرار السلطات على نهج أمني في التعامل مع أي تحرك مدني، في وقت تتزايد فيه الضغوط الدولية لمطالبة طهران بالالتزام بتعهداتها القانونية والإنسانية.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية