موائد على حافة الخطر.. تحذيرات حقوقية من "زيت قاتل" يُعاد استخدامه في الطعام بالهند

موائد على حافة الخطر.. تحذيرات حقوقية من "زيت قاتل" يُعاد استخدامه في الطعام بالهند
جمع زيت الطعام المستخدم في الهند

أطلقت اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في الهند تحذيرا شديد اللهجة لوزارة الصحة وهيئة سلامة ومعايير الأغذية بشأن تزايد حالات إعادة استخدام زيت الطهي في المطاعم ومحال الأطعمة الشعبية، معتبرة أن هذه الممارسة تمثل تهديدا مباشرا للصحة العامة وللحق في الغذاء الآمن الذي يكفله القانون الدولي.

وجاء التحرك، وفق ما ذكره موقع قناة "تايمز ناو" الهندية في نسخته الإنجليزية، السبت، بعد تلقي اللجنة شكوى من أحد المواطنين في مدينة بوبال، أشار فيها إلى أن بعض المطاعم تعيد استخدام الزيوت المستعملة مرات عديدة، أو تبيعها لاستخدامها مجددا في الطهي، وهو ما يؤدي إلى تكوين مركبات سامة ودهون متحولة تضر بالمستهلكين.

وطالبت اللجنة الحكومة الهندية بتقديم تقرير شامل خلال أسبوعين حول الإجراءات المتخذة لضبط هذه الممارسات في جميع الولايات، مؤكدة أن حق الإنسان في غذاء سليم وآمن هو جزء لا يتجزأ من منظومة حقوق الإنسان.

دهون تتحول إلى سموم

بحسب وكالة الصحافة الهندية، شدد رئيس اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان بريانك كانونغو على أن إعادة تسخين الزيت أكثر من مرة تؤدي إلى إنتاج مركبات ضارة مثل الجذور الحرة والدهون المتحولة، التي ترتبط بارتفاع خطر الإصابة بأمراض القلب والسرطان والكبد.

وأوضح خبراء التغذية أن عملية التسخين المتكرر تتسبب في تحلل جزيئات الدهون وإطلاق أبخرة سامة قبل وصول الزيت إلى نقطة الدخان، وهي المرحلة التي يبدأ فيها الزيت بالاحتراق وفقدان خصائصه الكيميائية، وفي هذه اللحظة يتحول إلى مزيج من السموم الدقيقة التي يصعب كشفها لكنها تترك أثرها البطيء على الجسم.

وتشير تقارير طبية إلى أن تكرار استخدام الزيت يؤدي إلى تحوله من مادة غذائية إلى مركب سام بفعل عمليات الأكسدة والبلمرة، ما ينتج عنه أحماض دهنية حرة تضعف جدران الأوعية الدموية وتسبب ارتفاع ضغط الدم. كما تزداد نسبة الكوليسترول الضار في الدم، في مقابل انخفاض الكوليسترول النافع، وهو ما يرفع احتمالات الإصابة بالنوبات القلبية والسكتات الدماغية.

وأكدت دراسات صادرة عن المعهد الهندي للتغذية العامة أن أكثر من 30 في المئة من المطاعم الصغيرة في المدن الكبرى مثل نيودلهي ومومباي تستخدم الزيت لأكثر من خمس مرات في اليوم نفسه، وتزداد الخطورة في الأكشاك الشعبية التي تفتقر إلى الرقابة الصحية وتستهلك كميات كبيرة من الزيوت منخفضة الجودة بسبب ارتفاع الأسعار وتراجع القدرة الشرائية.

فقر غذائي يضاعف الأزمة

في الهند حيث يعيش فيه أكثر من 200 مليون شخص تحت خط الفقر، تصبح تكلفة شراء الزيت النقي عبئا كبيرا على المطاعم الصغيرة والأسر محدودة الدخل، ومع غياب الرقابة المنتظمة، يتحول التوفير الاقتصادي إلى تهديد صحي صامت، إذ يعاد استخدام الزيت مرات متكررة دون إدراك كامل لتأثيراته طويلة المدى.

ويقول خبراء التغذية إن الخطر الأكبر يكمن في أن آثار هذه الممارسات لا تظهر فورا، بل تتراكم في الجسم على مدى سنوات مسببة أمراضا مزمنة يصعب علاجها، ويرى الأطباء أن النساء والأطفال هم الفئة الأكثر تعرضا للخطر نظرا لاعتمادهم على الوجبات الجاهزة المنتشرة في الأسواق.

وتوصي هيئة سلامة ومعايير الأغذية الهندية بعدم إعادة تسخين الزيت أكثر من ثلاث مرات كحد أقصى، وضرورة التخلص من أي زيت تتجاوز فيه نسبة المركبات القطبية الكلية 25 في المئة لأنه يصبح غير صالح للاستهلاك البشري، كما تحث الهيئة على جمع الزيوت المستعملة وتحويلها إلى وقود حيوي بدلا من إعادة استخدامها في الطهي.

لكن هذه التوصيات تواجه تحديات كبيرة في التطبيق، خاصة في المناطق الريفية والمناطق الحضرية الفقيرة التي تنتشر فيها مطاعم الشوارع والمأكولات الشعبية، ويشير مراقبون إلى أن ضعف إمكانات التفتيش الغذائي وقلة الكوادر الرقابية يجعلان تنفيذ المعايير الصحية شبه مستحيل في بعض الولايات.

مسؤولية قانونية وحقوقية

بحسب تقارير منظمات حقوقية محلية، فإن إعادة استخدام الزيوت لا تمثل مخالفة صحية فحسب، بل انتهاكا لحقوق الإنسان في الحصول على غذاء آمن، وذكرت المنظمة الهندية لمراقبة الأغذية أن هذا السلوك يخالف المبادئ التي نصت عليها المادة 47 من الدستور الهندي، التي تلزم الدولة بحماية الصحة العامة وضمان سلامة الأغذية.

وتستند اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في تحركها إلى العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، الذي تنص مادته الثانية عشرة على حق كل إنسان في التمتع بأعلى مستوى من الصحة الجسدية والعقلية، ويؤكد خبراء القانون الدولي أن إعادة استخدام الزيوت في إعداد الطعام على نطاق واسع، دون رقابة، يمثل إخلالا بمسؤولية الدولة تجاه هذا الالتزام.

ورحبت منظمات دولية، بينها منظمة الصحة العالمية وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، بالتحرك الهندي، مشيرة إلى أن المشكلة لا تخص الهند وحدها، بل تنتشر في عدد من الدول الآسيوية والإفريقية التي تواجه نقصا في الوعي الغذائي والرقابة، وأشارت منظمة الصحة العالمية في تقريرها السنوي لعام 2024 إلى أن إعادة استخدام الزيت من أبرز أسباب ارتفاع أمراض القلب والأوعية الدموية في الدول منخفضة الدخل.

كما دعت المنظمة إلى اعتماد برامج وطنية لجمع الزيوت المستعملة وتحويلها إلى وقود حيوي صديق للبيئة، وهو ما يمكن أن يسهم في تقليل التلوث البيئي وتخفيف الضغط على الموارد الغذائية في آن واحد.

دعوات إلى التوعية المجتمعية

يرى خبراء التغذية أن مواجهة الخطر تحتاج إلى وعي شعبي أكثر من القوانين، فالكثير من المستهلكين يجهلون أن لون الزيت الداكن ورائحته القوية ليست مؤشرات على النكهة بل على السمّية، وتعمل منظمات المجتمع المدني في بعض الولايات على تنظيم حملات توعوية تستهدف أصحاب المطاعم والأسر لتشجيعهم على التخلص من الزيوت المستخدمة وعدم إعادة تسخينها.

كما اقترح مختصون إنشاء مراكز معتمدة لتنقية الزيوت بالتقنيات الحديثة واستخدامها في الصناعات غير الغذائية بدلا من إلقائها أو إعادة طهيها.

وتحذر التقارير الصحية من أن استمرار الظاهرة دون تدخل حاسم سيؤدي إلى أزمة صحية واسعة في السنوات المقبلة، إذ يُتوقع أن ترتفع معدلات أمراض القلب بنسبة 20 في المئة خلال العقد القادم نتيجة زيادة استهلاك الدهون المتحولة، وتشير بيانات وزارة الصحة الهندية إلى أن أكثر من 1.5 مليون شخص يموتون سنويا بسبب أمراض مرتبطة بالنظام الغذائي، في مقدمتها ارتفاع الكوليسترول والضغط والسكري.

وتؤكد اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان أن الأزمة الحالية تمثل اختبارا حقيقيا لقدرة الدولة على حماية مواطنيها من التهديدات الصامتة التي لا تقل خطورة عن الأوبئة، داعية إلى تشريعات أكثر صرامة وتطبيق فوري للعقوبات على المنشآت المخالفة.

استخدام الزيوت المتكررة

قضية إعادة استخدام الزيوت ليست جديدة في الهند. ففي عام 2018 أطلقت هيئة سلامة الأغذية حملة وطنية بعنوان "Eat Right India" هدفت إلى الحد من استخدام الزيوت المتكررة في المطاعم والأسواق، إلا أن ضعف المتابعة قلل من أثرها. 

وأظهرت دراسة أجرتها جامعة بنغالور عام 2022 أن أكثر من 60 في المئة من عينات الزيت المأخوذة من مطاعم الشوارع تجاوزت الحدود المسموح بها من المركبات القطبية.

ويؤكد خبراء الصحة العامة أن معالجة المشكلة تتطلب مزيجا من الحلول، تشمل تشديد الرقابة وتفعيل دور البلديات وتوسيع حملات التوعية، إضافة إلى دعم بدائل الطاقة الحيوية التي يمكن أن تحول الزيوت المستعملة إلى مورد اقتصادي آمن.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية