مع بدء الانتخابات الرئاسية.. تداعيات مقلقة لاستبعاد المعارضة في تنزانيا
مع بدء الانتخابات الرئاسية.. تداعيات مقلقة لاستبعاد المعارضة في تنزانيا
يتوجه الناخبون في تنزانيا اليوم إلى مراكز الاقتراع لاختيار رئيس جديد في انتخابات يبدو أنها ستسفر عن استمرار رئاسة سامية صولوحو حسن وسط مخاوف واسعة من تآكل الحريات السياسية وإنهاك المعارضة وفق وكالة الأنباء الألمانية.
جاءت هذه الانتخابات بعد سلسلة من الإجراءات التي عطّلت قدرة الأحزاب الرئيسية على المنافسة، من اعتقال قيادات إلى استبعاد حزب رئيسي من قوائم الترشح، ما دفع المراقبين إلى التحذير من أن الاستحقاق قد يتحول إلى إجراء شكلي يخلو من الشرعية السياسية الحقيقية.
وتتعدد الأسباب التي أدت إلى هذا المناخ الانتخابي المشحون، وتسعى السلطة الحاكمة وحزبها العريق إلى تأمين استمرارية الحكم والهيمنة السياسية بعد عقود من السيطرة الحزبية، في حين تعكس إجراءات استبعاد المنافسين وأدوات القمع اعتمادا على الآليات القانونية والإدارية لتهميش المنافسة الحقيقية.
كما أن مخاوف الأمن والاستقرار الداخلي وارتدادات الضغوط الإقليمية والدولية على الساحة التنزانية لعبت دوراً في صناعة قرار التعاطي الأمني مع المعارضة ووسائل الإعلام، ووثّقت منظمات حقوقية حالات اعتقالات وغيابات قسرية وحملات تضييق على المجتمع المدني خلال الفترة التي سبقت الاقتراع.
من التهم إلى الإقصاء
لا تقتصر آليات الإقصاء على الإجراءات القضائية فحسب، بل تشمل أيضاً متطلبات إدارية وإجراءات على مستوى اللجنة الانتخابية تصعب على أحزاب المعارضة تلبية شروطها، إضافة إلى قضايا الأمان الشخصي التي تردع الحشد السياسي والنشاط العام، والملف الأبرز كان تحميل معارضين كبار في تنزانيا تهم الخيانة أو التحريض.
كما حصل مع قائد حزب المعارضة الذي يخوض محاكمة بتهم تتعلق بالتخريب، في حين مُنع حزب آخر من الترشح بعد خلافات حول التزامه بمتطلبات رسمية، وهذه الإجراءات تركت ساحات الانتخابات مفتوحة أمام مرشحين من أحزاب صغيرة يصعب عليها تقديم منافسة فعالة.
تنعكس قيود الحريات السياسية مباشرة على المواطن العادي. غياب منافسة حقيقية يضعف الآليات الرقابية على السياسات العامة ويقلص قدرة المجتمع المدني على الدفاع عن حقوق الفئات الضعيفة، كما تؤدي الاعتقالات والاختفاءات إلى مزيد من الخوف بين المواطنين وتراجع المشاركة المدنية، ما يعوق جهود التنمية ويرفع تكلفة الاستجابة للأزمات الاجتماعية والاقتصادية، على المستوى المؤسسي، يقود تآكل استقلال القضاء والانتخابات إلى ضبابية في سيادة القانون ويضعف فرصة جذب الاستثمارات التي تعتمد على مؤشرات الحكم الرشيد.
وأدانت منظمات دولية مرموقة هذا النمط من القمع قبل الانتخابات حيث أطلقت منظمة العفو الدولية قرارها بتحذير من أن الأجواء اتسمت بالخوف، مسجلة حالات اختفاء واعتقالات وممارسات عنف خارج نطاق القانون وقلقة من أن ذلك يقوض شرعية الاقتراع، كما حذرت هيومن رايتس ووتش من تزايد النزعة القمعية التي تضر بحرية الرأي والتجمع وحرية الإعلام.
وعلى الصعيد الأممي، توجّهت أصوات خبراء الأمم المتحدة ومنظمات حقوقية إقليمية إلى دعوة السلطات لضمان بيئة انتخابية حرة ونزيهة واحترام التزاماتها الدولية، ورداً على ذلك، رفضت الحكومة الاتهامات واعتبرتها غير مبررة، مؤكدة أن الإجراءات القانونية اتخذت لحماية الأمن العام.
الإطار القانوني الدولي
تلتزم الدول بموجب المواثيق الدولية بضمان الحق في المشاركة السياسية والانتخابات الحرة والنزيهة، كما تنص على حماية الناشطين السياسيين من الاعتقال التعسفي والاختفاء القسري، وتلتزم تنزانيا بمقتضيات العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية وغيرها من التزامات حقوق الإنسان التي تفرض عليها إجراء انتخابات حرة والتعامل مع المتهمين وفق الإجراءات القضائية العادلة، وأي قيود على هذا الإطار يجب أن تكون مبررة بقانون محكم ومراعية للضرورة والتناسب، وهو ما يجادل كثير من خبراء الحقوق أنه لم يتحقق في الإجراءات التي شهدتها الفترة السابقة للانتخابات.
وتُشير التقارير الإعلامية إلى أن أكثر من 37 مليون ناخب سجلوا في القوائم، وأن المنافسة الفعلية أصبحت محصورة في أحزاب صغيرة بعد استبعاد فاعلين رئيسيين، ما يعكس حجماً منتخبياً كبيراً يواجه خياراً محدداً في ظل مناخ سياسي غير متكافئ، كما وثّقت منظمات حقوقية عشرات حالات الاعتقال والاختفاء خلال الأشهر التي سبقت الاقتراع، وهو ما ينعكس سلباً في مصداقية العملية الانتخابية ومؤشرات الحريات السياسية.
يحكم حزب تشاما تشا مابيندوزي المشهد التنزاني منذ استقلال البلاد، وهو امتداد لهيمنة تاريخية تعود إلى عقود، ورغم إدخال تعديلات على النظام السياسي في تسعينيات القرن الماضي، حافظت بنية السلطة الحزبية على تفوقها في الحياة السياسية، ما أنتج ديناميكيات إقصائية متجذرة، وتجربة العقدين الأخيرين شهدت فترات من الانفتاح أعقبتها موجات من الاحتقان إثر ممارسات قسرية، في حين سعت السلطات دوماً إلى إبقاء الاستقرار السياسي عبر السيطرة على فضاءات المعارضة ووسائل الإعلام.
توصيات حقوقية
تشير معطيات ما قبل الاقتراع إلى أن صناديق الاقتراع لن تعيد بناء الثقة المفقودة تلقائياً، وللحفاظ على الحد الأدنى من الشرعية الداخلية والدولية، تحتاج السلطات إلى ضمان إجراءات قضائية شفافة للطعون والاعتراف بحق المعارضة في العمل السياسي دون مضايقات، والسماح لبعثات مراقبة دولية وإقليمية بالعمل بحرية ومتابعة الشكاوى.
كما يتوجب على المجتمع الدولي والمؤسسات الإقليمية مواصلة الضغط الدبلوماسي والدعم التقني على آليات انتخابية مستقلة، إلى جانب حماية من تعرضوا للاعتقال التعسفي وتمكين منظمات المجتمع المدني من إجراء رصد حيادي للانتخابات ورصد انتهاكات الحقوق الأساسية.
وبحسب منظمة "تشاتام هاوس" البحثية، فإن مستقبل المشاركة السياسية في تنزانيا مرهون بمدى استعدادها لتقاسم الساحة السياسية واحترام قواعد اللعبة الديمقراطية، وإلا فإن النتائج ستعكس استمرار أزمة ثقة قد تطال الاستقرار والتنمية على المدى المتوسط.










