من الحماية إلى التمكين.. كيف تصنع "دار المرأة" مساراً آمناً لحقوق نساء سوريا؟

من الحماية إلى التمكين.. كيف تصنع "دار المرأة" مساراً آمناً لحقوق نساء سوريا؟
عاملات ونساء في دار المرأة

تعمل دار المرأة في إقليم شمال وشرق سوريا بوصفها إحدى أهم المؤسسات المجتمعية المعنية بحماية النساء من العنف والتمييز وتعزيز قدرتهن على الدفاع عن حقوقهن بوسائل قانونية واجتماعية مستدامة.

وتأتي أهمية هذا الدور في سياق واقع اجتماعي معقد تواجه فيه المرأة السورية أشكالاً متعددة من الانتهاكات تبدأ من العنف الأسري ولا تنتهي عند حدود التهميش الاجتماعي وإنكار الحقوق الأساسية.

وفق تقرير نشرته وكالة “أنباء المرأة”، اليوم السبت، لا تزال العادات والتقاليد السائدة في بعض البيئات داخل سوريا تشكل معوقاً أمام تمتع النساء بحقوقهن الكاملة؛ حيث تُفرض قيود قاسية على خياراتهن الحياتية وتُمارس عليهن ضغوط أسرية ومجتمعية تحول دون مشاركتهن الفاعلة في المجتمع.

وفي هذا المشهد تبرز دار المرأة بوصفها مساحة آمنة تستقبل الشكاوى وتعمل على معالجة القضايا بروح إنسانية بعيدة عن الإدانة أو الإقصاء.

الزواج المبكر جرح مفتوح

تشير مبروكة إبراهيم الإدارية في دار المرأة بمدينة قامشلو إلى أن الزواج المبكر يعد من أبرز القضايا الاجتماعية في سوريا والتي ترد إلى الدار بشكل متكرر، وتوضح أن كثيراً من الفتيات يُجبرن على الزواج في سن مبكرة تحت ضغط العائلة دون مراعاة لرغبتهن أو لقدرتهن النفسية والجسدية على تحمل أعباء الحياة الزوجية.

وتؤكد أن القانون يمنع زواج الفتيات دون سن 18 عاماً باعتبار أن هذا العمر يمنح الفتاة الحد الأدنى من النضج اللازم لإدارة حياتها وبناء أسرة مستقرة، إلا أن تطبيق القانون يواجه تحديات على أرض الواقع.

وتضيف أن العديد من الفتيات المتزوجات في سن مبكرة يراجعن دار المرأة وهن يعانين من ضغوط نفسية ومشكلات أسرية معقدة أبرزها عدم القدرة على رعاية الأطفال أو التكيف مع مسؤوليات الزواج ما يؤدي إلى تصاعد الخلافات داخل الأسرة.

آليات حماية تتجاوز المعالجة

لا يقتصر عمل دار المرأة على التدخل بعد وقوع العنف بل يمتد ليشمل الوقاية وبناء الوعي المجتمعي، وتوضح مبروكة إبراهيم أن آليات الحماية تشمل برامج تعليمية وندوات توعوية وحوارات مجتمعية تهدف إلى تمكين النساء من معرفة حقوقهن وتعزيز ثقتهن بأنفسهن وتنمية قدرتهن على اتخاذ القرار والمشاركة في مواقع صنع القرار داخل المجتمع.

وتؤكد أن هذه البرامج لا تستهدف النساء فقط بل تشمل الرجال أيضاً انطلاقاً من قناعة راسخة بأن التغيير الحقيقي لا يتحقق دون إشراك جميع أفراد المجتمع، وتسعى الدار من خلال هذه البرامج إلى تعزيز الوعي الاجتماعي لدى الرجال وبناء ثقافة الشراكة والتعاون داخل الأسرة، ما يسهم في الحد من العنف وتحسين العلاقات الأسرية.

وتنفذ دار المرأة برامجها عبر المجالس واللجان المحلية من خلال زيارات ميدانية منتظمة وتنظيم دورات وندوات تتناسب مع خصوصية كل منطقة، وتتيح هذه الأنشطة للنساء فرصة الاجتماع وتبادل الخبرات ومناقشة مشكلاتهن في بيئة آمنة تشجع على الحوار والثقة المتبادلة.

وتشير مبروكة إبراهيم إلى أن تمكين النساء من حل مشكلاتهن بأنفسهن يعد من أهم أهداف الدار حيث يتم دعمهن لاكتساب مهارات الحوار والتفاوض واتخاذ القرار، ما يعزز استقلالهن ويحد من اعتمادهن الكامل على أطراف خارجية.

دار المرأة ملاذ آمن للجميع

تؤكد الإدارية في دار المرأة أن أبواب المؤسسة مفتوحة أمام جميع أفراد المجتمع وليس النساء فقط، فالكثير من النساء اللواتي يتعرضن للعنف يلجأن إلى الدار لتقديم شكاوى رسمية كما أن بعض الرجال يقصدون الدار أيضاً لعرض مشكلاتهم الأسرية والبحث عن حلول سلمية.

وتوضح أن تدخل العائلتين في الخلافات الزوجية غالباً ما يؤدي إلى تعقيد المشكلات بدلاً من حلها وهو ما يجعل دور دار المرأة محورياً في احتواء النزاعات ضمن إطار مهني محايد يهدف إلى الوصول لحلول عادلة.

وتعتمد دار المرأة آلية واضحة لمعالجة القضايا تبدأ بمحاولة التوفيق بين الأطراف، وتقول مبروكة إبراهيم إن الدار تنظم 3 جلسات أسبوعياً تجمع الزوجين في محاولة لإيجاد حلول مشتركة تمنع تفاقم الخلافات وتحافظ على الاستقرار الأسري متى كان ذلك ممكناً.

وفي حال فشل هذه الجلسات في الوصول إلى نتيجة مرضية يتم تحويل القضية إلى المحكمة المختصة للنظر فيها قانونياً بما يضمن حفظ حقوق الأطراف كافة وخاصة النساء اللواتي غالباً ما يكن الطرف الأضعف في النزاعات الأسرية.

تمكين قانوني واجتماعي

يشكل الجانب القانوني أحد أعمدة عمل دار المرأة حيث يتم تعريف النساء بحقوقهن القانونية وآليات اللجوء إلى القضاء عند الضرورة، كما يتم تقديم الدعم الاجتماعي والنفسي لتمكينهن من خوض هذه المسارات بثقة ووعي.

وتؤكد الدار أن حماية المرأة السورية لا تقتصر على إنهاء حالة عنف واحدة بل تهدف إلى إحداث تغيير طويل الأمد في وعي المجتمع ونظرته لدور المرأة ومكانتها.

وعلى الرغم من التحديات الكبيرة التي تواجهها دار المرأة، فإن العاملين فيها يؤكدون أن أثر العمل التراكمي بدأ ينعكس تدريجياً على المجتمع، فقد أسهمت البرامج التوعوية في رفع مستوى الوعي بحقوق النساء والحد من بعض الممارسات العنيفة كما عززت ثقة النساء بأنفسهن وبقدرة المؤسسات المحلية على حمايتهن.

تأتي تجربة دار المرأة في إقليم شمال وشرق سوريا في سياق اجتماعي وسياسي شديد التعقيد شهد خلال السنوات الماضية تحولات كبيرة أثرت بشكل مباشر في بنية الأسرة والعلاقات الاجتماعية، وفي ظل ضعف بعض المؤسسات التقليدية وارتفاع معدلات الفقر والنزوح برزت الحاجة إلى مؤسسات مجتمعية قادرة على حماية الفئات الأكثر هشاشة وفي مقدمتها النساء.

وتعد دار المرأة واحدة من هذه التجارب التي سعت إلى سد هذا الفراغ عبر مقاربة شاملة تجمع بين الحماية القانونية والدعم الاجتماعي والتوعية المجتمعية، ورغم التحديات المرتبطة بالعادات والتقاليد والضغوط الاقتصادية، تواصل الدار عملها بوصفها مساحة أمل للنساء الساعيات إلى حياة كريمة خالية من العنف قائمة على الحقوق والعدالة والمشاركة المتساوية في المجتمع.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية