معاناة متصاعدة.. غياب الرعاية الصحية يهدد حياة أهالي شرق دير الزور
معاناة متصاعدة.. غياب الرعاية الصحية يهدد حياة أهالي شرق دير الزور
تعيش بلدة السيال الواقعة في ريف مدينة البوكمال شرقي دير الزور أزمة صحية خانقة في ظل غياب كامل لأي مركز صحي عامل داخل البلدة، ولا يمثل هذا الغياب نقصاً خدمياً عابراً بل تحول يومي في حياة السكان إلى معاناة مفتوحة تضاعف آثارها في المرضى وكبار السن والأطفال، ومع تدهور الأوضاع المعيشية والخدمية بات الوصول إلى الرعاية الصحية الأساسية تحدياً يهدد السلامة الجسدية للسكان ويضعهم أمام خيارات قاسية في لحظات المرض والطوارئ.
رحلات علاج محفوفة بالمخاطر
يضطر أهالي السيال إلى قطع مسافات طويلة للوصول إلى أقرب نقطة طبية خارج البلدة، وفي الحالات الإسعافية الطارئة يتحول عامل الوقت إلى تهديد مباشر للحياة حيث تتأخر عمليات النقل وتتعقد الإجراءات وسط طرق غير آمنة ونقص في وسائل الإسعاف، وتشكل هذه الرحلات التي قد تمتد لساعات عبئاً نفسياً ومادياً على العائلات وتزيد من احتمالات فقدان الأرواح خاصة بين الفئات الأضعف وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان.
أمام هذا الواقع بادر أهالي البلدة خلال الفترة الماضية إلى تشييد مستوصف صحي على نفقتهم الخاصة في محاولة لتأمين الحد الأدنى من الخدمات الصحية، وجمع السكان التبرعات وبنوا المبنى بجهودهم الذاتية حتى اكتمل من الناحية الإنشائية، وعكست المبادرة شعوراً جماعياً بالمسؤولية ووعياً بأن الصحة حق لا يحتمل الانتظار لكنها في الوقت نفسه كشفت حجم الفجوة بين الحاجة الملحة والاستجابة الرسمية الحالية في سوريا.
مستوصف بلا تجهيز
رغم اكتمال البناء لم يدخل المستوصف الخدمة حتى الآن، وأفادت مصادر محلية بأن مديرية الصحة اشترطت توفير التجهيزات الطبية اللازمة وتأمين المستلزمات الخاصة بتفعيل العمل داخل المستوصف، وهذا الشرط وضع الأهالي أمام معوق يفوق إمكاناتهم المادية في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعيشها المنطقة، ومع عدم وجود أي مركز صحي بديل داخل البلدة تفاقم الاستياء الشعبي وارتفعت وتيرة الغضب بين السكان الذين يرون أن الجهود الأهلية وحدها لا تكفي لتأمين حق أساسي كالعلاج.
يرى الأهالي أن مطالبتهم بتأمين التجهيزات الطبية كاملة تمثل حملاً إضافياً لا يمكن تحمله، فالمجتمع المحلي الذي تكفل بالبناء لا يملك الموارد اللازمة لتأمين أجهزة ومستلزمات طبية تتطلب دعماً مؤسسياً، وفي ظل هذا الواقع تبقى حياة المرضى رهينة المسافات والوقت في حين تتكرر حوادث التأخير في الوصول إلى العلاج مع كل طارئ صحي جديد.
ضرورة لا رفاهية
يؤكد وجهاء البلدة أن وجود مركز صحي عامل ليس ترفاً خدمياً بل ضرورة أساسية لحماية أرواح السكان، فالبلدة تضم عدداً كبيراً من الأهالي ولا تتوفر فيها أي نقطة طبية يمكن الاعتماد عليها، ويحمّل هؤلاء الجهات المعنية مسؤولية الإسراع في تفعيل المستوصف بدل تحميل المجتمع المحلي أعباءً إضافية لا تتناسب مع حجم إمكاناته ولا مع مسؤولياته.
تنعكس أزمة غياب الرعاية الصحية بشكل مباشر على كبار السن ومرضى الأمراض المزمنة والنساء الحوامل والأطفال، هؤلاء يحتاجون إلى متابعة طبية منتظمة لا يمكن تأمينها عبر رحلات متقطعة إلى مناطق بعيدة، كما أن غياب الإسعاف الأولي يزيد من خطورة الحالات البسيطة التي قد تتفاقم بسبب التأخير في التدخل الطبي.
أثر نفسي واجتماعي
لا تقتصر تداعيات الأزمة على الجانب الصحي فقط بل تمتد إلى الأثر النفسي والاجتماعي في الأهالي، ويولد القلق الدائم من حدوث طارئ صحي دون القدرة على الاستجابة السريعة شعوراً بعدم الأمان ويزيد من الضغوط اليومية، كما ينعكس ذلك على الأطفال الذين يكبرون في بيئة تفتقر إلى أبسط مقومات الرعاية.
يناشد أهالي بلدة السيال الجهات المختصة ووزارة الصحة في سوريا التدخل العاجل لتجهيز المستوصف بالمعدات الطبية الأساسية وتأمين الكوادر الصحية اللازمة ووضعه في الخدمة في أقرب وقت، ويؤكد السكان أن تفعيل المستوصف سيخفف بشكل كبير من المعاناة اليومية وسيحمي الأرواح ويعيد الحد الأدنى من الطمأنينة إلى البلدة.
غياب الحلول واستمرار الخطر
يشير متابعون إلى أن استمرار حرمان المناطق الريفية من الخدمات الصحية الأساسية يعكس تراجعاً خطيراً في الواقع الخدمي، وفي ظل غياب حلول عملية وجدية تبقى حياة المدنيين مهددة ويستمر النزيف الإنساني الصامت الذي لا يظهر في الأرقام الرسمية لكنه حاضر في تفاصيل الحياة اليومية.
يرى الأهالي أن مسؤولية توفير الرعاية الصحية تقع على عاتق الجهات الرسمية التي يفترض أن تدعم المبادرات الأهلية وتستكملها بدل تركها معلقة. فوجود مبنى جاهز دون تشغيله يمثل هدراً للجهود ويضاعف الإحباط لدى السكان الذين قاموا بما استطاعوا ضمن إمكاناتهم المحدودة.
أمل معلق على الاستجابة
على الرغم من الإحباط لا يزال الأمل قائماً لدى أهالي السيال بأن تلقى مناشداتهم صدى لدى الجهات الصحية المختصة، فخطوة واحدة تتمثل في تجهيز المستوصف وتشغيله كفيلة بإحداث فرق حقيقي في حياة آلاف الأشخاص وتخفيف معاناة استمرت لسنوات.
تعاني مناطق ريف دير الزور بشكل عام من تدهور واسع في البنية الخدمية نتيجة سنوات طويلة من النزاع والإهمال وضعف الاستثمار في القطاعات الأساسية، ويعد القطاع الصحي من أكثر القطاعات تضرراً حيث تخرج العديد من المراكز عن الخدمة أو تعمل بإمكانات محدودة، وفي هذا السياق تشكل بلدة السيال نموذجاً لمعاناة القرى الريفية التي تعتمد على المبادرات الأهلية لسد الفراغ الناتج عن غياب الدعم الرسمي، ومع ارتفاع معدلات الفقر وصعوبة التنقل تزداد الحاجة إلى حلول مستدامة تعيد توزيع الخدمات الصحية بشكل عادل وتضمن حق السكان في العلاج والرعاية الأساسية دون مخاطرة أو انتظار.











