قيود بلا مبرّر.. منظمة حقوقية: حظر السفر في الجزائر وسيلة لإسكات المعارضة

قيود بلا مبرّر.. منظمة حقوقية: حظر السفر في الجزائر وسيلة لإسكات المعارضة
حظر السفر في الجزائر

كشف تقرير حديث صادر عن منظمة حقوق الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (منا)، اليوم الخميس، بعنوان "الجزائر: حظر السفر، أداة قمع جماعي في أيدي السلطات"، عن استخدام واسع النطاق وتعسّفي لإجراء "منع السفر" أو ما يُعرف محلياً بـISTN إما لأسباب سياسية وإما لتقييد من يُنظر إليهم كناشطين أو معارضين للسلطة.

تستند المنظمة في تقريرها المنشور على موقعها الرسمي إلى نحو ثلاثين شهادة تُوثّق حالات يُمارَس فيها الحظر من دون صدور قرار مكتوب أو إخطار مسبق، ولا إمكانية حقيقية للطعن أو الاستئناف، ما يُخلق مناخاً من الخوف والرقابة الذاتية في أوساط المجتمع المدني والصحافة.

وتُشير بيانات من "هيومن رايتس ووتش" وشريكتها "منا" إلى أن السلطات الجزائرية فرضت هذا النوع من القيود بشكل متزايد منذ عام 2022. 

الأسباب وراء الاستخدام

وفق هيومن رايتس ووتش توجد عدة أسباب منها أولاً، يُستخدم حظر السفر في الجزائر كجزء من أدوات القمع الموجهة للمعارضة، خاصة عقب حراك فبراير 2019 المعروف باسم "الحراك" ففي حالات عدة، طُبّق الحظر على ناشطين أو صحفيين أو نقابيين شاركوا في تحركات الحراك أو أبدوا مواقف معارضة، ووثّقت المنظمة الحقوقية حالات متعددة لم يتم إعلام أصحابها بوضوح بأنهم خاضعون لهذا الحظر، وتمّ تمديدها بلا مبرّر قانوني أو إشعار مكتوب. 

ثانياً، جاءت تعديلات قانونية منها استبدال (المادة 36 مكرّر 1) من قانون الإجراءات الجنائية بالمادة 49 بموجب القانون رقم (25-14) في أغسطس 2025، لكن مع استمرار المخاوف بأن التعديل لم يعالج أوجه عدم وضوح النص أو الإشراف القضائي الكافي، واشترط أبرز التعديلات صدور أمر مسبب من المدعي العام وإخطار الشخص المعني، إلا أن النص الجديد وسّع صلاحيات فرض الحظر أيضاً لتشمل «تقويض أمن الدولة»، وهو مصطلح فضفاض يمكن استخدامه لتعزيز السيطرة على الأصوات الناقدة.

ثالثاً، من منظور السلطة، تُعد هذه القيود وسيلة لاحتواء المعارضات وتقطيع أوصال التنسيق المدني أو الصحفي، دون الاضطرار إلى إطالة أمد الاحتجاز الرسمي أو المحاكمة الجنائية المعقدة. 

ففي ظل غياب آليات شفافة أو عدد ملموس من قرارات رفع الحظر، تصبح حالة التأثير المستمر على حياة المعنيين مُعيدة باستمرار.

تداعيات إنسانية عميقة

تأثير حظر السفر يفوق مجرد تقييد التنقّل؛ فهو يمس بجوهر الحقوق الاجتماعية والاقتصادية، فمصادرة الحق في المغادرة/ الدخول تُفقد الفرد قدرة على العمل أو الدراسة أو السفر لأسباب علاجية، أو حتى باللقاء العائلي، ما يولّد حالة استبعاد ومدّ ذاتي للرقابة.

وعلى سبيل المثال، وثّقت هيومن رايتس ووتش في تقريرها أن أحد الصحفيين منع من السفر رغم انتهاء إجراءاته القانونية، واكتشف ذلك فقط عند محاولته مغادرة البلاد. 

من جهة أخرى، هذه القيود ترسّخ مناخاً من الخوف يمس أيضاً المجتمع المدني ككل فالمعارض المحتمل يعلم أن حريته في الحركة أو ارتباطه خارج البلاد قد يتم احتجازه، ما يصاعِد الرقابة الذاتية ويحدّ من تفاعلاته ومشاركته في النشاط العام أو المنظمات، وعلاوة على ذلك، هذا الاستخدام يُعد خرقاً للالتزامات الدولية للدولة، ويفتح الباب أمام عزلة دولية أو انتقادات مستمرة.

المواقف الحقوقية والقانونية

من المنظمات الحقوقية، طالبت "هيومن رايتس ووتش" وشريكتها "منا" السلطات الجزائرية بوقف استخدام قيود السفر التعسفية فوراً، ورفع كافة الحظر المفروض على من يمارسون حقهم في التعبير أو التجمّع السلمي، مع تعديل التشريع المحلي ليتماشى مع المعايير الدولية. 

ومن الناحية القانونية الدولية، تُعد حرية التنقل والحق في مغادرة الدولة من الحقوق المكفولة في المادة 12 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، التي صدّقت عليه الجزائر، ووفق تفسير لجنة الأمم المتحدة المعنيّة، فإن أي تقييد لحرية التنقل يجب أن يكون منصوصاً عليه في قانون، ويخضع لضرورة ومبدأ التناسب، ويكون قابل للطعن أمام القضاء. 

على المستوى الوطني، تتنافى ممارسات الحظر الواسع مع المادة 49 من الدستور الجزائري التي تكفل حق الدخول والخروج والإقامة داخل البلاد لمواطنيها، وتعدّ القيود دون مبرّر قضائي خرقاً للدستور أيضاً.

الخلفية التاريخية والسياق المحلي

بحسب التقرير، طالما شهدت الجزائر تقليداً مناضلاً للحرية السياسية والمجتمع المدني، لكن منذ حراك 2019 وما أعقبه من تجاذبات، دخلت البلاد في مرحلة تشديد للأطر القانونية ضد الحريات، واستخدام حظر السفر ليس ظاهرة جديدة تماماً، لكنه جاء ليبرز في سنوات ما بعد 2022 كثيمة متكررة في قمع الأصوات.

تشريعياً، بدأت المادة 36 مكرّر 1 من قانون الإجراءات الجنائية تُستخدم في البداية لفترات قصيرة في تحقيقات جنائية أو فساد، لكنها تحوّلت تدريجياً إلى أداة دائمة ضد المعارضين، ومع التعديل في 2025، رغم إدراج إشعار مسبب، فإن غياب مراجعة قضائية فعالة وتحكّم فعلي بالفترة الزمنية أعطى الحظر بعداً تنظيمياً وسلطة تنفيذية متنامية.

كما أن السياق الأمني والسياسي المُعدّل –حيث يُستخدم مفهوم تقويض أمن الدولة بمرونة واسعة– يجعل المعارضين أو الصحفيين أكثر عرضة لتلك القيود، حتى في غياب أفعال جنائية واضحة.

توصيات عاجلة

وبحسب التقرير الحقوقي، ينبغي للحكومة الجزائرية إلغاء أو مراجعة كل الحظر التعسفي المفروض دون مبرّر قانوني، وضمان إخطار كل شخص معني بقرار الحظر بشكل مكتوب ويوضح الأساس القانوني ويمكّنه من الطعن، كما يتعيّن سنّ تشريع أو إصلاح يُشترط فيه جهة قضائية مستقلة لصلاحيات الحظر، مع تحديد زمني صارم وفترات مراجعة منتظمة.

ويوصي التقرير المجتمع الدولي ومنظمات حقوق الإنسان بمتابعة هذه الحالات وتعزيز الدعم لمنع استخدام الحظر كأداة سياسية، ومن المهم أن يُدمج هذا الملف في حوارات الجزائر الدولية والتعاون الأسري المطّرد في إطار حقوق الإنسان، وأن تُشدّد الضمانات القانونية بحيث لا يبقى التنقّل حقاً نظرياً بل ممارسة يومية ملموسة.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية