في ذمار وصنعاء.. دعوات حقوقية لمناصرة المختطفين بسجون ميليشيا الحوثي
في ذمار وصنعاء.. دعوات حقوقية لمناصرة المختطفين بسجون ميليشيا الحوثي
دعت عضو اللجنة الوطنية للتحقيق في ادعاءات انتهاكات حقوق الإنسان، إشراق المقطري، إلى تحرك عاجل من الحكومة اليمنية والمجتمع الحقوقي الدولي لدعم المختطفين المحتجزين في سجون ميليشيا الحوثيين في محافظتي ذمار وصنعاء، والتحقيق الفوري في ادعاءات التعذيب والاحتجاز التعسفي والقمع الذي تتعرض له فئات واسعة من المدنيين.
وأكدت المقطري، على أن ما يجري من اعتقالات وتكميم للأفواه لا يعد انتهاكات مرحلية فحسب، بل يمثل خرقاً صارخاً لحقوق الإنسان وتفريغاً ممنهجاً للفضاء المدني من أي صوت نقدي.
وفق شهادات متداولة في التقرير الحقوقي، بحسب موقع "بوابتي" اليمني، فإن الحملة التي شنتها المليشيا في ذمار خلال يومين وحدهما شملت اختطاف ما يربو على مئتي شخص، من بينهم أكاديميون وطلاب وخطباء ومسؤولون محليون، عقب مداهمات أمنية استهدفت أحياء متعددة ومباني مؤسسات تعليمية، وقد ورد أن أكثر من ستين شخصية اجتماعية طالها الاعتقال، بعد اقتحام منازلهم ومكاتبهم مصحوبة بمداهمات ليلية بمشاركة عناصر ملثّمة ونساء ينتمين لما تُعرف بـ"زينبيات"، واتباع ممارسات مصادرة ممتلكات وترويع للسكان، خصوصاً الأطفال والنساء.
أحد أقرباء المختطفين قال إن العملية تمّت بعد أن استُخدم حرم جامعة ذمار كموقع لتراكّب المركبات المدرّعة والتحشيد الأمني، قبل انطلاق الحملة إلى أحياء متعددة في المدينة، وكثيرون ممن اختُطفوا لا يعرفون الحكم الصادر ضدهم أو التهمة الموجّهة إليهم، وكثيرون ظلوا قيد الحظر أو الحجز لأسابيع أو شهور دون محاكمة.
الأسباب والدوافع وراء الحملة
هذا النمط من الاعتقال الجماعي يندرج في إطار استراتيجية أوسع يقودها الحوثيون لتكريس قبضتهم على الساحة السياسية والاجتماعية، عبر إزالة الأصوات المستقلة القادرة على النقد أو المساءلة داخل مؤسسات السلطة أو المجتمع المدني أو الجامعات، وفي السنوات الأخيرة، ربطت جهات حقوقية ممارسات الحوثيين بأساليب القمع السياسي، لا بصراع عسكري محض.
كما أن النزاع المفتوح بين الحوثيين والحكومة اليمنية المعترف بها دولياً يسمح للجماعة بأن تتصرف كقوة الأمر الواقع في المناطق التي تسيطر عليها، وتستخدم الأجهزة الأمنية الداخلية بلا رقابة خارجية فعالة، وفي هذا السياق، تحولت الأجهزة الأمنية التابعة للحوثيين إلى آليات إدارة للأمن الداخلي أكثر منها أدوات دفاع عن الدولة، تستهدف خصومها المحتملين ومنافسيها بالملاحقة والاعتقال.
من جهة أخرى، قد يكون استخدام حملات الاعتقال في ذمار محاولة لمنع أي تجمع أكاديمي أو فكر شبابي مستقل، خصوصاً في المدن الجامعية التي قد تشكّل جسورًا للفكر المستقل أو المعارضة، وهو ما يراه الحوثيون تهديداً لاستقرارهم السياسي داخل هذه المحافظات.
تداعيات إنسانية
تُولّد حملات الاختطاف والاحتجاز التعسفي معاناة مزدوجة تتمثل في معاناة الاحتجاز بذاته، وما ينتج عنه من عزلة وانقطاع عن الأسرة والعمل، ومعاناة الخوف والترويع التي تُزرع في المحيط المجتمعي، فالمختطف لا يعيش فقط الاعتقال، بل يخشى أن تكون حياته في اللجوء الطويل خلف القضبان أو الاختفاء القسري، مع إمكانية أن يُعذَّب أو يُهان أو يُجبر على اعترافات تحت الضغط.
وعندما يُختطف الأكاديميون والخطباء والنشطاء، فإن القيم الثقافية والمجتمعية تتعرض لصدمة تغيب الأصوات التي كانت تنشر المعرفة، وتنكمش الحياة الفكرية داخل الفضاء العام، ما يؤدي إلى شلل في النشاط المدني والثقافي في تلك المناطق.
من جهة الحقوق، فإن الحالات الموثقة في ذمار تشابه ما وثقته منظمات حقوق الإنسان في سجون الحوثيين في صنعاء، حيث تحتجز السلطات موظفي الأمم المتحدة ومنظمات المجتمع المدني بلا توجيه تهمة، ويخضع بعضهم للاختفاء القسري.
في يونيو 2024، وثّقت هيومن رايتس ووتش أن الحوثيين اعتقلوا واختطفوا عشرات من موظفي الأمم المتحدة ومن العاملين في منظمات المجتمع المدني، بعضهم لا يزال مفقوداً دون تهم أو محاكمات.
أما في صنعاء فإن الصحفيين والنشطاء يُستهدفون باعتقالات مفاجئة، كما في الحالة التي جرى فيها اختطاف الصحفي اليمني ماجد زيد أثناء خروجه من مستشفى في 23 سبتمبر 2025، بعد نشره قصيدة وطنية، حيث نددت اللجنة لحماية الصحفيين باختطافه وطالبت بالإفراج الفوري عنه.
وفي فبراير 2025، طالبت منظمة العفو الدولية بتحقيق مستقل في وفاة أحد موظفي برنامج الأغذية العالمي الذي كان معتقلاً في سجن تديره الجماعة، وسط مخاوف أن يكون الوفاة ناجمة عن التعذيب أو سوء المعاملة أثناء الحجز التعسفي.
كما جرى تعليق أنشطة الأمم المتحدة في محافظة صعدة بعد احتجاز ثمانية من موظفيها، ما يعزز معاناة المدنيين، خصوصاً في المناطق المعزولة.
السياق القانوني والحقوقي
من الناحية القانونية، ما تقوم به ميليشيا الحوثي من اعتقالات وتعذيب واختفاء قسري يُعد انتهاكاً صارخاً للمعايير الدولية التي تفي بها الأمم المتحدة والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الذي صادقت عليه اليمن، علاوة على ذلك، فإن الإفلات من العقاب في مثل هذه القضايا يُغذّي مناخ الإفلات ويُقلّل من مصداقية القانون الدولي. وقد شدّد خبراء الأمم المتحدة في تقارير سابقة على أن الحوثيين يُمارسون الإفلات من المساءلة بضمور آليات التحقيق الدولية أو رفض التعاون مع الخبراء.
التحقيق في هذه الانتهاكات، كما تطالب المقطري ومنظمات حقوقية، يجب أن يكون مستقلًا وشفافًا، مع ضمان حماية الشهود والمبلغين، وتقديم الجناة للمساءلة، سواء على المستوى الوطني أو الدولي.
منذ سيطرة ميليشيا الحوثيين على صنعاء ومناطق شمال اليمن في 2014–2015، اعتمدت الجماعة على سياسة أمنية مركزية شديدة القسوة تجاه المعارضين، وقد تم توثيق حالات تعذيب وقتل داخل سجونهم، فقد أكدت تقارير سابقة أن 113 من المحتجزين ماتوا تحت التعذيب بين 2014 و2017.
في ذمار تحديداً، تُعد المحافظة مركزاً للأداء الأكاديمي والثقافي، واستخدام المداهمات في الجامعات ومهاجمة النخب الثقافية يشير إلى أن الحوثيين يرون في المؤسسات الأكاديمية خطرًا ينبغي تقييده قبل أن تنتشر أفكار الاستقلال أو المقاومة الفكرية.










