مأساة النازحين باليمن.. ميليشيا الحوثي تتسبب في أكبر موجة نزوح داخلي
مأساة النازحين باليمن.. ميليشيا الحوثي تتسبب في أكبر موجة نزوح داخلي
مع دخول فصل الشتاء، تتجدد معاناة النازحين في اليمن في مشاهد تبدو مألوفة لكنها تزداد مأساوية يوماً بعد يوم، آلاف الخيام المهترئة تحيطها الرياح الباردة ويغزوها الحرّ الصيفي، وفيها ملايين الأسر المنكوبة تحاول ببساطة الصمود. ومنذ اندلاع الأزمة التي أشعلتها ميليشيا الحوثي في عام 2014، تحولت حياة اليمنيين إلى رحلة نزوح طويلة ومؤلمة، وكل تصعيد عسكري أو تجدد مواجهات على جبهات مثل تعز ومأرب والحديدة وصعدة يولّد موجة نزوح جديدة، فتغدو البيوت مأساة، والمخيمات أمَداً لا يُرى له نهاية.
بحسب بيانات مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، تقدر أعداد النازحين داخلياً في نهاية 2024 بنحو 4.7 إلى 4.8 مليون شخص، ما يجعل اليمن خامس أكبر أزمة نزوح داخلي في العالم، ومع ذلك تؤكد هذه الوكالة أن الرقم مرشح للارتفاع بسبب التجدد المستمر للأزمات وفق شبكة "يمن فويس للأنباء".
الأسباب التي تقود إلى هذه الكارثة متعددة ومتداخلة، لكن بالنسبة لليمن فإن ميليشيا الحوثي تُعدّ المحرّك الرئيسي للأزمة، فبعد انقلابها وسيطرتها على العاصمة صنعاء ومناطق واسعة منذ 2014، دخل اليمن في حربٍ استمرت لعقود، ما دفع مئات الآلاف للفرار من منازلهم، وفي تقريرٍ صادر عن الحكومة البريطانية في مارس 2025، أُشير إلى أن نحو 86% من حالات النزوح تعود مباشرة إلى العنف المسلح. وتُشير بيانات أخرى إلى أن النزوح المناخي بدأ يتصاعد ليصبح محركاً رئيسياً أيضاً، حيث إن الفياضانات والجفاف باتا يتسببان في نزوح أعداد كبيرة سنوياً.
كما أن انسحاب العديد من المنظمات الدولية وتراجع التمويل الإنساني في السنوات الأخيرة زاد من هشاشة الوضع، إذ أشار رئيس الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين إلى أن العام الحالي كان الأسوأ بعد أن فقدت كثير من الأسر مورد رزقها.
التداعيات الإنسانية المتشابكة
النزوح القسري بهذا الحجم يعني مسارات معاناة طويلة ومتجذّرة، ويعيش النازحون في مواقع جماعية أو خيمات مكتظة، تفتقر إلى الاحتياجات الأساسية من مأوى يلائم الشتاء، ومياه نظيفة، ونظام صرف صحي، وتعليم للأطفال، فمن بين 1.5 مليون نازح تقريباً يعيشون في أكثر من 2382 موقعاً جماعياً بحسب تقرير الاستجابة الإنسانية 2025 وفق المفوضية العليا للاجئين.
ومن تداعيات النزوح أيضاً تدهور الصحة العامة، مع انتشار الكوليرا والأمراض المنقولة بالمياه، وضعف حاد في الخدمات الوقائية، وهو ما رشّح مخيمات النزوح لتصبح بؤراً مثالية للأوبئة مع دخول الشتاء، وفي مجال الغذاء، تواجه اليمن أزمة حادة، حيث أعلنت وكالات الأمم المتحدة أن أكثر من 17 مليون شخص يعانون من الجوع الحاد، ومن بينهم أكثر من مليون طفل دون الخامسة.
ويكثر النزوح المتكرر، فحسب بيانات مفوضية اللاجئين، فإن نحو 34.4% من الأسر النازحة أُجبرت على النزوح أكثر من مرة، ولهذا فإن فكرة العودة إلى المنزل أو الاستقرار تبدو في الكثير من الحالات حلماً بعيد المنال.
ردود الفعل الحقوقية
منظمة اللجنة الدولية للصليب الأحمر ومنظمات حقوق الإنسان المحلية تستنكر ما تعده سياسة تراجع الحكومة والحوثيين عن حماية المدنيين، كما أكّدت مفوضية الأمم المتحدة أن الأزمة اليمنية تمثل واحدة من أكثر الطوارئ الإنسانية تعقيداً وطولاً في العالم.
ومن الناحية القانونية، فإن النزوح القسري الجماعي والتمكين لتكراره يثير تساؤلات حول مسؤولية الأطراف المسلحة، مثل ميليشيا الحوثي، بموجب القانون الدولي الإنساني والقوانين الخاصة بحماية المدنيين، فالقانون الدولي بشأن النزوح الداخلي يُلزم الدول والأطراف بتمكين السكان من البقاء أو العودة الطوعية أو إعادة الاستقرار في ظروف آمنة ومناسبة، لكن الواقع على الأرض يشير إلى أن آلافاً ما زالوا يعيشون في ظروف مهددة، دون رؤية لإعادة التأهيل أو الاستقرار.
تعود جذور الأزمة إلى ما قبل عام 2014 حين انطلقت احتجاجات ميليشيا الحوثي في شمال اليمن، ثم تطورت إلى سيطرة على صنعاء، وما تبعها من تدخل إقليمي وتحشيد عسكري، ما دفع البلاد إلى صراع طويل، أما النزوح فليس مفهوماً جديداً في اليمن، فقد شهدت البلاد سابقاً موجات نزوح بفعل النزاعات المحلية لكن ما يحدث اليوم من تكرار وانعدام الأفق المباشر للاستقرار هو ما يضعه في خانة الكارثة التاريخية، ومع تداخل الأزمة المناخية وتدهور الاقتصاد والبنى التحتية، فإن اليمن يعيش نكسة مزدوجة؛ إنسانية ومنزلية.
رؤية شاملة
رغم وجود خطط دولية مثل “خطة الاحتياجات الإنسانية 2025” التي وضعت احتياجات اليمن بـ19.5 مليون شخص يحتاجون للمساعدة، لكن التحدي يكمن في التنفيذ، وإذا ما غابت رؤية وطنية شاملة أو شراكة فعالة مع المجتمع الدولي والمجتمع المحلي، فإن النزوح الداخلي سيستمر في النمو، مع تكريس جيل كامل من الأطفال الذين تربّوا في مخيمات ولم يعرفوا مستقراً.
تقترح المنظمات الحقوقية أن تكون أولويات التدخل: إحلال بديل للمأوى الشتوي، توحيد نظام تسجيل النازحين داخل الولايات والمناطق، تعزيز الحماية القانونية للنازحين، وتركيز الدعم على سبل العيش وليس فقط على المساعدات الطارئة، كذلك ضرورة الربط بين الأزمة المناخية والنزوح في اليمن، وإدماج التدابير الوقائية ضد الفيضانات والجفاف ضمن الاستجابة الإنسانية.
ما يعيشه اليمن اليوم من موجة نزوح تضاهي الأسوأ في تاريخه ليس مسألة إحصائية تزول بزمن، بل جرحٌ بشريٌ طويل الأمد، فآلاف الأسر التي فقدت بيوتها ومصادر رزقها تعيش حالة ترحال بلا نهاية، والحرب التي أشعلتها ميليشيا الحوثي لم تأتِ وحدها، بل جاءت في سياق تهاوي دولة، وتغير مناخي، وانقطاع خدمات، والمطلوب اليوم أكثر من مساعدات عابرة، المطلوب إرادة مستدامة لعودة الحياة والاستقرار.











