أطفال يختفون في طريق اللجوء.. تقرير يكشف ثغرات حماية القاصرين في بريطانيا
أطفال يختفون في طريق اللجوء.. تقرير يكشف ثغرات حماية القاصرين في بريطانيا
كشفت بيانات حديثة صادرة عن مجلس مقاطعة كينت في جنوب شرقي إنجلترا أن أكثر من خمسين طفلاً من طالبي اللجوء المنفردين ما زالوا في عداد المفقودين بعد وصولهم إلى المملكة المتحدة، وسط مخاوف متزايدة من أن يكون عدد منهم قد وقع ضحية لشبكات الاتجار بالبشر، وتُعد كينت، الواقعة على السواحل الجنوبية، أول محطة لوصول القوارب الصغيرة القادمة عبر القناة الإنجليزية، ما يجعلها في قلب أزمة اللجوء البريطانية.
ووفق الأرقام التي نشرتها صحيفة "الغارديان" السبت استناداً إلى بيانات المجلس، فقد اختفى ما مجموعه 345 طفلاً من مراكز الرعاية خلال السنوات الأخيرة، في حين لم يُعثر سوى على 289 منهم. ولا يزال 56 طفلاً مجهولي المصير حتى اليوم، وتشير التقارير إلى أن أغلبهم وصلوا إلى الأراضي البريطانية إما عبر القوارب الصغيرة التي تعبر من فرنسا، أو مختبئين في شاحنات، بعد رحلات محفوفة بالمخاطر عبر أوروبا.
أرقام تعكس فشل منظومة الحماية
بين عامي 2021 و2023، فُقد 132 طفلاً من الفنادق التي تديرها وزارة الداخلية البريطانية لإيواء الأطفال غير المصحوبين بذويهم، تم العثور على 108 منهم لاحقاً، في حين بقي 24 في عداد المفقودين، كما أظهرت البيانات أن 213 طفلاً آخرين اختفوا من مراكز الاستقبال التابعة لمجلس كينت بين عام 2020 وأغسطس 2025، عُثر على 182 منهم، في حين لا يزال 32 طفلاً مفقودين حتى الآن.
وتوضح الأرقام أن الجنسية الألبانية تمثل النسبة الكبرى بين الأطفال المفقودين، تليها الجنسيات الأفغانية والإيرانية، ما يعكس تنوع مسارات اللجوء والخلفيات الجغرافية والاجتماعية لهؤلاء القاصرين الذين غالباً ما يفرّون من الحروب والفقر والعنف المنزلي أو التجنيد القسري.
شهادات قانونية
تقول المحامية إسمي ماديل، من الوحدة القانونية للأطفال المهاجرين واللاجئين في مركز إزلنغتون القانوني، إن هذه الأرقام تمثل فشلاً ذريعاً للدولة في حماية أكثر الفئات هشاشة، وتضيف أن وراء كل رقم طفل خائف تعرض لانتهاكات جسيمة قبل وصوله إلى المملكة المتحدة، هؤلاء الأطفال لم يختاروا أن يكونوا مفقودين، وكان من المفترض أن يعيشوا حياة آمنة بعيداً عن عصابات الاتجار.
وتشير ماديل إلى أن اختفاء طفل واحد كفيل بإثارة تساؤلات عميقة حول نظام الحماية والرعاية البريطاني، فكيف الحال حين يكون الحديث عن مئات الحالات؟
محاولات إصلاح لم توقف النزيف
في ديسمبر 2023، أصدرت المحكمة العليا البريطانية حكماً اعتبرت فيه أن إيواء الأطفال طالبي اللجوء في الفنادق بشكل روتيني يخالف القانون، داعية الحكومة إلى توفير بدائل أكثر أماناً واستقراراً. واستجابةً للحكم، أعلن مجلس كينت خطة لتوسيع استخدام مراكز الاستقبال الرسمية وتجنيد موظفين إضافيين للرعاية، غير أن الواقع أظهر أن الإصلاحات لم تكن كافية، فمنذ صدور الحكم وحتى منتصف عام 2025، اختفى 44 طفلاً آخر، ولا يزال 10 منهم مفقودين.
ويرى خبراء أن استمرار حالات الاختفاء رغم الإجراءات القضائية والسياسية يعكس ثغرات عميقة في التنسيق بين وزارة الداخلية والمجالس المحلية والشرطة، إضافة إلى الضغط الهائل الذي تواجهه مراكز الرعاية نتيجة زيادة أعداد الوافدين في السنوات الأخيرة.
تحذيرات المنظمات الحقوقية
قالت باتريشيا دور الرئيسة التنفيذية لمنظمة كل طفل محمي من الاتجار بالبشر في المملكة المتحدة، إن الخطر يتضاعف فور اختفاء الطفل من الرعاية، إذ يصبح هدفاً سهلاً لشبكات الاتجار والاستغلال، خاصة في ظل غياب الإشراف الأسري أو القانوني، وأوضحت أن “فقدان الاتصال بطفل واحد يعني زيادة احتمالات تعرضه للعمل القسري أو الدعارة أو الجريمة المنظمة”.
ودعت دور الحكومة إلى اعتماد استراتيجية وطنية شاملة لحماية الأطفال غير المصحوبين بذويهم، تشمل مراقبة دقيقة للحالات، وتأمين سكن مستقر، وتوفير مترجمين ومساعدين اجتماعيين مدربين على التعامل مع الصدمات النفسية.
من جهتها، حذرت منظمة "ريفيجيو إنترناشونال" المعنية بحماية اللاجئين من أن اختفاء الأطفال في أحد أكثر أنظمة الهجرة تقدماً في العالم هو مؤشر مقلق على ضعف الإرادة السياسية لحماية الفئات المستضعفة، مشددة على أن الحل لا يقتصر على الجانب الأمني، بل يتطلب مقاربة إنسانية شاملة تضمن كرامة الطفل وحقه في الأمان.
الحكومة البريطانية تدافع عن أدائها
أكد متحدث باسم مجلس كينت أن الأطفال طالبي اللجوء يشكلون فئة شديدة الهشاشة بسبب انفصالهم عن أسرهم وظروف رحلاتهم، مشيراً إلى أن المجلس يعمل بشكل وثيق مع الشرطة ووزارة الداخلية لتعقب المفقودين، وأضاف أن جميع الحالات تُحال إلى الآليات الوطنية الخاصة بمكافحة الاستغلال، وأن الجهود تتركز على ضمان سرعة التعرف على الأطفال عند العثور عليهم وإعادتهم للرعاية الآمنة.
أما وزارة الداخلية البريطانية فأكدت في بيان أنها تعد سلامة ورفاهية الأطفال طالبي اللجوء أولوية قصوى، وأنها تجري مراجعات دورية لإجراءاتها بالتعاون مع المجالس المحلية والهيئات الأمنية، مضيفة أنها تشارك المعلومات ذات الصلة في الوقت المناسب لضمان تتبع الحالات والتحقيق في أسباب الاختفاء.
أبرز التحديات
تعد قضية الأطفال غير المصحوبين بذويهم من أبرز التحديات التي تواجه منظومة اللجوء في بريطانيا منذ تصاعد الهجرة غير النظامية عبر القناة الإنكليزية عام 2020، وتشير إحصاءات وزارة الداخلية إلى أن عدد الأطفال الذين وصلوا بمفردهم يتجاوز 4 آلاف سنوياً في بعض الأعوام، ما شكل ضغطاً متزايداً على قدرات الاستقبال والإيواء.
ويفرض القانون البريطاني على السلطات المحلية واجب الرعاية المؤسسية لهؤلاء الأطفال حتى بلوغهم سن الثامنة عشرة، إلا أن تقارير متعددة، منها تقرير مفوض شؤون الأطفال لعام 2024، حذرت من ضعف الإمكانات البشرية والمالية المخصصة لذلك، وغياب آلية وطنية موحدة لتتبع الأطفال المعرضين للخطر.
كما أشار تقرير لجنة الشؤون الداخلية في البرلمان البريطاني إلى أن ثلث الأطفال الذين يختفون من مراكز الرعاية لا يتم الإبلاغ عنهم فوراً، وأن التنسيق بين الجهات المعنية يعاني من فجوات زمنية خطيرة تسمح لشبكات الاستغلال باستغلال الثغرات القانونية.
أبعاد إنسانية وأمنية متشابكة
الاختفاء لا يمثل مجرد فقدان فردي، بل قضية تمس صورة بريطانيا بوصفها دولة تتفاخر بريادتها في حقوق الإنسان، فبينما تؤكد الحكومة التزامها بمكافحة الاتجار بالبشر، تشير الوقائع إلى أن الأطفال الذين يختفون بعد وصولهم إلى شواطئ الأمان قد يجدون أنفسهم مجدداً تحت رحمة عصابات الجريمة المنظمة.
وتحذر مؤسسات بريطانية مختصة من أن كثيراً من هؤلاء الأطفال يجري استدراجهم إلى أعمال غير قانونية في المزارع والمطاعم وشبكات توزيع المخدرات المعروفة باسم "خطوط المقاطعة"، حيث يُستغلون بأجور زهيدة أو تحت التهديد.
تاريخياً، لم تكن ظاهرة اختفاء الأطفال طالبي اللجوء جديدة على بريطانيا، لكنها تصاعدت مع أزمة الهجرة الأوروبية عام 2015، حين ارتفعت أعداد الأطفال الفارين من مناطق النزاع في الشرق الأوسط وإفريقيا، وتقدر منظمة الهجرة الدولية أن أكثر من 20 ألف طفل اختفوا في أوروبا خلال العقد الأخير بعد وصولهم دون ذويهم، ويُعتقد أن عدداً كبيراً منهم انتهى ضحية للاتجار أو العمل القسري.
أما في بريطانيا، فقد أظهرت مراجعات برلمانية متكررة أن غياب الرقابة على مراكز الإيواء المؤقتة، خاصة تلك التي تديرها شركات خاصة لصالح وزارة الداخلية، أسهم في ضعف حماية الأطفال. وسبق أن واجهت الحكومة انتقادات حادة من منظمات دولية مثل هيومن رايتس ووتش ويونيسف بشأن ظروف إقامة الأطفال اللاجئين ومحدودية الدعم النفسي والاجتماعي المقدم لهم.










