بريطانيا تُوقّع اتفاقاً جديداً مع فيتنام لمكافحة الهجرة غير الشرعية
بريطانيا تُوقّع اتفاقاً جديداً مع فيتنام لمكافحة الهجرة غير الشرعية
أعلنت السلطات البريطانية، عن التوصل إلى اتفاق جديد مع فيتنام يهدف إلى الحد من عبور المهاجرين الفيتناميين غير النظاميين عبر المانش، وتسريع إجراءات إعادتهم إلى بلادهم.
وأكد رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر في بيان رسمي، الجمعة، أنّ عدد الوافدين غير الشرعيين من فيتنام انخفض إلى النصف بالفعل، لكنه شدّد على أنّ "هناك المزيد مما يجب القيام به" لوضع حدّ نهائي لتدفّق المهاجرين عبر القوارب الصغيرة.
وأوضح البيان أنّ الاتفاق الجديد سيُسهم في تسريع وتيرة معالجة ملفات المهاجرين بنسبة 75 في المئة، عبر تبادل البيانات البيومترية وتبسيط الإجراءات الإدارية، ما سيُتيح إعادة مَن لا يملكون حقّ الإقامة في بريطانيا بصورة أسرع وأكثر فاعلية.
ويُعدّ هذا الاتفاق الثاني من نوعه بين لندن وهانوي، بعد اتفاق سابق وُقّع عام 2024 في إطار التعاون الثنائي لمكافحة الهجرة غير الشرعية.
ارتفاع في أعداد الوافدين
شهدت المملكة المتحدة خلال عام 2024 زيادة حادّة في أعداد الوافدين من فيتنام عبر المانش، إذ شكّل المواطنون الفيتناميون أكبر مجموعة من الوافدين خلال الربع الأول من العام، ورابع أكبر مجموعة على مدار العام بأكمله.
ووفقًا للأرقام الرسمية الصادرة عن وزارة الداخلية البريطانية، وصل 1,026 فيتناميًا إلى الأراضي البريطانية على متن قوارب صغيرة بين يناير ويونيو 2025، وهو ما يُعادل نصف العدد المسجّل في الفترة نفسها من العام السابق.
وتعهد رئيس الوزراء البريطاني بأنّ الاتفاق الجديد سيُضاعف عدد المرحّلين أربع مرات مقارنة بالسنوات الماضية، واصفًا إياه بـ "الأكثر طموحًا على الإطلاق" من بين الاتفاقيات التي أبرمتها فيتنام مع أي دولة أخرى.
وقال ستارمر: "هذه الاتفاقية التاريخية تُوجّه رسالة واضحة: إذا دخلتَ المملكة المتحدة بطريقة غير قانونية، فسيتم إعادتك بسرعة".
دعوات لتشديد الرقابة
أشارت وزيرة الداخلية البريطانية شبانة محمود إلى أنّ الدولة عانت لفترة طويلة من العجز عن ترحيل من لا يحق لهم البقاء، مؤكدة أنّ الاتفاق الجديد "يُشكّل خطوة حاسمة لإعادة السيطرة على الحدود البريطانية".
لكن منظمات حقوقية بريطانية حذّرت من أنّ تسريع الترحيل قد يؤدي إلى انتهاك حقوق المهاجرين، خصوصًا ما يتعلّق بحقّهم في طلب اللجوء أو الطعن في قرارات الإعادة، في حين اعتبرت الحكومة أنّ الإجراءات الجديدة "توازن بين الأمن والإنسانية".
ويُتوقّع أن تشمل المرحلة الأولى من تطبيق الاتفاق إعادة عشرات المهاجرين شهريًا إلى فيتنام، مع مراقبة دقيقة لمدى التزام السلطات الفيتنامية بتأمين ظروف إنسانية للمُرحّلين.
حملات توعية في فيتنام
تُرافق هذه الخطوات حملات توعية واسعة في فيتنام، تهدف إلى ردع المهاجرين عن ركوب البحر نحو بريطانيا.
وأطلقت السلطات البريطانية، بالتعاون مع نظيرتها الفيتنامية، حملة رقمية على وسائل التواصل الاجتماعي تتضمّن شهادات لمهاجرين سابقين يحذّرون من مخاطر الهجرة غير الشرعية، ومن العواقب القاسية المترتبة على الوقوع في أيدي شبكات التهريب.
وكانت الاتفاقية السابقة بين البلدين عام 2024 قد شملت بنودًا مماثلة، تضمنت تبادل المعلومات الاستخباراتية وتعزيز التعاون الأمني لملاحقة شبكات تهريب البشر عبر المانش.
ويُعتقد أنّ هذه الحملات الإعلامية لعبت دورًا جزئيًا في تقليص عدد الوافدين الفيتناميين خلال عام 2025.
اتفاقية مع فرنسا
يأتي الاتفاق البريطاني الفيتنامي في سياق حزمة من الإجراءات الثنائية التي أطلقتها لندن منذ تصاعد أزمة "القوارب الصغيرة" عام 2018.
فقد أبرمت المملكة المتحدة خلال العام الجاري اتفاقية جديدة مع فرنسا تُعرف باسم "واحد مقابل واحد"، دخلت حيّز التنفيذ في أغسطس 2025، وتنصّ على إعادة المهاجرين الواصلين إلى الأراضي البريطانية على متن قوارب صغيرة إلى فرنسا، مقابل قبول لندن بعدد مماثل من المهاجرين المقيمين في الأراضي الفرنسية.
وعقدت بريطانيا اتفاقيات مشابهة مع دول في غرب البلقان والعراق بهدف مكافحة الهجرة غير النظامية، ضمن استراتيجية حكومية واسعة لتقليص أعداد الواصلين عبر المانش.
عبور المانش رغم القيود
رغم تشديد الإجراءات، لا تزال عمليات عبور المانش تُسجّل ارتفاعًا ملاحظًا، فمنذ بداية عام 2025، وصل 36,954 مهاجرًا إلى السواحل البريطانية، بحسب بيانات وزارة الداخلية، وهو رقم يتجاوز المحصّلة المسجلة في عام 2024 التي بلغت 36,816 مهاجرًا.
ويرى مراقبون أنّ هذه الأرقام تُظهر تعقيد أزمة الهجرة الأوروبية، حيث تتداخل فيها الأسباب الاقتصادية والسياسية والأمنية، في حين تحاول بريطانيا عبر هذه الاتفاقيات إرسال رسالة ردع حازمة دون أن تُغلق الباب تمامًا أمام المهاجرين الشرعيين.
تُعيد هذه التطورات تسليط الضوء على التحدّي الأكبر الذي يواجه أوروبا وبريطانيا في آنٍ واحد.. كيف يمكن ضبط الهجرة غير الشرعية دون انتهاك حقوق الإنسان؟
وبينما تُشدّد لندن سياساتها الحدودية، تبقى قوارب المانش شاهدة على فشل الحلول الأمنية وحدها في مواجهة طموح آلاف المهاجرين الباحثين عن حياة فُضلى، بين واقعٍ قاسٍ في أوطانهم، وبحرٍ لا يعرف الرحمة في طريقهم إلى "أرض الفرص".










