شهادات جنود إسرائيليين تكشف كيف كانوا يستهدفون المدنيين في غزة
شهادات جنود إسرائيليين تكشف كيف كانوا يستهدفون المدنيين في غزة
في إفصاحات نادرة ومثيرة للجدل عرضتها قناة تلفزيونية بريطانية، اعترف عدد من جنود الجيش الإسرائيلي أن قواعد الاشتباك والقيود القانونية على استعمال السلاح انهارت عملياً في ساحات القتال بقطاع غزة، وأن قرارات القتل باتت في كثير من الأحيان مرهونة لقرار الضابط على الأرض لا لمعايير قانونية ثابتة.
هذه الشهادات التي وردت في فيلم وثائقي أعدته محطة "آي تي في إكس" ونقلتها صحف دولية تضع في صلب النقاش مدى احترام القواعد العسكرية والأخلاقية في نزاع يتسم بمعدلات مرتفعة من الضحايا المدنيين وفق صحيفة "الغارديان" البريطانية.
ما كشفه الجنود ينسجم مع بيانات داخلية وافتتاحيات تحقيقية أشارت إلى ارتفاع نسبة المدنيين بين القتلى إلى مستويات غير مسبوقة في النزاعات الحديثة، وأشارت تحقيقات صحفية اعتمدت على قواعد بيانات استخباراتية إسرائيلية إلى أن نحو خمسة من كل ستة قتلى في قطاع غزة مواطنون مدنيون، وهو رقم يضع في ملاحظة جدية مدى التناسب والتمييز في العمليات العسكرية، هذه النسب، إذا صحّت أو اقتربت من الصحة، تثير تساؤلات قانونية وعملية عن التزام القوات بمبدأي التمييز والتناسب بموجب القانون الدولي الإنساني.
ردود فعل منظمات حقوقية
أثارت الإفادات والمؤشرات العددية إدانات وتحذيرات من منظمات حقوقية دولية ومنظمات أممية، فقد وثقت منظمة هيومن رايتس ووتش ومنظمات أخرى في تقارير متكررة وقوع هجمات إسرائيلية وصفتهـا بغير المتناسبة واستهداف بنى تحتية مدنية وحجب وصول المساعدات، واعتبرت أن سلوك قوات الجيش الإسرائيلي يستوجب تحقيقات مستقلة وفتح مسارات مساءلة جنائية. في المقابل، تصدت حكومة إسرائيل والقيادة العسكرية لانتقاداتها بالقول إن العمليات تستهدف مجموعات مسلحة وتشدد على حق الدفاع عن النفس، في حين تظل دعاوى نظامية أمام محاكم دولية في طور المعالجة.
على المستوى القضائي الدولي، أصدرت محاكم وهيئات دولية خطوات مهمة في متابعة الادعاءات، فقد نظرت محكمة العدل الدولية في طلبات تدابير مؤقتة قدمتها إحدى الدول واصفة أن عمليات عسكرية إسرائيلية موسعة في غزة قد تندرج تحت جرائم الإبادة الجماعية، وأصدرت المحكمة قرارات مؤقتة تحضّ على اتخاذ تدابير لحماية المدنيين وتسهيل وصول المساعدات، وهذه الإجراءات لم تغير مسار العمليات على الأرض بالسرعة المطلوبة لدى منظمات الإغاثة، لكنها تشكل إطاراً قانونياً وإدخالاً للموضوع إلى ملعب القضاء الدولي.
انهيار الضوابط الميدانية
الشهادات الميدانية تشير إلى سلسلة عوامل قد تكون مسؤولة عن تآكل الضوابط: أولاً، ضغوط الأداء وهدف تدمير بنية تنظيمية للخصم في بيئة حضرية مكتظة بالمدنيين، ثانياً، ضعف إشراف القادة الميدانيين وتضارب الرسائل من المستويات العليا، ثالثاً، أحكام تبريرية عملياتية أصبحت معياراً عملياً لدى بعض القيادات، رابعاً، ما يصفه الجنود بأنه "تطبيع للعنف" في ظروف حرب طويلة ومرهقة. هذه العوامل معاً توضح كيف يمكن أن تتحول قواعد مكتوبة إلى نصوص صامتة على أرض المعركة إذا غابت مراقبة فعالة ومساءلة سريعة.
انهيار المعايير لا يظل أمراً تكتيكياً بل يترجم إلى خسائر مدنية واسعة تتجسد في فقدان مئات وربما آلاف العائلات معيلين أو بيوتها أو مصادر رزقها، كما تسبب ذلك في تفشي أزمات إنسانية تشمل نقص الغذاء والدواء والمأوى، وأشارت إحصاءات الأمم المتحدة والمنظمات الإغاثية إلى أعداد كبيرة من المدنيين الذين قتلوا أثناء محاولاتهم الحصول على مساعدات إنسانية، ما يضيف بعداً مأساوياً حيث تتحول نقاط التوزيع إلى ساحة خطرة بدلاً من كونها متنفساً للنجاة.
الإطار القانوني
قواعد القانون الدولي الإنساني تفرض التمييز بين مقاتل ومدني، وتمنع الهجمات المتعمدة على المدنيين أو استخدامهم دروعاً بشرية، كما تحظر الإجراء الذي قد يرقى إلى جرائم حرب أو جرائم دولية أخرى إذا ثبت أن هناك نية أو إهمالاً خطيراً. إعلان جنود عن ممارسات مثل استخدام المدنيين دروعاً بشرية وغياب الضوابط الميدانية يمكن أن يمد الأدلة أمام تحقيقات جنائية وطنية ودولية ويعزز دعاوى أمام محاكم مثل المحكمة الجنائية الدولية أو محاكم وطنية تمارس مبدأ الولاية القضائية العالمية، وتطالب المنظمات الحقوقية بتحقيقات مستقلة وشفافة ومحاكمات عادلة في حال ثبوت ارتكاب انتهاكات.
الإدانات للشهادات الحالية تواصل نمطاً طويلاً من تقارير توثيق انتهاكات بين الأطراف المتنازعة في المنطقة، وقد وثقت سجلات من حروب سابقة في قطاع غزة والضفة الغربية حوادث استخدام دافع أمني لتبرير عمليات أدت إلى إصابات مدنية كبيرة، ما يعكس استمرارية تحديات تطبيق القانون الإنساني في صراعات حضرية ومعقدة سياسياً، هذا التاريخ يجعل المسألة الراهنة ليست معزولة بل امتداد لإشكاليات بنيوية في إدارة النزاعات والرقابة العسكرية بحسب "الغارديان".
ما وراء الاستجابة الدولية؟
في ظل الشهادات والتحقيقات والقرارات الدولية، تبرز مطالبات بفتح تحقيقات دولية مستقلة، وضمان حماية المبلغين عن الممارسات غير القانونية داخل الجيوش، وتعزيز آليات الحماية للمدنيين وتسهيل وصول المساعدات، كما أن المدى السياسي لهذه القضية سيعتمد على قدرة المؤسسات الدولية على التحرك السريع وإجبار الأطراف على الامتثال لقراراتها، وعلى مستوى الضغط الداخلي في البلدان المعنية للمساءلة.
الشهادات العلنية للجنود والحقيقات الصحفية والأدلة الكمية على نسب مرتفعة للضحايا المدنيين تشكل معادلة صعبة أمام المنظومة الدولية تتمثل في تحريك آليات مساءلة حقيقية واستعادة ضوابط العمل العسكري، أو استمرار تدهور حماية المدنيين وتفاقم أزمات إنسانية وقانونية قد تمتد آثارها طويلاً، والإجراءات القادمة ستحدد ما إذا كانت اللغة القانونية الدولية ستتحول إلى واقع ملموس يحمي المدنيين أو تبقى حبراً على ورق في مواجهة قسوة الحرب.










