تهدد الصحة العامة.. بريطانيا تواجه أزمة الأدوية المزيفة وشبكاتها الإجرامية

تهدد الصحة العامة.. بريطانيا تواجه أزمة الأدوية المزيفة وشبكاتها الإجرامية
أدوية إنقاص الوزن

حذّرت وكالة تنظيم الأدوية ومنتجات الرعاية الصحية البريطانية MHRA من نموذج جديد لتصنيع وبيع أدوية إنقاص الوزن، يعتمد على شبكات إجرامية منظمة تستثمر بشكل كبير في إنتاج عبوات ومحاقن مزيفة لتبدو كمنتجات شرعية.

وقالت الوكالة إن هذه الظاهرة ظهرت مؤخرًا بشكل متصاعد، ما دفعها إلى تنفيذ أكبر مصادرة عالمية معروفة لهذه المنتجات غير المرخصة، مؤكدة أن المجرمين لا يكتفون بتصنيع مكونات خام أو عبوات مقلدة، بل يبذلون جهودًا كبيرة لإنتاج منتجات كاملة المظهر تتنافس بصريًا مع العلامات التجارية الأصلية.

آندي مورلينغ، رئيس وحدة إنفاذ القانون الجنائي في الـMHRA، وصف هذا الأسلوب وفق صحيفة "الغارديان" البريطانية، بأنه غير مألوف ومثير للقلق بسبب مستوى التعقيد والاستثمار المرتبط به، مضيفًا أن ما صُودِر بدا كدواء حقيقي لكنه غير مرخّص للبيع في المملكة المتحدة.

وأوضح أن الهدف الأساسي للوكالة هو منع انتشار هذا النموذج قبل أن يصبح شائعًا، مع التركيز على سلامة الجمهور عبر سحب المنتجات غير الآمنة من السوق.

تفاصيل المصادرة والتحقيقات

في مداهمة أولى لمصنع غير قانوني في نورثهامبتون الشهر الماضي، صادرت MHRA عشرات الآلاف من الأقلام الفارغة المخصصة لأدوية إنقاص الوزن، إلى جانب مكونات كيميائية خام، وأكثر من ألفي قلم لاستخدامات طبية غير مرخصة، كانت مهيأة للشحن إلى العملاء.

وأكدت الوكالة وجود عدد كبير من التحقيقات الجنائية الجارية، لكنها تتعامل مع كل قضية تبعًا لمستوى الخطر، مشيرة إلى أن الأولوية دائمًا هي حماية المستهلكين.

وحذر مورلينغ من أن التغليف المتقن لهذه المنتجات يعطي المستهلكين شعورًا زائفًا بالأمان، مشيرًا إلى أن بعض صالونات التجميل تروج لهذه المواد دون إدراك أنها قد تُصنّف كأدوية، مما يعرّض البائعين والعملاء على حد سواء لمخاطر صحية وقانونية جسيمة.

الأزمة وتداعياتها الإنسانية

ترتبط الأزمة بعدة عوامل متشابكة، أبرزها ارتفاع الطلب على أدوية إنقاص الوزن في المملكة المتحدة وأوروبا، إضافة إلى ضعف الرقابة على بعض قنوات البيع عبر الإنترنت، كما ساهمت فجوات التشريعات في السماح لبعض المنتجات بالدخول إلى السوق تحت مسميات تجميلية، وهو ما أدى إلى استغلاله من قبل شبكات الجريمة المنظمة.

ويترتب على هذه الظاهرة تداعيات صحية خطيرة، حيث يمكن أن تحتوي المنتجات المزيفة على مكونات غير آمنة، أو بجرعات غير مضبوطة، ما يؤدي إلى مضاعفات صحية قد تصل إلى الوفاة، وبحسب تقارير سابقة للـMHRA، تتسبب الأدوية المزيفة سنويًا في إصابة آلاف الأشخاص بمضاعفات غير متوقعة، إضافة إلى حدوث تسمم أو تأثيرات جانبية طويلة المدى لم يتم تقييمها سريريًا.

على المستوى الاجتماعي، يعاني الضحايا من أثر نفسي كبير، حيث يشعرون بالخداع والاستغلال، ما يفاقم الأزمات الصحية والنفسية المرتبطة بالوزن والسمنة. كما أن ظهور هذه المنتجات يضعف ثقة المستهلكين في الأدوية الأصلية ويزيد من الضغوط على الأنظمة الصحية الرسمية.

وبدأت مظاهر التزوير في بريطانيا خلال ربيع 2023، مع ظهور نسخ مقلّدة من علامات تجارية مثل Mounjaro وWegovy، حيث أزيلت ملصقات المحاقن الأصلية أو بيع مسحوق مكونات خام للخلط، وفي أوائل 2024، ظهرت محاقن مجهزة مسبقًا لم تكن مرخصة رسميًا، أما المرحلة الحالية، فتمثل تصعيدًا واضحًا، حيث يحاكي المجرمون المنتجات الأصلية بالكامل، من التغليف إلى شكل المحاقن، بما يشير إلى وجود شبكات جريمة منظمة تعمل على مستوى عالمي.

ردود الفعل الحقوقية 

استنكرت منظمات حقوق المستهلك المحلية والدولية هذه الممارسات، محذرة من أنها تشكل انتهاكًا مباشرًا لحق الأفراد في الحصول على منتجات آمنة وفعالة، ووفقًا لتقارير منظمة الصحة العالمية، تُعد هذه الأدوية المزيفة جزءًا من مشكلة عالمية أوسع، حيث يُقدّر أن نحو عشرة في المئة من الأدوية المتداولة في الأسواق غير الرسمية حول العالم مزيفة، بما يشكل تهديدًا خطيرًا للصحة العامة.

كما أكدت منظمات أممية مثل اليونيسف واليونيدو على ضرورة تعزيز آليات الرقابة والجمارك، وإطلاق حملات توعية للمستهلكين حول مخاطر الأدوية غير المرخصة، وتطبيق العقوبات الجنائية وفق القانون الدولي على شبكات تصنيع وتهريب هذه المنتجات، ويشدد القانون الدولي لحقوق الإنسان على حق كل فرد في الصحة والسلامة، بما يشمل الوصول إلى الأدوية الموثوقة والآمنة، وهو ما تخرقه هذه الشبكات الإجرامية.

وتشير بيانات MHRA إلى أن ما يزيد على خمسين ألف عبوة مزيفة تم مصادرتها منذ بداية عام 2025، في حين أن نحو نصف هذه الحالات تتعلق بمحاقن إنقاص الوزن، كما تكشف الإحصاءات عن زيادة ملحوظة في عدد الشكاوى من المستهلكين حول آثار جانبية غير متوقعة، تشمل اضطرابات هضمية، ومشكلات قلبية، وتسمم بالمواد الكيميائية غير المصرح بها.

ويقدر بعض الخبراء أن حجم السوق السوداء لأدوية إنقاص الوزن المزيفة في أوروبا قد يصل إلى مئات الملايين من الجنيهات سنويًا، ما يجعلها مجالًا مربحًا للغاية للشبكات الإجرامية، ويؤكد الحاجة الماسة لتدخلات تنظيمية صارمة وسريعة.

أولويات المواجهة

تكشف هذه الأزمة عن تحدٍ مزدوج؛ الأول يتعلق بالأمن الصحي وسلامة المستهلك، والثاني مرتبط بمكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود، وتعمل MHRA حاليًا على تعزيز عمليات الرقابة، وزيادة التنسيق مع الشرطة والجمارك الأوروبية، وإطلاق حملات توعية عامة، بهدف منع انتشار هذه الأدوية وتقليل المخاطر المحتملة على الصحة العامة.

كما يشدد الخبراء على أهمية مراقبة صالونات التجميل، وفرض ضوابط صارمة على التجارة الإلكترونية، وتطوير تقنيات للتعرف على المنتجات المزيفة، بالإضافة إلى التوسع في التحقيقات الجنائية الدولية لتعقب شبكات الجريمة المنظمة وتفكيكها.

تمثل ظاهرة الأدوية المزيفة لإنقاص الوزن في بريطانيا حالة نموذجية لأثر الجريمة المنظمة على الصحة العامة وحقوق المستهلكين، فالمزيج بين الطلب العالي، والثغرات التشريعية، والأسواق الإلكترونية، يجعل المستهلكين عرضة لمخاطر جسيمة، ويضع السلطات أمام تحديات إنسانية وقانونية معقدة.

ويؤكد الخبراء أن التصدي لهذه الأزمة يتطلب نهجًا متكاملًا يجمع بين الرقابة الصارمة، والتحقيقات الجنائية، والتوعية العامة، والتنسيق الدولي، لضمان حماية الصحة العامة والحفاظ على الثقة في أنظمة الرعاية الصحية.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية