1.6 مليون طفل متضرر.. أكثر من 100 منظمة بريطانية تطالب بإلغاء "سقف إعانة الطفلين"
1.6 مليون طفل متضرر.. أكثر من 100 منظمة بريطانية تطالب بإلغاء "سقف إعانة الطفلين"
تتزايد الضغوط على حكومة حزب العمال البريطاني لإلغاء سياسة سقف إعانة الطفلين المثيرة للجدل، بعد أن وجّهت أكثر من 100 منظمة وجمعية خيرية ومهنية رسالة مفتوحة إلى رئيس الوزراء كير ستارمر ووزيرة الخزانة رايتشل ريفز، تطالب فيها بإلغاء السياسة بالكامل، محذّرة من أن أي تعديل جزئي لن يحقق العدالة للأطفال المتضررين ولن يعالج جذور الفقر المتنامي بين الأسر البريطانية.
الرسالة، التي كشفت عنها صحيفة "الإندبندنت" الخميس حملت توقيع منظمات بارزة مثل جمعية العمل ضد فقر الأطفال (CPAG)، وهيئة الخدمات الاستشارية للمواطنين، والجمعية الطبية البريطانية (BMA)، وأنقذوا الأطفال (Save the Children UK)، وبارناردوز (Barnardo’s)، إضافة إلى اتحاد النقابات العمالية (TUC)، في تحالف حقوقي واسع يطالب بتغيير جذري في السياسة الاجتماعية البريطانية تجاه الأسر محدودة الدخل
وجاء في نص الرسالة: "الآن هو الوقت ليستمع رئيس الوزراء ووزيرة الخزانة إلى أصوات أطفال بريطانيا، إلغاء الحد الأقصى لإعانة الطفلين بالكامل سيمنح ملايين الأطفال مستقبلاً أفضل ويساعد على بناء اقتصاد أكثر عدلاً وقوة".
تاريخ السياسة المثيرة للجدل
تعود جذور سياسة سقف إعانة الطفلين إلى عام 2017 عندما أقرتها حكومة حزب المحافظين السابقة، بهدف تقليص الإنفاق على نظام الرعاية الاجتماعية، وتنصّ القاعدة على أن الأسر التي تطلب الائتمان الشامل أو إعانة ضريبة الأطفال لا يحق لها الحصول على دعم مالي عن الطفل الثالث أو الأطفال اللاحقين إذا وُلدوا بعد أبريل 2017.
وتؤكد المنظمات أن هذه السياسة تعمّق الفقر وعدم المساواة، لأنها تعاقب الأسر التي لديها أكثر من طفلين، وتضرّ بالفئات الأكثر هشاشة، مثل الأسر ذات الدخل المنخفض أو العائلات التي فقدت وظائفها مؤخرًا.
أرقام تكشف حجم المعاناة
وفقًا للبيانات الرسمية الصادرة عن مكتب الإحصاءات الوطنية البريطاني (ONS)، يعيش نحو 1.6 مليون طفل في أسر متأثرة مباشرة بسياسة سقف إعانة الطفلين، وتشير تقديرات جمعية العمل ضد فقر الأطفال إلى أن 109 أطفال يوميًا يُدفعون إلى الفقر بسبب هذه السياسة وحدها، فيما يُتوقع أن يؤدي إلغاؤها إلى رفع أكثر من 600 ألف طفل فوق خط الفقر.
وتضيف الحملات الحقوقية أن واحدًا من كل ثلاثة أطفال في بريطانيا -أي نحو 4.5 مليون طفل– يعيش حاليًا في الفقر، وهو أعلى معدل منذ ثلاثة عقود، رغم أن البلاد تُعد من أكبر الاقتصادات في العالم.
تقول أليسون غارنهام، المديرة التنفيذية لجمعية العمل ضد فقر الأطفال: "إذا كانت الحكومة جادة في تقليص فقر الأطفال، فعليها إلغاء حد الطفلين تمامًا، إنها فرصة نادرة لإحداث فرق حقيقي في حياة الأطفال، ويجب استغلالها في الميزانية المقبلة قبل أن تتضرر فرص المزيد منهم".
الحكومة بين الضغوط والالتزامات
تزامنت هذه المطالبات مع تسريبات تفيد بأن الحكومة تدرس تعديلات محدودة على السياسة، بدلاً من الإلغاء الكامل، مثل رفع الحد إلى ثلاثة أو أربعة أطفال، أو تطبيق نظام تدريجي يمنح إعانات أعلى للطفل الأول وأقل تدريجيًا للآخرين.
ومن المتوقع أن يُعلن القرار النهائي ضمن ميزانية 26 نوفمبر أو في إطار الاستراتيجية الوطنية لمكافحة فقر الأطفال المنتظر نشرها قبل نهاية العام الجاري.
في مقابلة مع محطة "BBC 5 Live"، قالت وزيرة الخزانة رايتشل ريفز: "لا أعتقد أنه من العدل أن يُعاقَب الأطفال لمجرد أنهم جزء من أسر كبيرة، علينا ألا نتجاهل كلفة الفقر على اقتصادنا إذا تُرك من دون معالجة"، وأضافت أن الحكومة تراجع جميع الخيارات لتحقيق هدفها المعلن بخفض معدلات فقر الأطفال، مؤكدة أن أي خطوة جديدة ستكون جزءًا من خطة شاملة للإصلاح الاجتماعي والاقتصادي.
أما رئيس الوزراء كير ستارمر، فقال في تصريحات سابقة إن الحكومة البريطانية تدرس بجدية إمكانية إلغاء سقف الإعانة كجزء من نهج متعدد المحاور لمكافحة الفقر، لكنه لم يقدّم جدولًا زمنيًا واضحًا للقرار.
حملة ضغط غير مسبوقة
تعتبر هذه الحملة أكبر تحرك مدني منذ سنوات للضغط على الحكومة في ملف فقر الأطفال، إذ جمعت منظمات من قطاعات متنوعة، بينها التعليم والصحة والرعاية الاجتماعية والكنائس والنقابات المهنية.
وقالت روزاليند هيغينز، من منظمة “أنقذوا الأطفال”، إن "سياسة الطفلين" لم تقلل من البطالة أو تعزز المسؤولية الأسرية كما زعمت الحكومات السابقة، بل عمّقت الأعباء النفسية والاجتماعية على العائلات الفقيرة، مضيفة: "هذه ليست مسألة إنفاق عام، بل مسألة كرامة وعدالة إنسانية".
ويرى اتحاد النقابات العمالية (TUC) أن بقاء السياسة “يكرّس التفاوت الطبقي ويضرّ بالنساء العاملات” اللاتي غالبًا ما يتحملن العبء الأكبر من المسؤولية الأسرية، في وقت تشهد فيه البلاد ارتفاعًا غير مسبوق في تكاليف المعيشة والإيجارات والطاقة.
رأي الخبراء الاقتصاديين
يشير خبراء الاقتصاد الاجتماعي في معهد الدراسات المالية (IFS) إلى أن سياسة سقف إعانة الطفلين توفر للحكومة نحو 3 مليارات جنيه إسترليني سنويًا، لكنها في المقابل تكلف الاقتصاد أكثر من ذلك بسبب الأثر السلبي للفقر على التعليم والصحة والإنتاجية.
وتقول دراسة صادرة عن جامعة أكسفورد إن كل طفل يعيش في فقر يكلّف الاقتصاد البريطاني ما لا يقل عن 12 ألف جنيه إسترليني سنويًا من حيث الرعاية الصحية والتعليم وفقدان فرص العمل مستقبلاً، وبالتالي فإن الاستثمار في دعم الأسر الفقيرة يُعد "قرارًا اقتصاديًا ذكيًا قبل أن يكون أخلاقيًا".
موقف الحكومة وردّها الرسمي
ردّ متحدث باسم الحكومة البريطانية قائلاً: "كل طفل يستحق أفضل بداية في الحياة، ولهذا ستطلق الحكومة قريبًا استراتيجية شاملة لمكافحة فقر الأطفال، تشمل استثمار 500 مليون جنيه إسترليني في مراكز الدعم الأسري، وتوسيع الوجبات المدرسية المجانية، وتخصيص مليار جنيه لضمان ألا يعاني الأطفال الأكثر فقراً من الجوع خلال العطلات".
وأضاف المتحدث أن الحكومة ملتزمة بخفض الفقر المستمر بين الأطفال في بريطانيا وأنها تراجع سياسات الدعم الاجتماعي لضمان توجيه المساعدات إلى من هم في أمسّ الحاجة إليها.
إلا أن المنظمات الحقوقية اعتبرت هذه الوعود "غير كافية" إذا لم تترافق مع إلغاء فوري وكامل لسياسة سقف الطفلين، محذّرة من أن "الإجراءات الجزئية ستبقي مئات آلاف الأطفال تحت خط الفقر لسنوات قادمة".
تداعيات إنسانية واجتماعية
يشير خبراء علم الاجتماع إلى أن سياسة الطفلين لا تؤثر فقط على دخل الأسر، بل تمتد إلى صحة الأطفال النفسية والتعليمية وتظهر تقارير اليونيسف أن الأطفال الذين يعيشون في الفقر أكثر عرضة بنسبة 60% لتراجع الأداء المدرسي ومرتين أكثر للإصابة بأمراض سوء التغذية والسمنة المفرطة.
وفي مناطق مثل برمنغهام، وليفربول، وغلاسكو، تُظهر البيانات المحلية أن نسب فقر الأطفال تجاوزت 40% في بعض الأحياء، مع اتساع الفجوة بين الطبقات المتوسطة والفقيرة.
اختبار سياسي وإنساني
يقف حزب العمال اليوم أمام اختبار سياسي وأخلاقي حاسم، إذ تعهّد في حملته الانتخابية بمعالجة جذور الفقر وعدم المساواة، لكنه يجد نفسه أمام معادلة صعبة بين الالتزامات المالية وضغوط الرأي العام والمنظمات المدنية.
ويرى محللون أن إلغاء سقف إعانة الطفلين سيكون مؤشرًا على جدّية الحكومة في تبنّي سياسات اجتماعية تقدمية، خاصة في ظل ارتفاع تكلفة المعيشة وأزمة الإسكان التي تضرب البلاد منذ سنوات.
مع اقتراب موعد الميزانية الجديدة، تتجه الأنظار إلى الحكومة البريطانية لمعرفة ما إذا كانت ستتخذ قرارًا جريئًا بإلغاء سقف إعانة الطفلين بالكامل، استجابةً لمطالب المنظمات الحقوقية والاقتصاديين، أم ستكتفي بإصلاحات محدودة قد تُبقي الأزمة قائمة.











