بين الوعود والواقع.. هل ينجح كوب 30 في تحويل التعهدات المالية إلى إنقاذ حقيقي للكوكب؟
بين الوعود والواقع.. هل ينجح كوب 30 في تحويل التعهدات المالية إلى إنقاذ حقيقي للكوكب؟
اندلعت في مدينة بيليم البرازيلية التي تستضيف مؤتمر الأطراف الثلاثين موجة من النقاشات الحاسمة حول مستقبل كوكب يواجه أخطر اختبار مناخي في تاريخه الحديث، وبينما تتركز أنظار العالم على غابات الأمازون التي ترمز إلى الأمل والخطر معاً، يعود السؤال الأبرز إلى الواجهة.. هل ستبقى تعهدات تمويل المناخ حبراً على ورق أم ستتحول إلى إجراءات ملموسة تمس حياة الشعوب الأكثر تعرضاً للخطر؟
داخل قاعات المؤتمر وعلى المنصات الدولية المختلفة يجمع ممثلو الحكومات وخبراء المناخ على حقيقة واحدة: أنه لا قدرة للعالم على بناء صمود حقيقي أو تحقيق عدالة مناخية أو حتى الحد الأدنى من الحماية دون تدفق مالي كافٍ وسريع ومنصف، وفق ما ذكره موقع أخبار الأمم المتحدة السبت، مؤكدين أن كل خطوة نحو تخفيف الانبعاثات أو تعزيز القدرة على التكيف أو حماية الفئات الأشد ضعفاً تعتمد بشكل مباشر على توفر التمويل.
ولهذا تصدرت قضية التمويل مسار النقاشات في يوم انعقاد الاجتماع الوزاري الثالث رفيع المستوى الخاص بتمويل المناخ ضمن فعاليات مؤتمر الأطراف الثلاثين، ووصف مشاركون من الدول المتضررة بشدة هذا التمويل بأنه مسألة بقاء بكل ما تعنيه الكلمة.
رسالة الجمعية العامة
رئيسة الجمعية العامة للأمم المتحدة أنالينا بيربوك أكدت أن مؤتمر الأطراف الثلاثين يجب أن يمثل نقطة انطلاق لتنفيذ الالتزام العالمي بتوفير ما يصل إلى تريليون وثلاثمئة مليار دولار سنوياً لتمويل المناخ، وشددت على أن هذه الموارد يجب أن تصل إلى الفئات الأشد احتياجاً بسرعة وشفافية وإنصاف.
وأشارت بيربوك إلى أن الأزمات المناخية لم تعد مجرد تهديد بيئي بل باتت عاملاً مركزياً يقود دوامات الفقر والجوع والهجرة والصراع، وشددت على ضرورة كسر هذه الحلقة التي تمنع تحقيق التنمية وتعرقل التقدم نحو أهداف المناخ العالمية.
تحول في مشهد الطاقة
في الذكرى العاشرة لاتفاق باريس للمناخ استذكرت بيربوك اللحظة التاريخية التي شهدت توافقاً دولياً واسعاً تجاوز مئة وتسعين دولة لصياغة أول معاهدة عالمية ملزمة للحد من ارتفاع حرارة الأرض، في ذلك الوقت كان كثيرون يظنون أن تطوير الطاقة المتجددة حلم بعيد المنال. لكن السنوات اللاحقة قلبت التوقعات.
ففي عام ألفين وأربعة وعشرين بلغ الاستثمار العالمي في الطاقة النظيفة تريليوني دولار متجاوزاً استثمارات الوقود الأحفوري بفارق ضخم، كما باتت الطاقة الشمسية المصدر الأرخص للكهرباء في تاريخ الصناعة، هذه التحولات الجذرية تبرهن أن الإرادة السياسية حين تترافق مع التمويل يمكنها إعادة رسم خريطة الطاقة العالمية.
قارة تملك الكثير وتحصل على القليل
رغم هذا التقدم حذرت بيربوك من فجوة هائلة في توزيع رؤوس الأموال إذ لا تزال التدفقات المالية بعيدة جداً عن احتياجات القارة الإفريقية التي تحظى بإمكانات طاقة متجددة هائلة، فرغم امتلاك إفريقيا لقدرة محتملة تفوق خمسين مرة الطلب العالمي المتوقع على الكهرباء بحلول عام ألفين وأربعين، ما زال أكثر من ستمئة مليون شخص محرومين من الكهرباء.
ودعت المسؤولة الأممية الدول المتقدمة إلى تنفيذ التزاماتها التكنولوجية والمالية والإسراع في إصلاح المؤسسات المالية الدولية بما يسمح بتوجيه التمويل إلى المناطق التي تحتاجه فعلياً.
نداء من أمانة الأمم المتحدة للمناخ
الأمين التنفيذي لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ سيمون ستيل أكد في كلمته أن التمويل يشكل شريان الحياة للعمل المناخي، وأوضح أن الدول الأكثر عرضة لتداعيات التغير المناخي ما زالت تواجه صعوبات كبيرة في الوصول إلى الأموال التي تم التعهد بها منذ سنوات.
وأشار ستيل إلى أن العالم يستثمر مليارات الدولارات في الطاقة النظيفة وبرامج التكيف والتحولات العادلة، إلا أن الحجم الإجمالي لهذه الاستثمارات لا يزال أقل من المطلوب ولا يتم توزيعه بشكل عادل أو يمكن توقعه بشكل مستقر.
علاقة التمويل بالطموح
ركز ستيل على أن تدفق التمويل قادر على توسيع آفاق العمل المناخي وخلق فرص اقتصادية واجتماعية واسعة، فحين تتوفر الموارد تنطلق البرامج التي توفر وظائف وتخفض تكاليف المعيشة وتحسن صحة المجتمعات وتبني قدراتها على مواجهة الصدمات المناخية، وشدد على أن مؤتمر الأطراف الثلاثين يشكل فرصة لإثبات فعالية التعاون الدولي وإظهار أن الاستثمارات الحالية يمكن أن تعيد رسم مسار النمو في القرن الحادي والعشرين.
تزايد الكوارث المناخية
تأتي هذه النقاشات في وقت تتزايد فيه الكوارث المناخية على نحو غير مسبوق، فقد ارتفعت في السنوات الأخيرة معدلات الفيضانات وحرائق الغابات والعواصف الشديدة وامتدت تداعياتها الاقتصادية والاجتماعية لتشمل قطاعات الغذاء والمياه والصحة والبنية التحتية، وبينما تتسارع التحذيرات العلمية بشأن اقتراب العالم من تجاوز عتبة الارتفاع البالغة درجة ونصف التي نص عليها اتفاق باريس يصبح الاستثمار في الوقاية والتكيف ليس مجرد خيار بل ضرورة وجودية.
أما الدول النامية التي تقف على خط الدفاع الأول أمام هذه الصدمات فهي الأقل إسهاماً تاريخياً في الانبعاثات لكنها الأكثر تعرضاً للخسائر، ومع ضعف قدراتها المالية وعدم قدرتها على تحمل ديون إضافية يصبح تمويل المناخ بالنسبة لها وسيلة لحماية أرواح مواطنيها واستدامة اقتصاداتها الهشة.
مسار العمل المناخي العالمي
يعكس المشهد في مؤتمر الأطراف الثلاثين لحظة مفصلية في مسار العمل المناخي العالمي، فالكلمات القوية والالتزامات المتكررة لم تعد كافية أمام حجم التحدي وأمام حاجات الدول التي تخوض معركة البقاء. المطلوب الآن هو الانتقال من الوعود إلى التنفيذ ومن التعهدات إلى التدفقات المالية الحقيقية.
فالعالم يقف عند مفترق طرق. إما أن تتحول هذه القمة إلى نقطة تحول في مسار تمويل المناخ تدعم صمود المجتمعات وتفتح الطريق أمام مستقبل أكثر استدامة وإنصافاً أو أن تبقى فرصة أخرى ضائعة تضاف إلى سجل التأخر العالمي في مواجهة أزمة تتسارع تداعياتها يوماً بعد يوم.
تأسست اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ عام 1992 بوصفها الإطار الدولي الذي ينظم جهود العالم لخفض الانبعاثات وبناء القدرة على التكيف، ويعد مؤتمر الأطراف الاجتماع السنوي الأعلى للاتفاقية ويضم ممثلين عن مئة وثلاثة وتسعين دولة، وقد شكّل اتفاق باريس الموقع عام 2015 نقطة تحول إذ ألزم الدول بالسعي إلى الحد من ارتفاع حرارة الأرض إلى ما دون درجتين مئويتين وبذل الجهود لحصره عند درجة ونصف، وتعد قضية تمويل المناخ إحدى الركائز الأساسية للاتفاق.








