بين الترحيب والتحفظات.. مجلس الأمن يقر خطة نشر قوة دولية مؤقتة في قطاع غزة

بين الترحيب والتحفظات.. مجلس الأمن يقر خطة نشر قوة دولية مؤقتة في قطاع غزة
مجلس الأمن الدولي

اعتمد مجلس الأمن الدولي الاثنين قراراً أمريكياً يؤذن بإنشاء قوة دولية مؤقتة لتحقيق الاستقرار في قطاع غزة بعد تأييد ثلاثة عشر عضواً وامتناع الصين وروسيا عن التصويت، ويحمل القرار رقم ألفين وثمانمئة وثلاثة، ويشكل إطاراً أولياً لتنفيذ خطة السلام التي قدمها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والمكوّنة من عشرين نقطة، والصادرة في التاسع والعشرين من سبتمبر الماضي.

تأتي الخطوة في لحظة توتر سياسي وإنساني بالغة الحساسية في قطاع غزة، حيث مرر المجلس القرار باعتباره مرتكزاً لمرحلة جديدة تهدف إلى تثبيت وقف إطلاق النار، ودعم إعادة الإعمار، وتهيئة طريق سياسي أوسع يشمل ترتيبات انتقالية لإدارة القطاع وفق موقع أخبار الأمم المتحدة.

مرحلة انتقالية جديدة في غزة

يرحب القرار بإنشاء مجلس السلام بوصفه هيئة انتقالية ذات شخصية قانونية دولية تتولى وضع إطار العمل وتنسيق التمويل لمشاريع إعادة تنمية غزة، ويربط المجلس عمله بمدى التقدم في برنامج إصلاح السلطة الفلسطينية، مع الإشارة إلى أن استكمال هذا المسار يمكن أن يمهد ظروفاً قابلة لإقامة الدولة الفلسطينية في نهاية المطاف.

كما ينص القرار على أن تعمل الولايات المتحدة على إطلاق حوار مباشر بين الإسرائيليين والفلسطينيين لتحديد الآفاق السياسية اللازمة لتحقيق التعايش والأمن.

تفويض القوة الدولية المؤقتة

يأذن القرار للدول التي تتعاون مع مجلس السلام بالمشاركة في إنشاء قوة دولية مؤقتة تنتشر في قطاع غزة تحت قيادة موحدة وبالتنسيق الكامل مع مصر وإسرائيل، وتشمل مهام القوة مراقبة تنفيذ وقف إطلاق النار، ودعم الترتيبات الأمنية، وتسهيل تنفيذ أهداف الخطة الشاملة بما يتوافق مع القانون الدولي.

ويمتد التفويض الأساسي للقوة حتى الحادي والثلاثين من ديسمبر 2027، مع إمكانية التجديد استناداً لقرار لاحق من مجلس الأمن وبالتشاور مع الأطراف المعنية.

تحفظات صينية وروسية

أبدى كل من الصين وروسيا اعتراضات واسعة رغم امتناعهما عن استخدام حق النقض، ورأى المندوب الصيني فو تسونغ أن القرار تجاهل الدور الفلسطيني بشكل شبه كامل، وأنه لم يؤكد التزام المجتمع الدولي بحل الدولتين، كما شدد على أهمية إشراك الأمم المتحدة في إدارة مرحلة ما بعد الحرب لخبرتها في عمليات إعادة الإعمار.

أما المندوب الروسي فاسيلي نيبينزيا فاعتبر أن القرار يمنح مجلس السلام والقوة الدولية حرية تتجاوز حدود المقبول، ويرسخ فصل قطاع غزة عن الضفة الغربية، وقال إن النص يعيد إلى الأذهان إرث الانتداب البريطاني ويجعل الفلسطينيين خارج دائرة اتخاذ القرار، وأعرب عن خيبة أمله في طريقة إدارة المشاورات داخل المجلس.

مواقف مساندة يرافقها حذر

دافعت عدة دول عن التصويت لصالح القرار، منها فرنسا والمملكة المتحدة وباكستان والجزائر، معتبرة أنه يمثل فرصة لوقف العنف وتلبية الاحتياجات الإنسانية وفتح نافذة سياسية جديدة، وأكدت هذه الدول أن الالتزام بالقانون الدولي وحماية المدنيين وتثبيت وقف إطلاق النار ضرورات لا يمكن التراجع عنها.

ورأت باكستان والجزائر بشكل خاص أن القرار لا ينتقص من حقوق الشعب الفلسطيني، وأن مجلس السلام ليس بديلاً عن السلطة الفلسطينية بل إطار انتقالي مؤقت يجب أن يقود في نهاية المطاف إلى تمكين الفلسطينيين من ممارسة حقهم في تقرير المصير.

الرؤية الأمريكية للمرحلة المقبلة

قال السفير الأمريكي مايك والتز إن اعتماد القرار يمثل خطوة مفصلية نحو  مستقبل غزة المستقرة والقادرة على الازدهار، معتبراً أن الأمن عنصر أساسي لإنجاح مسار الحوكمة والتنمية، وأشار إلى أن القوة الدولية ستتولى دعم نزع سلاح الجماعات المسلحة وتسهيل إعادة الإعمار، إلى جانب توفير بيئة آمنة للمدنيين.

وأضاف أن خطة ترامب تشكل بداية طريق نحو منطقة أكثر استقراراً عبر رؤية تقوم على إنهاء نفوذ حركة حماس وتعزيز الحكم المحلي الفلسطيني بشروط إصلاحية واضحة.

فحوى النص الأمريكي

ينص مشروع القرار على إنشاء قوة دولية تعمل بالتعاون مع إسرائيل ومصر ولمدة أولية تبلغ عامين، وتشمل مهامها تأمين حدود قطاع غزة، وتوفير الحماية للمدنيين، وتسهيل دخول المساعدات، ودعم تشكيل جهاز شرطة فلسطيني جديد، والإشراف على تفكيك الأسلحة التي بحوزة الجماعات المسلحة.

ووفقاً للنص، تنسحب القوات الإسرائيلية كلياً من القطاع بمجرد أن تفرض القوة الدولية سيطرتها العملياتية، كما يقترح المشروع إنشاء مجلس السلام بوصفه هيئة انتقالية لتنسيق التخطيط الأمني والإنساني، على أن يقود المسار نحو سلطة فلسطينية مُصلحة، ويعد القرار إطاراً قانونياً يسمح بإطلاق بعثة أمنية متعددة الجنسيات من دون وجود قوات حفظ سلام تابعة للأمم المتحدة.

خلافات داخل المجلس

شهدت المشاورات نقاشات واسعة حول شكل الحوكمة الانتقالية، وتوزيع المسؤوليات الأمنية، ودور السلطة الفلسطينية، والضمانات المتعلقة بالمساءلة، وبرزت مخاوف لدى بعض الأعضاء من أن تؤدي البنية المقترحة إلى تعزيز النفوذ الخارجي على حساب الدور الوطني الفلسطيني.

وطرحت روسيا مشروع قرار منافس يدعو الأمين العام إلى دراسة خيارات أخرى لإنشاء قوة استقرار من دون اعتماد نموذج مجلس السلام، إلا أنه لم يُطرح للتصويت حتى الآن.

يأتي القرار في سياق تحركات دولية عاجلة لاحتواء آثار صراع أدى إلى دمار واسع في غزة وأزمة إنسانية غير مسبوقة، وتسعى القوى الدولية إلى تثبيت وقف إطلاق النار وتجنب انهياره في ظل تحذيرات من احتمال عودة القتال في حال فشل مجلس الأمن في توفير إطار فعال للإشراف على المرحلة الانتقالية.

وتشكل خطة ترامب الأخيرة امتداداً لمحاولات أمريكية متكررة لإعادة صياغة مسار الحل السياسي، في وقت تواجه فيه المنطقة توتراً إقليمياً متصاعداً وحاجة ملحة إلى ترتيبات تضمن الأمن والإغاثة وإعادة الإعمار، وسط انقسام دولي حول طبيعة الدور الفلسطيني وآفاق إقامة دولة مستقلة في المستقبل.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية