أزمة أنيميا غير مسبوقة.. حصار ينهش أجساد الصغار في غزة وسط تصاعد نسب فقر الدم
أزمة أنيميا غير مسبوقة.. حصار ينهش أجساد الصغار في غزة وسط تصاعد نسب فقر الدم
تصاعدت التحذيرات الطبية في قطاع غزة عقب إعلان مدير عام وزارة الصحة في القطاع منير البرش الأربعاء عن تفشٍّ غير مسبوق لمرض الأنيميا بين الأطفال، في وقت تتواصل فيه أزمة الحصار ومنع دخول الإمدادات الأساسية، وأوضح البرش أن المرض بلغ مستويات خطيرة للغاية، مشيراً إلى وصول نسب الإصابة لدى الأطفال دون سن العام الواحد إلى نحو 82 في المئة، وهي أعلى نسبة ترصد في القطاع منذ سنوات طويلة، وتعد هذه الأرقام مؤشراً على أزمة صحية تتجاوز حدود المرض نحو تهديد مباشر لاستمرارية النمو الجسدي والمعرفي لشريحة واسعة من أطفال غزة.
ندرة الغذاء ومنع الإمدادات
أوضح البرش أن استمرار القيود على دخول الأدوية والمكملات الغذائية الخاصة ببرامج الطفولة أدى إلى تضاعف الحالات، خصوصاً بين الرضع الذين يعانون من نقص حاد في الحليب وغياب الغذاء المتوازن، وأضاف أن هذا الواقع تسبب في تدهور صحة الأطفال بوتيرة أسرع مما كانت ترصده المنظمات الصحية في الأعوام السابقة، وفق وكالة شهاب الإخبارية.
ويرى مختصون أن الأنيميا في هذه الظروف لا تعد مرضاً قائماً بذاته بقدر ما تمثل نتيجة مباشرة لحالة الجوع الخفي التي يعيشها آلاف الأطفال في ظل انعدام المواد الغذائية الأساسية.
اتهامات بسياسات ممنهجة
أكد البرش أن الأزمة الصحية التي يشهدها قطاع غزة لا يمكن فصلها عن الظروف السياسية التي تحاصره منذ سنوات، مضيفاً أن الوضع يعكس سياسة ممنهجة تستهدف البنية السكانية عبر حرمان الأطفال من الحق في العلاج والرعاية الصحية، وذهب إلى وصف ما يحدث بأنه هندسة للإبادة الصحية، مشيراً إلى أن استمرار حرمان الأطفال من الغذاء والعلاج يهدد بنشوء جيل يعاني من مشكلات صحية مستدامة وتشوّهات فسيولوجية قد تمتد آثارها لسنوات طويلة.
تدهور المنظومة الطبية
تعاني المستشفيات والمراكز الصحية في غزة نقصاً حاداً في الفيتامينات والمكملات الغذائية والحقن الدوائية اللازمة لعلاج حالات الأنيميا، في ظل تراجع المخزون الدوائي إلى نسب غير مسبوقة، وتؤدي هذه الأزمة إلى عجز الفرق الطبية عن تقديم الرعاية المطلوبة، في حين تتزايد الحالات التي تحتاج إلى متابعة مكثفة في ظل غياب أبسط الأدوات التشخيصية والعلاجية، وأوضح البرش أن القطاع الصحي يقف اليوم على مشارف انهيار كامل في قدرته على التعامل مع مرض يمكن علاجه بسهولة في الظروف العادية، لكنه يتحول في غزة إلى تهديد وجودي بسبب شح الدواء وندرة الغذاء.
البعد الإنساني للأزمة
خلف هذه الأرقام تقف قصص يومية لأطفال يعانون من ضعف عام في القدرة على الحركة، وتأخر في النمو، وإرهاق دائم بسبب انخفاض مستوى الهيموغلوبين في الدم، وتؤكد العائلات أن الحصول على الحليب أو المكملات الأساسية بات مهمة شبه مستحيلة، في ظل ارتفاع الأسعار ونفاد الكميات المتوفرة في السوق المحلية، ويرتبط تفاقم المرض بعوامل نفسية واجتماعية، إذ يؤدي العجز عن إطعام الأطفال بشكل سليم إلى حالة من اليأس والإحباط لدى الأسر التي وجدت نفسها دون بدائل حقيقية.
دعوات للتدخل الدولي
دعا البرش المؤسسات الدولية إلى التدخل العاجل من أجل إدخال الأدوية وحماية الأطفال من خطر يهدد حياتهم على المدى القريب والبعيد، وجددت جهات دولية في الأسابيع الماضية مناشداتها بضرورة السماح بدخول الإمدادات الطبية العاجلة، محذرة من أن منعها قد يقود إلى موجة واسعة من الأمراض المرتبطة بسوء التغذية، وعلى رأسها الأنيميا التي تعد من أكثر الأمراض ارتباطاً بالنقص الحاد في الحديد والفيتامينات.
تداعيات مستقبلية خطيرة
يحذر خبراء الصحة من أن استمرار ارتفاع نسب الأنيميا بين الأطفال دون سن العام سيؤدي إلى آثار طويلة المدى، تشمل ضعف القدرات الإدراكية، وتأخر التحصيل التعليمي، وتراجع القدرة المناعية لدى الأجيال المقبلة، وتشير دراسات عالمية إلى أن الأنيميا خلال السنوات الأولى من العمر قد تترك آثاراً لا يمكن علاجها بشكل كامل، حتى مع توفير الرعاية لاحقاً، ما يجعل الأزمة الراهنة أكثر خطورة مما يتدو في ظاهرها.
انعكاسات مجتمعية واقتصادية
لا تقتصر آثار الأنيميا على الصحة الفردية للطفل فحسب، بل تمتد إلى البنية المجتمعية والاقتصادية لقطاع غزة، فجيل يعاني من ضعف صحي شامل سيكون أقل قدرة على الإسهام في سوق العمل مستقبلاً، وأقل إنتاجية، ما يزيد من هشاشة المجتمع في ظل التحديات التي تحاصره، ويرى مختصون أن معالجة الأزمة لا يمكن أن تتم عبر مسكنات مؤقتة، بل عبر خطة متكاملة تضمن وصول الغذاء والعلاج بصورة منتظمة وطويلة الأجل.
تعد الأنيميا واحدة من أكثر المشكلات الصحية انتشاراً بين الأطفال في مناطق النزاعات والحصار، إذ تربط منظمة الصحة العالمية انتشارها بغياب الأمن الغذائي ونقص العناصر الأساسية، مثل الحديد وفيتامين ب اثني عشر وحمض الفوليك، وفي غزة، تكررت التحذيرات خلال الأعوام الماضية من ارتفاع نسب سوء التغذية بين الأطفال، خصوصاً في فترات تشديد الحصار التي تسببت في نفاد الحليب الصناعي وانخفاض المواد الغذائية الأساسية.
وتشير بيانات منظمات دولية إلى أن القطاع يسجل مستويات مقلقة من سوء التغذية الحاد، في ظل تراجع قدرات النظام الصحي وانعدام بدائل تضمن الرعاية الضرورية للأطفال. وتظهر تقارير إغاثية أن الأطفال في الأشهر الأولى من حياتهم هم الأكثر تأثراً، إذ يعتمدون بشكل كبير على الغذاء الصحي المتكامل ولا يمكن تعويض النقص في عناصره الأساسية من مصادر بديلة، وفي السياق نفسه، تشكل الأنيميا أحد المؤشرات الرئيسية لانهيار الأمن الغذائي، إذ يرتبط تفشيها عادة بالأزمات الممتدة والحصار طويل الأمد، ولذلك، يرى خبراء الصحة أن الوضع الحالي في غزة لا يمثل أزمة طارئة فحسب، بل يعكس بنية صحية واجتماعية في حالة تآكل مستمر، ما يجعل التدخل الدولي ضرورة عاجلة لمنع انهيار يستحيل تداركه لاحقاً.











