بين الاعتقال والقهر.. الأسرى الأطفال في السجون الإسرائيلية يتعرضون لانتهاكات جسدية ونفسية مستمرة
بين الاعتقال والقهر.. الأسرى الأطفال في السجون الإسرائيلية يتعرضون لانتهاكات جسدية ونفسية مستمرة
أكدت مؤسسات الأسرى الفلسطينية، ومنها هيئة شؤون الأسرى والمحررين ونادي الأسير الفلسطيني ومؤسسة الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان، أن الأطفال الفلسطينيين يواجهون منذ عقود واحدة من أكثر سياسات القمع والإيذاء المنهجية على مستوى العالم.
وفي بيان صادر اليوم الخميس بمناسبة اليوم العالمي للطفل الذي يتم الاحتفاء به في 20 من نوفمبر من كل عام وثقت هذه المؤسسات سلسلة من الانتهاكات الممارسة بحق الأطفال الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية التي تتراوح بين القتل والإصابة، والحرمان من التعليم، والاعتقال التعسفي، والاقتحامات الليلية، وصولاً إلى التدمير النفسي والجسدي المتكرر.
تقول المؤسسات إن عشرات آلاف الأطفال الفلسطينيين تعرضوا للاعتقال منذ بداية الاحتلال الإسرائيلي، مع تسجيل حالات مأساوية تبرز بشكل خاص في قطاع غزة، حيث يعكس سجل الأطفال المعتقلين حجم الانتهاكات اليومية ومستوى العنف الممنهج.
شهادات مأساوية من المعتقلين
روى الطفل م. ك، البالغ من العمر سبعة عشر عامًا، تفاصيل اعتقاله من خط البحر إلى نتساريم في ساعات الفجر الأولى، قائلاً إن الجنود أوقفوه وأجبروه على خلع ملابسه والوقوف لمدة ثلاث ساعات قبل تقييد يديه ووضع غمّامة على عينيه، انتقل بعد ذلك إلى معسكر سديه تيمان ثم إلى سجن عوفر، حيث مكث ستة أشهر مقيد اليدين والقدمين داخل غرف ضيقة، محرومًا من حمام كافٍ وملابس مناسبة، ومتلقياً طعاماً محدوداً وغير صحي، ما يعكس سوء معاملة ممنهجة داخل مراكز الاعتقال.
وأضاف الطفل أن القمع كان شبه يومي في سجن مجدو، حيث يقتحم الجنود الغرف مستخدمين الكلاب والعصي وقنابل الصوت والغاز، ويعاقبون الأطفال بالضرب المتواصل والحرمان من العلاج الطبي، بينما كان يتم الاكتفاء بعلاجات سطحية غير مناسبة للحالات الحرجة، وذكر أنه حتى قبل الإفراج، تم إبقاؤه لساعات طويلة في حافلة مقيد اليدين والقدمين، وسط البرد والمطر ودون طعام.
من جهته، أكد الطفل ي. ح، 17 عاماً، أنه تعرض للضرب المبرح عند اعتقاله من منزله في يوليو 2024، ولا تزال آثار الكدمات واضحة حتى تاريخ الزيارة، وأوضح أن الأطفال يُمنعون من العلاج الطبي المناسب، وأن بعضهم اضطر إلى معالجة إصابات أو مشاكل صحية بنفسه وبمساعدة زملائه، ويعاني كثير من الأسرى الأطفال من أمراض الجلد مثل مرض السكابيوس دون الحصول على العلاج.
أما الطفل ص. ر، البالغ 15 عامًا، فقد روى كيفية استخدامه درعاً بشري أثناء عمليات الاقتحام في حي السلطان برفح، حيث أجبر على دخول البيوت قبل القوات الإسرائيلية، وتعرض للضرب اليومي، وتم تقييده وتعصيب عينيه لفترات طويلة، وحُرم من التواصل مع أحد طوال الأيام الأخيرة قبل الإفراج عنه قسريًا، وقد أُجبر الطفل على أداء مهام خطرة داخل مناطق قتال لمدة 48 يومًا، ومنها التواجد تحت هجمات الدبابات دون حماية، ما يعكس خطورة الممارسات التي يتعرض لها الأطفال الفلسطينيون في مراكز الاحتجاز.
آثار الاعتقال في التعليم والنمو النفسي
تشير المؤسسات الحقوقية الفلسطينية إلى أن الاعتقال المنهجي للأطفال لا يقتصر على التقييد الجسدي فقط، بل يمتد لتدمير مسارهم التعليمي والنفسي والاجتماعي، فالعديد من الأطفال يُحرمون من التعليم أثناء الاحتجاز، ويتعرضون لعزل نفسي طويل الأمد، ما يؤدي إلى آثار سلبية مستمرة في الصحة النفسية والنمو الشخصي، ومنها القلق والاكتئاب واضطرابات النوم وفقدان الثقة بالنفس.
وتلفت المؤسسات الانتباه إلى أن هذه السياسات الممنهجة تهدف إلى بث الخوف، وكسر الروح المعنوية للأطفال الفلسطينيين، وخلق بيئة من العنف النفسي والجسدي المزمن تؤثر في المجتمع الفلسطيني بأكمله.
الاستجابة الحقوقية والدولية
تواجه انتهاكات حقوق الأطفال الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية إدانات منظمات حقوق الإنسان المحلية والدولية، فقد وثقت منظمات مثل هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية حالات الاعتقال التعسفي للأطفال والتعرض للتعذيب وسوء المعاملة، ودعت إلى الإفراج الفوري عن جميع الأطفال المعتقلين، وتوفير الحماية القانونية لهم، ومساءلة المسؤولين الإسرائيليين عن الانتهاكات، كما شددت الأمم المتحدة على ضرورة الامتثال للمعاهدات الدولية التي تحظر تجريم الأطفال وحرمانهم من التعليم أو الصحة أو الحرية.
وعلى الصعيد القانوني الدولي، تُعد اعتقالات الأطفال واستخدامهم دروعاً بشرية انتهاكًا صارخًا لاتفاقية حقوق الطفل التي تحظر إجبار الأطفال على المشاركة في النزاعات المسلحة، وتفرض على الدول حماية الأطفال من جميع أشكال العنف والاستغلال.
منذ بداية الاحتلال الإسرائيلي، اعتُقل عشرات آلاف الأطفال الفلسطينيين، معظمهم من الذكور، في سجون مختلفة مثل سجن عوفر، مجدو، وبيتح تكفا، ويؤكد تقرير مشترك صادر عن مؤسسات الأسرى أن السياسات الممنهجة للاعتقال تشمل التقييد، التعذيب، منع العلاج الطبي، العزل النفسي، والحرمان من التعليم، في انتهاك واضح للقوانين الدولية وحقوق الإنسان الأساسية.
وتشير التقديرات إلى أن أكثر من 7000 طفل فلسطيني اعتقلوا بين عامي 2000 و2025، ويُحتجز عدد كبير منهم بشكل مستمر في ظروف غير إنسانية، مع تسجيل حالات وفاة واعتداء جسدي شديد، كما أن استخدام الأطفال دروعاً بشرية خلال العمليات العسكرية يعرض حياتهم للخطر المباشر، وهو انتهاك صارخ للقانون الدولي الإنساني.
وتدعو المنظمات الحقوقية الدولية والدولية إلى فرض رقابة دولية صارمة على ظروف الاحتجاز للأطفال الفلسطينيين، وضمان الإفراج الفوري عن جميع الأطفال المعتقلين، وتوفير دعم نفسي وتعليمي لهم لتعويض سنوات الحرمان والمعاناة.










