"الفقر أيضاً زنزانة".. توقيف عشرات النساء المهاجرات في تونس بتهمة التسول

"الفقر أيضاً زنزانة".. توقيف عشرات النساء المهاجرات في تونس بتهمة التسول
مهاجرة إفريقية تنتظر خارج مبنى المنظمة الدولية للهجرة في تونس

يعيش فيكتور الشاب السيراليوني البالغ من العمر 26 عامًا منذ يوم الخميس الماضي، حالة قلق لا تهدأ، فقد عاد من عمله ليجد الشقة الصغيرة التي يستأجرها في تونس فارغة، بلا زوجته سارة، ولا طفلته التي لم تكمل عامها الأول. 

اعتاد فيكتور أن يصل متأخرًا عن زوجته، لذلك أدرك منذ اللحظة الأولى أن غيابها ليس طبيعيًا، بحث بين الجيران وفي الحي، وسأل كل من قد يعرف شيئًا، لكن الإجابة كانت واحدة: لا أحد يعرف، بحسب ما ذكر موقع “مهاجر نيوز”، اليوم الثلاثاء.

استقبل فيكتور في اليوم التالي اتصالًا غيّر كل شيء، فقد أخبره صديق بأن زوجته تحاول التواصل معه، لكنها لم تستطع بسبب ضياع هاتفه وتغيّر رقمه، وعبر مكالمة قصيرة، كشفت سارة الحقيقة.. تم توقيفها مع طفلتها أثناء تسولها في وسط العاصمة، ونقلها إلى مركز احتجاز “الوردية”.

يوضح فيكتور أن وضعهما المعيشي كان قد دفعهما لهذا الخيار الصعب.. "نعيش في تونس منذ أربعة أشهر فقط.. غادرنا مخيمات صفاقس لأن الشرطة كانت تحرق ممتلكاتنا كل بضعة أيام.. كان علينا إيجاد طريقة للبقاء على قيد الحياة". 

ويعمل فيكتور أحيانًا في البناء، لكن دخله المتقطع لا يكفي لسداد الاحتياجات الأساسية لطفلتهما، ما جعل زوجته سارة تتسول لاستكمال الدخل.

تصعيد مفاجئ

تتحرك الوقائع بشكل متسارع، فقد كانت سارة في ساحة برشلونة وسط العاصمة، حين اقترب منها رجال بلباس مدني لم يكشفوا هويتهم، “قالوا إنهم يريدون طرح بعض الأسئلة فقط.. أحدهم كان يصور، فظنت أنهم صحفيون”، يروي فيكتور.

لكن ما حدث لاحقًا لم يكن استجوابًا عابرًا، فقد نُقلت الأم وطفلتها مباشرةً إلى مركز احتجاز الوردية، حيث وجدت نفسها ضمن 16 امرأة و23 طفلًا، بعضهم بلا آباء ولا أمهات.

وتؤكد منظمات تونسية أن هذا الاحتجاز يمثل سابقة، إذ لم يحدث من قبل أن احتُجزت نساء وأطفال لهذا السبب، رغم أن التسول جريمة قانونية قديمة تعود للحقبة الاستعمارية، لكن الجميع كان يعرف أن النساء يطلق سراحهن سريعًا، خصوصًا حين يكنّ برفقة أطفالهن.

فقر مفروض

يدفع المهاجرون نحو التسول ليس اختيارًا، بل اضطرارًا، فمنذ صيف 2023 فرضت السلطات التونسية قيودًا تمنع المهاجرين من العمل أو تلقي تحويلات مالية، في محاولة لحرمانهم من تمويل رحلات البحر، لكن الإجراءات أدت في الواقع -كما يؤكد نشطاء تونسيون- إلى دفع آلاف الأفارقة من جنوب الصحراء نحو الفقر المدقع والبحث عن أي طريقة للعيش ولو كانت مهينة.

تكشف سارة، من داخل مركز الوردية، لزوجها عبر الهاتف، جزءًا من تجربتها القاسية: لا طعام كافٍ، ولا ملابس، ولا أسِرّة كافية، ويظهر فيديو نُشر في 16 نوفمبر لنساء وأطفال محتجزين في غرفة ضيقة، تحتوي على ثلاثة أو أربعة أسِرّة فقط.

ويروي مدافعون عن حقوق المهاجرين، بينهم ديفيد يامبيو، أن الشرطة أبلغت المحتجزات بأنهن سيُنقلن إلى الصحراء لأنهن لم يقدمن المعلومات اللازمة لإعادتهم إلى بلدانهن. 

يؤكد فيكتور: “أخبرتهم زوجتي أن التونسيين حاولوا وضعهم في حافلة لترحيلهم إلى المناطق الصحراوية، على الحدود الليبية أو الجزائرية.. النساء بكين وصرخن، فأُعدن إلى المركز”.

ويأتي ذلك رغم أن مركز الوردية ليس مكان احتجاز قانونيًا، بل مسجل بوصفه مركز استقبال وتوجيه، لكنه يُستخدم فعليًا لإيقاف المهاجرين تعسفيًا، دون مراعاة القوانين المحلية أو الاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها تونس.

سابقة مقلقة

سبق أن وثقت منظمات دولية، منها المنظمة العالمية لمناهضة التعذيب، عشرات الانتهاكات داخل المركز، ووصفت المكان بأنه “خارج القانون”. 

وفي عام 2024، احتُجز طالب إفريقي معروف بنشاطه الحقوقي لمدة عشرة أيام فقط لأنه خرج لاستلام تصريح إقامته.

اليوم، تجد سارة وطفلتها نفسيهما في قلب هذه الدوامة، لا يعرف فيكتور ما إذا كان سيراهما مرة أخرى، ولا ما إذا كانت السلطات ستعيدهما إلى المنزل أم إلى الحدود الصحراوية.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية