وسط قلق حقوقي.. زواج القاصرات يثير الجدل حول مدونة الأسرة في المغرب
وسط قلق حقوقي.. زواج القاصرات يثير الجدل حول مدونة الأسرة في المغرب
عاد النقاش الوطني في المغرب، ليضع قضايا الأسرة الحساسة تحت الضوء من جديد، وفي مقدمتها تزويج القاصرات وتعدد الزوجات، وذلك في ظل المناقشات المتواصلة بشأن إصلاح مدونة الأسرة التي مرّ على اعتمادها عقدان كاملان.
وتحوّل هذا النقاش إلى ساحة جدل مجتمعي واسع، بعدما بدأت أصوات حقوقية ونسوية تؤكد أن عدداً من المقتضيات القانونية ما تزال تفتح الباب أمام ممارسات لا تنسجم مع روح حماية الطفولة وصون كرامة النساء، بحسب ما ذكرت وكالة أنباء المرأة، اليوم الأربعاء.
وأوضحت الفاعلة النسوية رئيسة جمعية "كيف ماما كيف بابا"، الناشطة غزلان المأموني، أن الاستثناءات القانونية في سن الزواج أصبحت مدخلاً لاستمرار تزويج القاصرات، ومحذّرة من مقترحات جديدة قد تُحدث -بحسب تعبيرها- "انتكاسة" في مسار حماية حقوق النساء.
استثناءات واسعة في المدونة
أوضحت المأموني أن الإشكال الأساسي في تزويج القاصرات يرتبط بوجود استثناءات واسعة في المدونة، رغم تحديد سن الزواج بـ18 عاماً، مشيرة إلى أن الاستثناءات التي تمنح القاضي صلاحية تزويج فتاة دون تحديد حدٍّ أدنى للسن، تجعل تزويج طفلات في عمر 12 و13 سنة أمراً ممكناً قانونياً؛ لأن النص لا يحدّد سناً دنيا يُمنع النزول تحتها.
ولفتت إلى أن هذا الوضع لا يبقى مجرد وضع نظري، بل ينعكس مباشرة على آلاف الحالات التي تعبر المحاكم سنوياً، حيث يتم تزويج فتيات صغيرات دون إجراء بحث اجتماعي أو تقييم نفسي أو اقتصادي، في ظل غياب مراقبة فعلية وجدية لآليات الاستثناء.
واعتبرت الناشطة المأموني أن الإصرار على الإبقاء على الاستثناء -حتى بعد تقنينه عبر رفعه إلى سن 17 سنة كما جاء في مقترحات 2023 الحكومية- يعكس "فهماً مغلوطاً لحماية الطفلات".
وأوضحت أن تحديد سن الرشد القانوني بـ18 عاماً ليس مجرد مسألة رمزية، بل هو اعتراف بأن المواطن قبل هذا العمر لا يمتلك أهلية تحمل الالتزامات المدنية أو التصويت أو إدارة شؤونه المالية.
وتساءلت: "كيف تعدّ الدولة الفرد غير مؤهل للتصويت قبل 18 سنة، في حين تعده مؤهلاً للزواج وتحمل مسؤولية أسرة قبل هذا العمر؟" مؤكدة أن هذا تناقض يمسّ جوهر حماية الطفولة.
وطالبت المأموني بإلغاء الاستثناء نهائياً، معتبرة أن ضبطه أو تقليصه لا يحل الإشكال، بل يُبقي الباب مفتوحاً لاستمرار الظاهرة.
أزمة تعدد الزوجات
أشارت المأموني إلى أن تعدد الزوجات يمثل إشكالاً مزدوجاً قانونياً وواقعياً، ورأت أن اشتراط موافقة الزوجة الأولى يبدو في النص ضمانةً مهمة، لكنه يتحوّل في الممارسة إلى مجرد شرط صوري يمكن تجاوزه بسهولة، بسبب الضغوط الاجتماعية والاقتصادية الممارسة على النساء، أو عبر قرارات قضائية تُمنح للرجل دون مراعاة إرادة الزوجة الحقيقية.
وبيّنت أن المرأة تجد نفسها أمام خيارين قاسيين: القبول بالتعدد، أو مواجهة الطلاق وما يصاحبه من تبعات مالية واجتماعية قاسية، ما يجعل "الموافقة" غير معبّرة عن إرادة حرة.
وانتقدت الناشطة النسوية المقترحات الجديدة التي وضعتها لجنة مراجعة القوانين سنة 2024، معتبرة أنها تفتح الباب لتراجع خطير، خصوصاً ما يتعلق بمنح المرأة موافقتها على التعدد أثناء توقيع عقد الزواج الأول.
ورأت أن المرأة المقبلة على الزواج لا تكون في وضع نفسي أو اجتماعي يسمح لها بتقدير تبعات هذا القرار، ما يجعل التوقيع شكلياً وغير مرتبط بحرية الاختيار.
وأضافت أن المقترحات لم تتطرق إلى إشكالات الضغط أو عدم تكافؤ القوة داخل العلاقة الزوجية، وهو ما يفقد الموافقة معناها الحقيقي.
الصحة والمعطيات الشخصية
وصفت المأموني الشروط المرتبطة بالحالة الصحية للزوجة بأنها “الجزء الأخطر في المقترحات”؛ لأنها تفتح الباب أمام استعمال المرض أو عدم القدرة على الإنجاب ذريعة للتعدد، محذرة من أن تمكين الرجل من تقديم ملف طبي لزوجته أمام القضاء يُعدّ انتهاكاً لسرية المعطيات الصحية، ويمسّ بالكرامة الجسدية للمرأة.
ونبّهت إلى أن ربط التعدد بـ"الواجب الزوجي" يعيد النقاش إلى الوراء؛ لأن العلاقة الجنسية يجب أن تكون رضائية، لا واجباً قانونياً يفرض على المرأة ويُستخدم للحكم على أهليتها بوصفها زوجة.
وربطت هذا المنطق بمحاولات تكريس فكرة أن المرأة تُستبدل إذا مرضت أو فقدت القدرة الإنجابية، وهو أمر يتعارض مع روح الزواج ومع القيم الإنسانية.
وختمت بأن هذا النوع من التعدد لا يحل المشكلات بل يعمّقها؛ لأنه يبني أسرة جديدة فوق انهيار أسرة أولى، ويحوّل العلاقة الإنسانية إلى معادلة قاسية تجعل المرأة "قابلة للاستبدال".











