طعن قانوني يعيد الجدل حول حظر "فلسطين أكشن "وتصنيفها منظمة إرهابية

طعن قانوني يعيد الجدل حول حظر "فلسطين أكشن "وتصنيفها منظمة إرهابية
مؤيدون لحركة فلسطين أكشن

جلسة قضائية قد تبدو اعتيادية في ظاهرها، لكنها تحمل في عمقها نقاشاً قانونياً وسياسياً وأخلاقياً تتجاوز حدوده جدران المحكمة البريطانية التي تنظر اليوم الأربعاء الطعن المقدم ضد قرار الحكومة بحظر حركة "فلسطين أكشن" وتصنيفها منظمة إرهابية، وقد أثار القرار الذي اتخذته وزارة الداخلية في يوليو الماضي واحدة من أعنف موجات الجدل في الأوساط الحقوقية والسياسية، خصوصاً أنه يضع الحركة في الفئة ذاتها مع أخطر التنظيمات المصنفة عالمياً ويجعل الانضمام إليها جريمة قد تصل عقوبتها إلى السجن أربعة عشر عاماً.

تصعيد غير مسبوق

يذهب فريق الدفاع الممثل لإحدى المؤسسات المرتبطة بالحركة إلى أن القرار الحكومي لا يستند إلى معايير موضوعية، بل يمثل استخداماً تعسفياً لقوانين مكافحة الإرهاب، ويرى أن السلطات تستهدف حق الاحتجاج المشروع تحت ذريعة الأمن القومي، ويؤكد محامو الدفاع أن نشاط الحركة، وإن كان مثيراً للجدل ويحمل طابعاً مباشراً في المواجهة، لا يرتقي إلى السلوك الإرهابي ولا يحمل نية إيذاء المدنيين أو تهديد حياة الأفراد وفق وكالة رويترز.

تميزت حركة فلسطين أكشن منذ تأسيسها عام 2020 بطبيعة احتجاجاتها المباشرة التي تستهدف شركات تقول إنها ضالعة في دعم صناعات عسكرية إسرائيلية، وتنوعت أساليب الحركة بين إغلاق مقار الشركات وتعطيل نشاطها وتحطيم نوافذ المباني ورشها بالطلاء الأحمر الذي بات أحد أبرز علامات التحرك. ومع تصاعد التوتر خلال الحرب الأخيرة على غزة، زادت الحركة من وتيرة أنشطتها واتسع نطاقها، وصولاً إلى عمليات اقتحام تعد الأكثر تطرفاً من وجهة نظر السلطات البريطانية.

في يونيو الماضي اقتحم عدد من أعضاء الحركة قاعدة بريز نورتون التابعة لسلاح الجو الملكي البريطاني، ووفق ما أعلنته السلطات الرسمية فإن النشطاء ألحقوا أضراراً بطائرتين عسكريتين داخل القاعدة، وهو ما أدى إلى رفع مستوى التعامل الأمني معهم، وهذه الحادثة كانت نقطة تحول مهمة في قراءة الحكومة لطبيعة الحركة وقدمت مبرراً إضافياً لوزارة الداخلية للمضي في قرار الحظر، مستندة إلى أن الأفعال تجاوزت حدود الاحتجاج السياسي وانزلقت نحو إضرار مباشر بأصول عسكرية.

الحد الفاصل بين الاحتجاج والإرهاب

لكن منتقدي القرار يرون أن ما جرى لا يمثل إرهاباً بالمعايير المتعارف عليها، بل يوصف وصف احتجاج مدني راديكالي، ويحذر هؤلاء من أن توسيع مفهوم الإرهاب ليشمل أفعالاً احتجاجية يفتح الباب أمام استهداف أي حركة سياسية أو حقوقية تعتمد أساليب صدامية في التعبير عن موقفها، ويشير معارضو قرار الحظر إلى أن تصنيف الحركة ضمن الجماعات الإرهابية قد يكون له تأثير عميق في مستقبل حرية التعبير والعمل الاحتجاجي داخل بريطانيا.

حقوقيون يحذرون من سابقة خطيرة

منظمات حقوقية بريطانية ودولية دخلت على خط المواجهة عبر بيانات وتحليلات تعد القرار تحولاً مقلقاً في سياسة الدولة تجاه الحملات المدنية، وتخشى المنظمات من أن يصبح الحظر سابقة لإخضاع الحركات الاحتجاجية في ملفات أخرى، ما ينعكس على البيئة الديمقراطية العامة وعلى الثقة في المؤسسات الرقابية والقضائية، وتؤكد أن الاحتجاج الذي يتضمن إلحاق أضرار بالممتلكات لا يدخل في نطاق الإرهاب ما لم يقترن بمحاولات لإيذاء الأشخاص أو نشر الرعب بين المدنيين.

الحكومة البريطانية ستدافع أمام المحكمة عن قرارها بوصفه ضرورياً لحماية الأمن العام ومنع تصاعد أعمال عنيفة قد تستهدف منشآت حساسة أو تتسبب بخسائر كبيرة، وستقدم وزارة الداخلية ملفات استخباراتية وتقارير أمنية تقول إنها توثق نمطاً من التصرفات التي خرجت عن إطار النشاط السياسي وأصبحت أقرب إلى التخريب المنظم، في المقابل سيحاول فريق الدفاع إثبات أن المعايير الحكومية لا ترقى إلى مستوى يبرر الحظر وأن الأدلة لا تشير إلى خطر يهدد الحياة أو السلامة العامة.

السياق السياسي لا يقل أهمية

تأتي هذه القضية في ظل مناخ سياسي بريطاني يتسم بحساسية عالية تجاه الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين، خاصة بعد سلسلة مسيرات ضخمة شهدتها العاصمة لندن منذ اندلاع الحرب في غزة وما أثارته من انقسام داخلي، وتواجه الحكومة ضغوطاً من أحزاب اليمين ومن مجموعات داعمة لإسرائيل تطالب بالتشدد تجاه أي نشاط ترى أنه يتقاطع مع دعم المقاومة الفلسطينية، في المقابل، يزداد القلق داخل الأوساط الليبرالية بشأن انزلاق البلاد نحو تضييق أكبر على الاحتجاجات السياسية.

لا يتوقع المراقبون أن تصدر المحكمة قراراً نهائياً اليوم، لكن الجلسة تمثل خطوة مهمة في مسار قانوني معقد قد يستغرق شهوراً وربما يصل إلى أعلى مستويات التقاضي، ومع كل جلسة سيعود النقاش إلى الشارع البريطاني حول تعريف الإرهاب وحدود الاحتجاج وواجبات الدولة في الحفاظ على الأمن دون المساس بالحقوق الأساسية.

نقاش مستمر خارج قاعة المحكمة

على مواقع التواصل الاجتماعي وداخل الأوساط الأكاديمية والسياسية يستمر الجدل محتدماً، فهناك من يرى أن السماح بعمليات اقتحام وتخريب تحت عنوان الاحتجاج يهدد سيادة القانون ويضعف هيبة الدولة، في المقابل يعتقد آخرون أن توظيف قوانين الإرهاب ضد حركة احتجاجية سابقة خطيرة ستؤدي إلى تآكل مبادئ الديمقراطية البريطانية التي تقوم على حماية حرية الرأي والتظاهر.

تأسست حركة فلسطين أكشن عام 2020 لتكون حركة احتجاجية تتبنى أسلوباً مباشراً في مواجهة الشركات المؤيدة لإسرائيل أو التي تصنع مكونات تستخدمها الصناعات العسكرية الإسرائيلية، وتركز الحركة خصوصاً على شركات الدفاع التي لها منشآت في بريطانيا، وقد نجحت في إغلاق أو تعطيل بعض مواقعها مؤقتاً خلال حملات ميدانية متكررة، ويعد مصنع شركة إلبيت الإسرائيلية في أولدهام من أبرز مواقع الاحتجاج التي استهدفتها الحركة، كما شاركت في حملات واسعة نظمت خلال فترات التصعيد في الأراضي الفلسطينية.

 يعتمد نشاط فلسطين أكشن على مجموعات صغيرة تتحرك بشكل سريع وتنفذ عمليات تعطيل لوجستي أو تحطيم رمزي للممتلكات بهدف لفت الانتباه إلى دعم الشركات للجيش الإسرائيلي. ومع مرور الوقت أصبحت الحركة محط جدل واسع بين مؤيدين يرون فيها شكلاً من أشكال المقاومة المدنية، ومعارضين يعدونها حركة تخريبية تتجاوز حدود الاحتجاج المشروع.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية