ميزانية بريطانيا 2025.. رفع الضرائب على الأغنياء لتأمين حقوق الأطفال والفئات الضعيفة

تمويل العدالة الاجتماعية

ميزانية بريطانيا 2025.. رفع الضرائب على الأغنياء لتأمين حقوق الأطفال والفئات الضعيفة
وزيرة المالية البريطانية، راشيل ريفز - أرشيف

دافعت وزيرة المالية البريطانية، راشيل ريفز عن ميزانية 2025 أمام البرلمان، مؤكدة أن الأغنياء هم الفئة المستهدفة الرئيسة لتمويل التزامات الحكومة الجديدة، وذلك بعد أن أعلن مكتبها عن حزمة ضريبية بقيمة 26 مليار جنيه إسترليني، تشمل فرض ضريبة جديدة على المنازل التي تزيد قيمتها عن مليوني جنيه إسترليني، وزيادة الضرائب على الدخل من أرباح الأسهم والمدخرات والعقارات.

ونقلت صحيفة "الغارديان" عن ريفز، أن هذه الإجراءات ضرورية لتغطية إلغاء سياسة إعانة الطفلين وخفض فواتير الطاقة، مؤكدة أن "الجميع يجب أن يساهم في إصلاح المالية العامة".

وأوضح مكتب مسؤولية الميزانية (OBR) أن الميزانية سترفع حصيلة الضرائب إلى أعلى مستوى لها على الإطلاق، بنسبة 38% من الناتج المحلي الإجمالي خلال خمس سنوات.

وأقرّت ريفز بأن تجميد عتبات الضرائب سيؤثر على أكثر من 1.7 مليون عامل، مضيفة أن هذا سيسهم في جمع 12.4 مليار جنيه إسترليني بحلول عام 2030- 2031.

حذّر محللون من أن تجميد العتبات سيؤدي إلى "السحب المالي" من الطبقة المتوسطة، بما في ذلك الممرضات والمعلمون وضباط الشرطة، حيث سيدفع نحو 780 ألف شخص إضافي المعدل الأساسي لضريبة الدخل، و920 ألف شخص المعدل الأعلى، وأربعة آلاف سيدفعون المعدل الإضافي

وأشاد نواب حزب العمال بقرار رفع الضرائب على الأغنياء، معتبرين أن الميزانية تحقق توازنًا بين العدالة الاجتماعية والاستقرار المالي، وقال أحد كبار الاستراتيجيين إن "الأثرياء يدفعون أكثر، ونحن نحمي الأكثر احتياجًا"، في المقابل، حذر مكتب مسؤولية الميزانية من أن الضغوط الضريبية ستؤثر سلبًا على مستويات المعيشة، حيث يتوقع أن يرتفع دخل الأسر المتاح للتصرف بنسبة 0.25% سنويًا، وهو معدل أضعف من التوقعات السابقة

دعم الفئات الضعيفة

ألغت وزيرة المالية راشيل ريفز الحد الأقصى لإعانة الطفلين، معلنة أنها ستنتشل 450 ألف طفل من براثن الفقر، وشرحت وسط تصفيق نواب حزب العمال قائلة "لا أنوي أن أرأس وضعًا يعاقب الأطفال على ظروف ولادتهم".

وتهدف الإجراءات أيضًا إلى تخفيف ضغط غلاء المعيشة، بما في ذلك إلغاء الدعم البيئي من فواتير الطاقة المنزلية وتجميد أسعار تذاكر القطارات، مع توقع خفض فواتير الطاقة بمقدار 150 جنيهًا إسترلينيًا سنويًا بدءًا من أبريل المقبل.

رفع مكتب ريفز توقعات الاحتياطي المالي الحكومي إلى 21.7 مليار جنيه إسترليني، مقارنة بأقل من 10 مليارات في البيان السابق، مما أعطى الحكومة هامشًا أوسع لمواجهة صدمات اقتصادية محتملة، ونتيجة لذلك، انخفضت عوائد السندات الحكومية لأجل 10 سنوات بمقدار 0.07 نقطة مئوية لتصل إلى 4.41%، وهو ما انعكس إيجابيًا على تكاليف الاقتراض.

وأعلنت ريفز أيضًا عن سياسات لتعزيز العدالة الاجتماعية، مثل فرض سقف على المساهمات في خطط المعاشات التقاعدية "التضحية بالراتب"، لتجنيب أصحاب العمل دفع التأمين الوطني فوق حد 2000 جنيه إسترليني ابتداءً من 2029، بما يُحقق إيرادات سنوية قدرها 4.7 مليار جنيه إسترليني.

تداعيات اقتصادية

أكدت ريفز أن الميزانية ستجلب "تكلفة على العاملين"، معتبرة أن تجميد عتبات الضرائب سيزيد عدد الأشخاص الذين سيدفعون المعدلات الأعلى أو الإضافية إلى نحو 24% من دافعي الضرائب خلال خمس سنوات، وأشار مكتب مسؤولية الميزانية إلى أن هذا الإجراء سيؤثر على الطبقة المتوسطة المضغوطة، بمن في ذلك المعلمون والممرضون وضباط الشرطة، في حين يحقق الحكومة 12.4 مليار جنيه إسترليني بحلول 2030-2031.

من جانبه، أوضح نائب كبير اقتصاديي الأسواق في كابيتال إيكونوميكس، جوناس غولترمان، أن أسواق السندات الحكومية استجابت بشكل إيجابي لتدابير ريفز، مضيفًا أن إعلان الميزانية جاء بأخبار أقل سوءًا مما كان متوقعًا، وأن الحكومة خرجت من عملية مالية شاقة بقوة أكبر.

وفي المقابل، أكدت هيلين ميلر، مديرة معهد الدراسات المالية، أن الإجراءات تعتمد بشكل كبير على زيادات الضرائب مع اقتراب نهاية الدورة البرلمانية، موضحة أن "إن الوعد بخفض الاقتراض شيء، وتنفيذه فعليًا شيء آخر".

مخاطر انتخابية

رفضت زعيمة حزب المحافظين كيمي بادينوخ ميزانية ريفز، واصفة إياها بأنها "لمصلحة الشارع"، واتهمت الحكومة بجعل العمال يدفعون ثمن نزاعات نواب حزب العمال المتعطشين للضرائب، وأكدت "الغارديان" أن نواب اليسار المعتدل في الحزب رأوا الميزانية نصراً للقيم اليسارية، معتبرين أنها "تُجسّد قيم حزب العمال" وتضع الحزب على مسار اليسار.

وأشار تقرير نشرته "أسوشيتد برس" إلى أن الميزانية جاءت في ظل تسريب محتوى البيان قبل نصف ساعة من إلقائه، مما أبرز الفوضى السياسية داخل الحكومة.

وذكرت الوكالة أن الحكومة البريطانية، المنتخبة بفوز ساحق في يوليو 2024 على وعد بعدم زيادة الضرائب على العمال، تواجه الآن تحديًا كبيرًا لتبرير الزيادات البالغة 26 مليار جنيه إسترليني.

وسلطت وسائل الإعلام الضوء على رهانات سياسية عالية لريفز ورئيس الوزراء كير ستارمر، وسط مخاوف من تراجع شعبيتهما وزيادة الضغط من النواب داخل الحزب، وهو ما يطرح تساؤلات حول قدرة الحكومة على الاستقرار السياسي في السنوات المقبلة.

ومن جانبها أشارت "فايننشيال تايمز" إلى أن ريفز أقرّت تدابير ضريبية متعددة لتعزيز الإيرادات، بما في ذلك ضريبة جديدة على السيارات الكهربائية بقيمة 1.4 مليار جنيه إسترليني، وضريبة المقامرة عبر الإنترنت بقيمة 1.1 مليار جنيه إسترليني، وضرائب إضافية على أرباح الأسهم تصل إلى 10.75% للمعدل الأساسي و35.75% للمعدل الأعلى ابتداءً من أبريل 2026.

وأعلنت ريفز أن الميزانية ستمول زيادة الإنفاق السنوي على الرعاية الاجتماعية بمقدار 16 مليار جنيه إسترليني سنويًا في الفترة 2029-2030، بما يشمل 3 مليارات لإلغاء الحد الأقصى لإعانة الطفلين.

إعادة توزيع العبء الضريبي

ووفقًا للتقارير، من المتوقع أن يكون التضخم في المملكة المتحدة أعلى من المتوقع سابقًا، حيث يبلغ متوسط التضخم 3.5% في عام 2025، على أن ينخفض إلى 2.5% في 2026، مع آمال ريفز في خفض أسعار الفائدة من قبل بنك إنجلترا في ديسمبر.
وأكدت الميزانية أن الحكومة البريطانية تسعى إلى إعادة توزيع العبء الضريبي بما يخدم العدالة الاجتماعية، مع التركيز على حماية الأطفال والفئات الضعيفة، وفرض ضرائب أعلى على الأغنياء والمقتدرين ماليًا.

ويمكن النظر إلى ميزانية 2025 باعتبارها محاولة لتعزيز الحق في الرعاية الاجتماعية وتقليل الفقر، مع الالتزام بالمحاسبة والشفافية المالية، رغم المخاطر المحتملة على الطبقة المتوسطة والعمال، وهو ما يفرض متابعة دقيقة لتأثيراتها على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية في المملكة المتحدة

 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية