1654 حالة.. تصاعد انتهاكات الزينبيات ضد النساء في مناطق الحوثيين
1654 حالة.. تصاعد انتهاكات الزينبيات ضد النساء في مناطق الحوثيين
على امتداد السنوات الأخيرة أخذت ملامح الخوف ترتسم أكثر على وجوه النساء في مناطق سيطرة الحوثيين، لم يعد العنف الذي يمارس ضدهن طارئا أو معزولا، بل تحول إلى منظومة متكاملة تحكمها أجهزة موازية تعمل خارج كل إطار قانوني.
وفي هذا السياق أصدرت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات تقريرا جديدا نشر الجمعة يكشف اتساع رقعة الانتهاكات التي ترتكبها مجموعات الزينبيات، وهي التشكيلات النسائية التابعة للحوثيين، بحق آلاف النساء في المدن والقرى الواقعة تحت سيطرتهن، ويعرض التقرير الذي يغطي الفترة من ديسمبر عام 2021 حتى مطلع فبراير عام 2025 صورة قاتمة لمشهد إنساني يزداد قسوة يوما بعد آخر.
موجة انتهاكات بلا توقف
وفق التقرير، وثقت الشبكة 1654 حالة انتهاك مباشر طالت نساء وفتيات من خلفيات اجتماعية مختلفة. تتراوح الانتهاكات بين الاعتقال والاحتجاز التعسفي والاعتداء الجسدي، وتشمل أيضا ملاحقة الناشطات والمدافعات عن الحقوق والاعتداء على تجمعات نسائية كانت تُعقد في المنازل أو في الفعاليات الاجتماعية، وتصف معدة التقرير أن هذه الوقائع لم تكن استثناءات بل ممارسات متكررة جرت ضمن سياق منظم يديره جهاز نسائي يتزايد نفوذه يوما بعد آخر.
خوف يملأ البيوت
تتحدث شهادات النسوة اللاتي تواصلت معهن منظمات حقوقية محلية عن مداهمات ليلية تنفذها ميليشيا الزينبيات داخل الأحياء السكنية، غالبا ما تأتي هذه الفرق مدعومة بمسلحين من الذكور، وتقوم باقتحام منازل بحثا عن هواتف أو منشورات أو محادثات تعبر عن رأي مخالف، ويصف التقرير حالات رعب عاشتها أسر كاملة حين جرى اقتياد بناتها من دون مذكرات قانونية ودون السماح لهن بالتواصل مع ذويهن لفترات طويلة، في بعض الحالات كانت العائلات تتلقى إشارات مبهمة عن مكان وجود بناتهن بينما تبقى الأبواب مقفلة أمام أي محاولة لمعرفة مصيرهن.
يؤكد التقرير أن عددا كبيرا من النساء المعتقلات تعرضن لانتهاكات نفسية وجسدية في أماكن احتجاز سرية، وتحولت هذه المواقع التي تخضع لإدارة مغلقة من قبل قيادات نسائية حوثية إلى مساحات معزولة لا تخضع لأي رقابة، وتحدثت بعض الناجيات عن أساليب إذلال وإهانة وتهديد تمارس بشكل يومي، بينما تذكر أخريات تعرضهن لعمليات ضرب وإجبار على الاعتراف باتهامات ملفقة، وتم تسجيل حالات وفاة وإصابات خطيرة في تلك المراكز التي يصعب الوصول إليها أو الكشف عما يجري داخلها.
تجنيد الفتيات
يرصد التقرير اتجاها آخر لا يقل خطورة يتمثل في تجنيد فتيات من المدارس والجامعات، وهذا التحول يعكس رغبة المليشيات في توسيع كتائب الزينبيات وإخضاع النساء لنمط جديد من التعبئة الفكرية. وتقول الشبكة إن نحو أربعة آلاف امرأة تم تجنيدهن خلال السنوات الأخيرة، بعد تلقيهن تدريبات داخل اليمن وخارجه، من بينها تدريبات في لبنان وإيران، وتشكل هذه الدورات جزءا من عملية إعداد ممنهجة تهدف إلى تحويل النساء المجندات إلى أدوات رقابية وتنفيذية داخل المجتمع.
لا تقتصر مهام الزينبيات على الاقتحامات والاعتقالات، بل تمتد إلى متابعة التجمعات النسائية ومراقبة الأنشطة الاجتماعية وتدوين تقارير عن أي حركة أو موقف يُعتبر مخالفا لسياسات المليشيات الحوثية، كما تقوم هذه المجموعات بدور كبير في التلقين الفكري والتحريض عبر المدارس والمساجد والفعاليات الثقافية، وتكثف الزينبيات حضورهن في وسائل التواصل الاجتماعي لنشر خطاب يدعم توجهات الجماعة ويهاجم أي صوت نسائي مستقل أو معارض. وبمرور الوقت أصبحت هذه الممارسات تشكل شبكة رقابة متشابكة يصعب على النساء الإفلات منها.
انهيار الثقة وغياب العدالة
يصف التقرير آثار هذه الانتهاكات بأنها عميقة وتمتد إلى ما هو أبعد من الضرر المباشر، فالتوسع في نشاط الزينبيات أدى إلى تفكك العلاقات الاجتماعية التقليدية التي كانت توفر مساحة دعم وحماية للنساء، وأصبحت صداقة المدرسة أو زميلة العمل أو جارة الحي سببا للخوف، إذ لا يمكن معرفة من تعمل لصالح هذا الجهاز النسائي الخفي، ونتيجة لذلك تراجعت مشاركة النساء في الأنشطة المدنية والحقوقية، وتقلص حضورهن في العمل السياسي والمجتمعي، وهو ما يعد انتكاسة مؤلمة لمكانتهن التي كانت تتطور تدريجيا خلال العقود الماضية.
ورغم صعوبة الأرقام فإن ما لا يقل عن الأرقام هو الألم النفسي الذي ظل يتراكم بصمت داخل البيوت. تتحدث عائلات كثيرة عن فتيات يعانين اضطرابات نفسية بعد الإفراج عنهن، وعن نساء فقدن القدرة على العمل أو التعليم خوفا من الاعتقال مرة أخرى، بعضهن اضطررن لمغادرة مناطقهن والانتقال إلى مدن أخرى بحثا عن بيئة أكثر أمانا، ويشير التقرير إلى أن هذه التأثيرات غير المرئية قد تترك آثارا طويلة الأمد على الصحة النفسية والاجتماعية للنساء اليمنيات بأكملهن.
في ظل انعدام مؤسسات العدالة المستقلة داخل مناطق سيطرة الحوثيين، لا تجد النساء الضحايا أي مسار واضح لتقديم الشكاوى أو طلب الإنصاف، ويرفض القضاة التعامل مع الحالات المرتبطة بالزينبيات، ويخشى كثير من المحامين الدفاع عن النساء المعنفات خوفا من الملاحقة، وكل ذلك يجعل الانتهاكات معفية من أي مساءلة ويمنح المنفذين شعورا بالحصانة المطلقة، وقد أدى ذلك إلى تحول الانتهاكات من حالات فردية إلى نمط متكرر ومتوقع يهدد ملايين النساء.
دعوة للتحرك الدولي
كشفت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات في ختام تقريرها عن ضرورة تحرك المجتمع الدولي بشكل عاجل، وطالبت بالضغط على المليشيات الحوثية لوقف هذه الانتهاكات والإفراج عن النساء المحتجزات وإدراج المتورطين في هذه الجرائم ضمن قوائم العقوبات الدولية، كما دعت إلى توفير دعم أكبر للمنظمات اليمنية العاملة في مجال حماية المرأة، وإطلاق برامج تأهيل نفسي واجتماعي للضحايا وتمكينهن من استعادة حياتهن الطبيعية.
يذكر أن كتائب الزينبيات ظهرت في المشهد اليمني للمرة الأولى عام 2014 بعد سيطرة الحوثيين على صنعاء، وجرى تقديمها كقوة أمنية نسائية مهمتها تنفيذ المهام التي لا تستطيع العناصر الذكورية القيام بها بحكم الخصوصية الاجتماعية، لكن مع مرور الوقت توسعت مهام هذه الكتائب وتحول دورها إلى ممارسة الضغط والسيطرة على النساء عبر الاقتحام والاعتقال والتفتيش والملاحقة، وتربط تقارير حقوقية بين نشاط الزينبيات وبين أجهزة نسائية أُنشئت في دول أخرى حليفة للحوثيين، مع تأكيد حصول بعض عناصرها على تدريبات خارجية، وعلى الرغم من النداءات المتكررة لإلغاء هذه التشكيلات أو إخضاعها للقانون فإن نفوذها ظل في تصاعد مستمر، ليصبح أحد أبرز التحديات التي تواجه النساء في اليمن خلال السنوات الأخيرة.











