وسط توتر إقليمي متصاعد.. الأمم المتحدة تطالب إسرائيل بالانسحاب من الجولان

وسط توتر إقليمي متصاعد.. الأمم المتحدة تطالب إسرائيل بالانسحاب من الجولان
قوات إسرائيلية في هضبة الجولان المحتلة

في خطوة تعكس تحولا واضحا في المزاج الدولي تجاه قضية الجولان السورية، اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارا جديدا يطالب إسرائيل بالانسحاب الكامل من الهضبة التي تحتلها منذ حرب عام 1967.

وجاء القرار الذي صوّتت عليه الدول الأعضاء مساء الثلاثاء بأغلبية كبيرة بلغت 123 صوتا لصالحه مقابل سبعة أصوات معارضة، فيما امتنعت 41 دولة عن التصويت.

ورغم أن قرارات الجمعية العامة لا تتمتع بطابع إلزامي قانونيا، إلا أنها غالبا ما تحمل دلالات سياسية واسعة وتعكس اتجاه الرأي العام الدولي ومساره المستقبلي، وفق وكالة “فرانس برس”.

تأكيد الموقف الدولي

يشير حجم التأييد للقرار إلى ثبات الموقف الدولي بشأن عدم الاعتراف بضم إسرائيل للجولان، وهو الضم الذي أعلنته إسرائيل عام 1981 ورفضته الأمم المتحدة منذ اللحظة الأولى، ويعيد هذا التصويت التأكيد على أن المجتمع الدولي ما زال يرى الجولان أرضا سورية محتلة، وأن أي تغيير في وضعها القانوني لا يُمكن أن يتم إلا وفق القانون الدولي وقرارات مجلس الأمن، وفي مقدمتها القرار 497 الذي اعتبر الضم باطلا ولاغيا.

تضمن القرار الأممي إعادة التأكيد على أن القوانين والإجراءات التي فرضتها إسرائيل على الجولان السوري المحتل قبل أكثر من أربعة عقود تعد غير شرعية من منظور القانون الدولي وطالبها بإلغائها دون تأخير، كما دعا القرار إلى استئناف المفاوضات العالقة على المسارين السوري واللبناني واحترام التعهدات السابقة التي جمعت الأطراف في مراحل مختلفة من العملية السياسية.

وذهب القرار إلى ما هو أبعد من ذلك حين طالب إسرائيل بالانسحاب إلى حدود الرابع من يونيو 1967 في خطوة تعتبر، رغم رمزيتها، بمثابة إحياء للمطلب الدولي التقليدي الذي ظل يتكرر في قرارات الأمم المتحدة منذ عقود.

موقف إسرائيل وانتقاداتها

رد الفعل الإسرائيلي على القرار جاء حادا، إذ اعتبر داني دانون المندوب الإسرائيلي لدى الأمم المتحدة أن الجمعية العامة تكرر ما وصفه بالانفصال عن الواقع، وقال إن القرار يتجاهل ما تسميه إسرائيل التهديدات القادمة من سوريا والنشاط المتزايد لجماعات مسلحة في المنطقة، مؤكدا أن إسرائيل ترى في سيطرتها على الجولان خط دفاع أساسيا لا يمكن التخلي عنه، كما شدد على أن إسرائيل لن تعود إلى خطوط عام 1967، في موقف يعكس نهجا سياسيا ثابتا لم يتغير على الرغم من الضغوط الدولية المتزايدة.

تعود أهمية الجولان إلى موقعه الجغرافي الحساس، فهو هضبة صخرية تمتد بطول يقارب ستين كيلومترا وعرض خمسة وعشرين كيلومترا، مطلة على الجليل شمالا ودمشق شرقا، ومنذ احتلاله عام 1967، تحول إلى واحد من أكثر الملفات تعقيدا في الصراع العربي الإسرائيلي إذ يعد بالنسبة لسوريا أرضا محتلة لا تسقط بالتقادم، بينما تنظر إليه إسرائيل باعتباره منطقة استراتيجية توفر لها مراقبة عسكرية واسعة النطاق.

تباينات المواقف الدولية

ورغم التصويت الواسع داخل الجمعية العامة للأمم المتحدة لصالح القرار، فإن الامتناع عن التصويت من قبل عدد كبير من الدول يعكس ارتباكا واضحا في المواقف نتيجة تعقيدات المشهد الإقليمي والضغوط السياسية التي تتعرض لها بعض الحكومات، كما أن تصويت الولايات المتحدة ضد القرار يكشف استمرار الدعم الأمريكي للسياسات الإسرائيلية، خصوصا بعد إعلان واشنطن في عام 2019 اعترافها بسيادة إسرائيل على الجولان وهو الموقف الذي أثار حينها انتقادات دولية واسعة ولم ينل دعما من أي دولة أخرى.

على الرغم من أن القرار غير ملزم، فإن خبراء القانون الدولي يرون أنه يحمل قيمة سياسية مهمة، إذ يعيد التأكيد على أن المجتمع الدولي ما زال متمسكا بالمبادئ التي تنص عليها الاتفاقيات الدولية، وفي مقدمتها عدم جواز الاستيلاء على الأراضي بالقوة، كما يسهم القرار في إعادة تسليط الضوء على قضية ظلّت لسنوات على هامش الاهتمام الدولي بسبب الانشغال بملفات أكثر سخونة في الشرق الأوسط.

بين القانون والسياسة

يؤكد دبلوماسيون أن إعادة طرح قضية الجولان في الجمعية العامة تزامنا مع حالة التوتر الإقليمي قد يكون رسالة سياسية أكثر من كونه خطوة عملية، لكنه يعكس رغبة واضحة لدى دول عديدة في إبقاء هذا الملف حياً وعدم تركه رهينة الواقع العسكري المفروض منذ عقود، كما يرى مراقبون أن القرار يعزز الموقف السوري الرسمي الذي ظلّ يطالب بالانسحاب الكامل من الجولان في أي مفاوضات مستقبلية.

لا يُتوقع أن يؤدي القرار إلى تغير سياسي سريع على الأرض، إلا أنه يندرج ضمن سلسلة مواقف دولية تراكمية قد تشكل ضغطا سياسيا في المستقبل وتفتح الباب أمام تحركات دبلوماسية جديدة إذا توافرت الظروف، وفي الوقت ذاته، تبقى مواقف إسرائيل الرافضة لأي انسحاب من الجولان عقبة أساسية أمام أي تقدم محتمل، خصوصا في ظل البيئة الأمنية المتوترة التي تزيد من تعقيد أي مبادرات للتسوية.

يقع الجولان جنوب غرب سوريا ويعد من أكثر المناطق الاستراتيجية في بلاد الشام، إذ يشرف على بحيرة طبريا ويطل على مناطق شاسعة في شمال فلسطين المحتلة، احتلته إسرائيل خلال حرب عام 1967 ثم أعلنت ضمه عام 1981 في خطوة رفضها مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة مرارا واعتبراها غير شرعية، وظلت المفاوضات بين سوريا وإسرائيل متوقفة منذ عام 2000 عندما انهارت مفاوضات رعتها الولايات المتحدة.

وفي عام 2019 أعلنت الولايات المتحدة اعترافها بسيادة إسرائيل على الجولان في خطوة أثارت جدلا واسعا ورفضتها معظم الدول، ورغم التغيرات الكبيرة التي شهدتها المنطقة خلال السنوات الأخيرة فإن الموقف الدولي العام ما زال يعتبر الجولان أرضا سورية محتلة يجب أن يعود وضعها إلى ما كان عليه وفق قرارات الأمم المتحدة والقانون الدولي.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية