مشاهد إنسانية معقدة.. تصاعد ترحيل المهاجرين من ألمانيا رغم التحذيرات الحقوقية
مشاهد إنسانية معقدة.. تصاعد ترحيل المهاجرين من ألمانيا رغم التحذيرات الحقوقية
شهد مطار فرانكفورت، أمس الثلاثاء، واحدة من أكثر السنوات ازدحامًا بعمليات الترحيل القسري منذ سنوات، في وقت تشهد فيه ألمانيا تصاعدًا سياسيًا وأمنيًا في ملف الهجرة واللجوء.
وكشفت المعطيات الجديدة عن زيادة واضحة في أعداد المرحّلين والإجراءات المصاحبة لهم، في مؤشر يعكس تشددًا متزايدًا في السياسات التنفيذية المرتبطة بملف الهجرة، بحسب ما ذكرت وكالة الأنباء الألمانية.
ولم تعد عمليات الترحيل مجرد إجراءات إدارية روتينية، بل تحوّلت إلى مشاهد إنسانية معقدة تتشابك فيها مشاعر الخوف والقلق والانكسار، خصوصًا بين النساء والأطفال والقاصرين الذين وجدوا أنفسهم بين ليلة وضحاها في مواجهة مستقبل مجهول خارج الحدود الألمانية.
وازدادت حساسية هذه القضية في ظل التوترات الاجتماعية المتصاعدة داخل ألمانيا، حيث يتقدّم ملف الهجرة إلى صدارة النقاش العام، مدفوعًا بضغط سياسي يميني متنامٍ يدفع باتجاه تشديد القوانين وتسريع عمليات الإبعاد.
وفي المقابل، تتصاعد أصوات الكنائس والمنظمات الحقوقية للتحذير من مغبة تحويل البشر إلى أرقام في جداول الترحيل، دون مراعاة للحالات الإنسانية والظروف الصحية والاجتماعية المعقدة.
ومع تحول مطار فرانكفورت إلى أحد أبرز مراكز الترحيل في أوروبا، بات المشهد اليومي هناك يعكس جانبًا قاسيًا من واقع اللجوء والهجرة، حيث يُساق أشخاص من غرف التوقيف إلى بوابات الطائرات وسط نظرات صامتة وأيدٍ مكبلة وقلوب لا تحمل سوى الخوف والضياع.
أرقام تكشف حجم الظاهرة
كشف تقرير مراقبة الترحيل الصادر عن منظمات كنسية ألمانية، عن ارتفاع عدد المرحَّلين عبر مطار فرانكفورت بشكل ملحوظ خلال عام 2024 مقارنة بالعام السابق.
وبلغ إجمالي عدد الأشخاص الذين تم ترحيلهم من الأراضي الألمانية نحو 20,084 شخصًا، بزيادة تقارب 22% على عام 2023، فيما جرى ترحيل 6,342 شخصًا منهم عبر مطار فرانكفورت وحده.
وأظهر التقرير أن هذه العمليات شملت 4,504 نساء و3,687 قاصرًا، وهو ما يعكس أن شريحة واسعة من الفئات الضعيفة كانت ضمن دائرة الترحيل، كما تم تسجيل 1,189 حالة استُخدمت فيها إجراءات قسرية، بما في ذلك القيود الجسدية والمرافقة الأمنية المشددة، بزيادة قدرها 21.5% مقارنة بالعام الماضي، خاصة على الرحلات المتجهة إلى دول غرب إفريقيا ودول البلقان.
ورغم هذه الأرقام الصادمة، أشادت جهة المراقبة جزئيًا بسلوك الشرطة الاتحادية العاملة في مطار فرانكفورت، حيث أظهرت في معظم الحالات قدرًا من المهنية من خلال شرح الإجراءات للمرحّلين، والسماح بإجراء مكالمات هاتفية قصيرة، وتوفير فترات استراحة محدودة قبل الصعود إلى الطائرة، ورأت جهة الرقابة أن هذه الممارسات تمثل اتجاهًا إيجابيًا مقارنة بتقارير سابقة سُجلت فيها انتهاكات أكثر قسوة.
لكن خلف هذه الصورة المنظمة ظاهريًا، تختبئ قصص فردية موجعة لأشخاص انتُزعوا من حياتهم اليومية فجأة، من المدارس ومساكن اللجوء وأماكن العمل، ليجدوا أنفسهم مكبلين بقرار لا يملكون فيه رأيًا ولا فرصة حقيقية للاعتراض.
انتقادات لجهات الجلب
سلّط التقرير الضوء على ما وصفه بـ"الجانب الأكثر إشكالية" في عمليات الترحيل، والمتمثل في أداء السلطات المكلّفة بجلب المرحَّلين، مثل شرطة الولايات ودوائر الأجانب.
وأشار إلى تسجيل عمليات اعتقال ليلية، وغياب التحضير الكافي للأشخاص المعنيين، إضافة إلى وصول بعضهم إلى المطار دون ملابس مناسبة أو طعام كافٍ، ما يزيد من قسوة التجربة الإنسانية.
وأكد المسؤول الديني رئيس جمعية الإقليم الإنجيلي في فرانكفورت وأوفنباخ، ماركوس أيزِله، أن الشرطة الاتحادية في المطار تتعامل عمومًا بمهنية واحترام، لكنه شدد على أن المشكلة الحقيقية تكمن في المراحل السابقة للتنفيذ، حيث يتم في كثير من الأحيان توقيف الأشخاص في ظروف مهينة أو مفاجئة دون مراعاة لوضعهم النفسي أو العائلي أو الصحي.
وانتقدت جهة المراقبة، بشكل خاص، التقييمات الطبية التي تسبق الترحيل، حيث يصدر أطباء مكلّفون من قبل السلطات شهادات "الملاءمة للسفر" خلال وقت قصير للغاية، حتى عندما يكون الأطباء المعالجون أو المستشفيات قد حذروا من خطر الترحيل على صحة الشخص.
والأخطر من ذلك –بحسب التقرير– أنه لم يتم في أي حالة موثقة التحضير لمتابعة العلاج الطبي في بلد الوجهة، ما يجعل بعض المرحّلين يواجهون خطرًا حقيقيًا على حياتهم.
وفي هذا السياق، طالب اتحاد كاريتاس بضرورة وضع معايير وطنية ملزمة لحماية الأطفال والمرضى وذوي الإعاقة، داعيًا إلى وقف الترحيل من المستشفيات أو أثناء تلقي العلاج، ومؤكدًا أن الكرامة الإنسانية يجب أن تظل فوق أي اعتبارات إدارية أو سياسية.











