اليوم الدولي لإحياء ذكرى ضحايا الإبادة الجماعية.. التزام عالمي بحماية الإنسانية ومحاسبة الجناة
يُحتفل به 9 ديسمبر من كل عام
يصادف التاسع من ديسمبر من كل عام اليوم الدولي لإحياء وتكريم ضحايا جرائم الإبادة الجماعية ومنع هذه الجريمة، ففي هذا التاريخ تتجلى أهمية التزام المجتمع الدولي بحماية الإنسانية، وتعزيز العدالة، وضمان عدم تكرار الفظائع التي شهدها العالم في الماضي.
ويُحتفل في عام 2025 بالذكرى العاشرة لتخصيص هذا اليوم، الذي أقرّته الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2015 بموجب القرار A/RES/69/323، بالتزامن مع الذكرى الخامسة والسبعين لاعتماد اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها لعام 1948، أول اتفاقية دولية لحقوق الإنسان تحدد الإبادة الجماعية وتعطي المجتمع الدولي إطارًا قانونيًا لمنعها ومحاسبة مرتكبيها.
نشأة اليوم الدولي
نشأت فكرة اليوم الدولي من إدراك المجتمع الدولي للحاجة إلى استذكار الضحايا وتكريمهم، وضمان عدم تكرار مثل هذه الجرائم، وقد أكدت الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر 2025 من خلال القرار A/RES/79/328 على أن آلاف الأبرياء ما زالوا يعانون من ويلات الإبادة الجماعية على الرغم من جهود المجتمع الدولي، وأعادت التأكيد على مسؤولية كل دولة عن حماية سكانها ومنع التحريض على الإبادة الجماعية واتخاذ التدابير الضرورية لذلك.
وأوضح القرار أن مكافحة الإفلات من العقاب على جريمة الإبادة الجماعية عامل حاسم في جهود الوقاية، ودعا إلى عقد اجتماع رفيع المستوى لإحياء الذكرى العاشرة للحدث وتعزيز الجهود لمنع هذه الجرائم ومعاقبة مرتكبيها.
وتعد اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها لعام 1948 حجر الزاوية في القانون الدولي، إذ تنص المادة الثانية على تعريف الإبادة الجماعية لتشمل الأفعال المرتكبة بقصد التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قومية أو إثنية أو دينية، مثل قتل أعضاء الجماعة، إلحاق أذى جسدي أو نفسي خطير بهم، إخضاع الجماعة لظروف معيشية تهدف إلى تدميرها، فرض تدابير لمنع إنجاب الأطفال داخل الجماعة، ونقل الأطفال قسرًا من الجماعة إلى جماعة أخرى.
وتؤكد الاتفاقية أن الإبادة الجماعية، سواء ارتكبت في زمن السلم أو الحرب، جريمة بموجب القانون الدولي، وتلزم الدول الأطراف بمنعها ومعاقبة مرتكبيها، مع إبقاء المسؤولية الأساسية على الدولة لحماية سكانها.
أهداف اليوم الدولي
يشكل اليوم الدولي مناسبة لتقييم التقدم المحرز في مجال الوقاية من الإبادة الجماعية، ومواجهة التحديات القائمة، وتجديد العزم على التصدي لتهديدات الإبادة الجماعية وسائر الجرائم الفظيعة، كما يتيح للدول الأعضاء والمنظمات الدولية والمجتمع المدني فرصة لإجراء حوار بنّاء حول استراتيجيات الوقاية، وتنفيذ الالتزامات القانونية، وتعزيز التعاون متعدد الأطراف، ووضع نظم إنذار مبكر فعالة، وتفعيل سيادة القانون الدولي.
ويؤكد الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، أنه "يقع على الدول التزام أساسي بمنع الإبادة الجماعية ومعاقبة مرتكبيها، وأنه يجب على الحكومات التي لم تنضم بعد إلى الاتفاقية الانضمام إليها، وتنفيذها بالكامل".
ويعد اليوم الدولي كذلك منصة لتسليط الضوء على قصص الصمود والاستذكار للضحايا، والتأكيد على أن مكافحة الإفلات من العقاب تشكل عنصرًا أساسيًا في منع هذه الجرائم.
فعالية عام 2025
ينعقد الاجتماع الرفيع المستوى للجمعية العامة يوم 9 ديسمبر 2025 الساعة العاشرة صباحًا بتوقيت نيويورك، بحضور الدول الأعضاء وممثلين عن المجتمع المدني والمنظمات الدولية، ويشمل بيانًا افتتاحيًا لرئيس الجمعية العامة وكلمة للمستشار الخاص للأمين العام المعني بمنع الإبادة الجماعية، بالإضافة إلى بيانات الدول المشاركة، مع نقل مباشر للحدث عبر البث الشبكي للأمم المتحدة.
وتحمل فعالية هذا العام شعار "قصص من الصمود والاستذكار– دعوة إلى التحرّك لمنع الإبادة الجماعية"، حيث يتم استعراض تجارب الهولوكوست والإبادة الجماعية في رواندا وسربرنيتسا وكمبوديا، والتعلم من هذه الفظائع لمنع تكرارها.
كما تركز الفعالية على دور الشباب في تعزيز العدالة والمصالحة ومنع التطرف، وفق قرار مجلس الأمن رقم 2250 بشأن الشباب والسلام والأمن، وتشجيعهم على المشاركة في صنع السياسات وبناء ثقافة التسامح والسلام.
ويعمل المستشاران الخاصان للأمين العام، المعنيان بمنع الإبادة الجماعية ومسؤولية الحماية، على تعزيز جهود الوقاية وحماية السكان من الجرائم الفظيعة، ويجمعان المعلومات عن الحالات التي قد تنطوي على مخاطر وقوع جرائم الإبادة الجماعية، استنادًا إلى إطار التحليل للجرائم الفظيعة، وهو أداة منهجية للإنذار المبكر وتقييم المخاطر.
وقد عُين بياني من زامبيا مستشارًا خاصًا للأمين العام في أغسطس 2025، بينما عُينت السيدة مو بليكر من سويسرا مستشارةً خاصة لمسؤولية الحماية في مارس 2024، وتتكامل ولاياتهما لتعزيز الوقاية وحماية السكان من الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والتطهير العرقي والجرائم ضد الإنسانية.
العدالة والمحاسبة الدولية
تلعب المحاكم الدولية، بما فيها المحكمة الجنائية الدولية، دورًا محوريًا في حماية الضحايا وضمان عدم الإفلات من العقاب، وتعمل هذه المحاكم على كسر حلقة الإفلات من العقاب، وتثبيت السوابق القانونية، وتوفير آلية ردع قوية، وتمكين الضحايا من المشاركة في العملية القضائية واسترداد جزء من كرامتهم.
كما تسهم الأحكام القضائية في توضيح عناصر الإبادة الجماعية، مثل إثبات القصد الجنائي الخاص وتحديد مفهوم "المجموعة المحمية"، وتوفير سجل تاريخي معترف به دوليًا.
وتعد المحاسبة القضائية جزءًا أساسيًا من استراتيجية الوقاية على المدى الطويل، وتؤكد أن القانون الدولي يوفر حدًا أدنى من الحماية للمجموعات المستهدفة، ويجعل المحاكم الدولية ركائز أساسية لضمان عدم تكرار الإبادة الجماعية.
الوقاية والإنذار المبكر
يشكل الوقاية من الإبادة الجماعية محورًا أساسيًا لليوم الدولي، ويقوم على أربعة مرتكزات رئيسية:
تحليل المخاطر: مراقبة الخطابات التحريضية، والتمييز الممنهج، وانتهاكات حقوق الأقليات، باعتبارها مؤشرات إنذار مبكر محتملة.
التعليم: إدماج دراسات الإبادة الجماعية في المناهج لتعزيز قيم التسامح واحترام التنوع.
الإعلام والمنصات الرقمية: تفكيك الخطابات التي تهدف إلى تجريد الآخرين من الإنسانية، وهو شرط نفسي واجتماعي أساسي لارتكاب الإبادة.
الدبلوماسية الإنسانية: تفعيل دور المستشار الخاص لمنع الإبادة الجماعية، والآليات الدبلوماسية للتدخل المبكر قبل تفاقم الأوضاع.
مشاركة الاتحاد الأوروبي
يلعب الاتحاد الأوروبي دورًا مهمًا في تعزيز الحماية العالمية لحقوق الإنسان ومنع الفظائع الجماعية، عبر خطة العمل 2020-2024 لحقوق الإنسان والديمقراطية، واستراتيجيات مكافحة معاداة السامية، وضمان العدالة والمساءلة وحماية الضحايا، ويولي الاتحاد أهمية للشباب لتعزيز ثقافة السلام والتسامح والحوار بين الثقافات والأديان، ومنع مشاركتهم في أعمال العنف والتطرف.
وتسهم الشبكة الأوروبية لنقاط الاتصال المتعلقة بالإبادة الجماعية في تعزيز التعاون بين السلطات الوطنية للتحقيق في الجرائم ومقاضاة مرتكبيها، وضمان حماية الضحايا وتعزيز العدالة على الصعيد الدولي.
ويشكل اليوم الدولي لإحياء ذكرى ضحايا الإبادة الجماعية في ديسمبر تجديدًا للعهد الدولي الذي وقعه العالم في عام 1948، مؤكّدًا أن الوقاية والمحاسبة ليستا مجرد شعارات، بل التزاماً عملياً يتطلب اليقظة المستمرة وتطبيق القانون الدولي بصرامة لمواجهة كل مظاهر التعصب والتمييز.
وتظل اتفاقية منع الإبادة الجماعية دليلًا عمليًا على ضرورة العمل المشترك للحفاظ على الأمن والسلام الدوليين، وحماية المجموعات البشرية من التدمير المنهجي، وضمان مستقبل تسوده العدالة والكرامة لجميع البشر.










