أولمرت يعترف: المستوطنون يرتكبون يومياً جرائم حرب في الضفة الغربية

أولمرت يعترف: المستوطنون يرتكبون يومياً جرائم حرب في الضفة الغربية
مستوطنون يحملون السلاح في الضفة

خرج رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود أولمرت، الخميس، في تصريح لافت يكسر الخطاب السائد داخل إسرائيل، ليقول علنا إن المستوطنين الإسرائيليين يرتكبون يوميا جرائم حرب بحق الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة، وقال أولمرت في مقابلة إذاعية إن ما يحدث يوميا في الضفة الغربية لا يمثل إسرائيل التي يؤمن بها، في إشارة واضحة إلى ما وصل إليه الوضع من عنف ممنهج تمارسه مجموعات استيطانية متطرفة تحظى بدعم حكومي.

واقع ثقيل على الأرض

يعيش في الضفة الغربية اليوم أكثر من 700 ألف مستوطن في مئات البؤر والمستوطنات التي توسعت على مدى عقود. 

وبحسب شهادات فلسطينية وتقارير حقوقية متواترة، أصبحت الاعتداءات اليومية للمستوطنين الإسرائيليين على السكان الأصليين جزءا من نمط متصاعد هدفه دفع الفلسطينيين إلى الرحيل قسريا عن أرضهم، وتشمل هذه الاعتداءات هجمات مسلحة، وحرائق متعمدة، ومصادرة أراضٍ زراعية، وتدمير ممتلكات، واقتحامات متواصلة للقرى والبلدات وفق وكالة أنباء الأناضول.

ومع اتساع ظاهرة العنف، باتت مجموعة شبان التلال التي يصفها إيهود أولمرت بشبان الرعب، رمزاً لهذا التطرف المستشري. 

ويقول أولمرت إن هذه المجموعات تنفذ حملة قتل واضطهاد يومية في الضفة الغربية، في حين تتحدث منظمات حقوقية عن أدلة موثقة على تورطها في قتل مدنيين فلسطينيين وتخريب واسع للممتلكات.

تصعيد موازٍ منذ حرب غزة

منذ اندلاع حرب الإبادة في غزة في 8 أكتوبر 2023، صعّدت إسرائيل عملياتها العسكرية والأمنية في الضفة الغربية، في مسار موازٍ للحرب الكبرى، وتشير الأرقام الفلسطينية الرسمية إلى أن القوات الإسرائيلية والمستوطنين قتلوا ما لا يقل عن 1093 فلسطينيا في الضفة الغربية، بينهم أطفال ونساء، وأصابوا نحو 11 ألفا، إلى جانب اعتقال ما يقارب 21 ألفا خلال الفترة نفسها، وهذا التصعيد الواسع رافقه سلوك ميداني أكثر عنفا من قبل المستوطنين، كما حدثت عمليات اقتحام متزامنة للمدن والمخيمات والقرى الفلسطينية.

المشهد الداخلي في إسرائيل

لم يكن حديث أولمرت مجرد انتقاد من معسكر المعارضة، بل يمثل إدانة واضحة من شخصية تقلدت أعلى منصب تنفيذي في إسرائيل. الرجل الذي قاد بلدية القدس الغربية سنوات طويلة، يقول إنه يتجنب حضور مباريات فريق بيتار القدس لكرة القدم بسبب الهتافات العنصرية التي تطلقها الجماهير، وأبرزها شعار الموت للعرب، وهذا النفور الشخصي يعكس انقساما متعمقا داخل المجتمع الإسرائيلي، بين تيار يتجه نحو مزيد من التطرف، وآخر يخشى أن تتحول إسرائيل بالكامل إلى دولة تهيمن عليها الميليشيات الاستيطانية.

وفي سياق انتقاداته، دعا أولمرت إلى تشكيل لجنة تحقيق حكومية لتحديد المسؤولية عن هجوم 7 أكتوبر 2023، واصفا ما حدث بأنه أكبر فشل في تاريخ إسرائيل، بل أكبر من فشل حرب يوم الغفران عام 1973، غير أن الحكومة ترفض تشكيل لجنة رسمية تتمتع بصلاحيات كاملة، واكتفت بلجنة مستقلة بلا أدوات حقيقية، وهو ما تعتبره المعارضة محاولة للتهرب من تحمل المسؤولية.

انعكاسات سياسات الحكومة

يعيش رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وضعا سياسيا وقضائيا معقدا، فهو يواجه محاكمة فساد قد تؤدي إلى سجنه في حال الإدانة، كما أنه مطلوب للمحكمة الجنائية الدولية بموجب مذكرة اعتقال صدرت عام 2024 بشأن جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في غزة، وهذا الوضع، وفق مراقبين إسرائيليين، يجعل نتنياهو أكثر اعتمادا على قوى اليمين المتطرف، بما فيها ممثلو المستوطنين، لضمان بقائه في السلطة، وهو ما يفسر التوسع غير المسبوق في سياسات الضم الفعلي للضفة الغربية.

في المقابل، يشعر الفلسطينيون بأنهم يواجهون مرحلة أكثر قسوة من تلك التي شهدوها في العقود الماضية، وكثير من القرى في الضفة الغربية باتت تتعرض لهجمات مسلحة متكررة، بينما بقيت الشكاوى الفلسطينية بلا إجراءات ردع حقيقية من السلطات الإسرائيلية التي يتهمها الفلسطينيون بدعم المستوطنين بشكل مباشر أو غير مباشر.

الضفة الغربية بين مطرقة الاحتلال وسندان العنف

أدت الاعتداءات اليومية إلى تغيير جوهري في حياة الفلسطينيين، فالعديد من العائلات هجرت قسرا من بيوتها في الأغوار الشمالية والجنوب الشرقي لمدينة نابلس، وفقد مزارعون أراضيهم أو لم يعودوا قادرين على الوصول إليها، كما فقد تجار مصادر رزقهم، وأطفال يسيرون إلى مدارسهم وسط تهديد دائم، وفي كثير من المناطق، تحول السكان إلى رهائن لجماعات استيطانية مدججة بالسلاح تتحرك بحرية تامة.

هذا الوضع دفع منظمات حقوقية دولية إلى التحذير من أن الضفة الغربية تشهد عملية منهجية تشبه التهجير القسري واسع النطاق، وهو انتهاك واضح للقانون الدولي، كما اعتبرت منظمات إسرائيلية أن الحكومة سمحت بواقع دولة داخل الدولة تقودها مجموعات مسلحة تتصرف من دون محاسبة.

المشهد الإنساني

في الوقت الذي يتركز فيه النقاش السياسي على الأخطاء والفشل والتحقيقات، يعيش الفلسطينيون في الضفة الغربية واقعا إنسانيا بالغ الصعوبات، وكثير من البلدات تعاني من اغلاقات مستمرة، وحواجز متصاعدة، وإعاقات داخلية تجعل الحياة اليومية معركة دائمة من أجل الوصول إلى المدرسة أو العمل أو المشفى، ومع هذا الضغط المستمر، باتت الحياة الاقتصادية شبه مشلولة، كما تراجعت مستويات الأمن الغذائي في كثير من المناطق.

عائلات فلسطينية تحدثت لمؤسسات صحفية محلية ودولية عن فقدان الشعور بالأمان في منازلها، وأصبح الخوف من هجوم مفاجئ، أو اقتحام مسلح، أو اعتداء خلال ساعات الليل، جزءا من حياة يومية مضطربة، وهذا المشهد يفسر إلى حد بعيد وصف أولمرت لما يجري بأنه جرائم حرب يومية.

أقامت إسرائيل عام 1948 على أراضٍ فلسطينية خضعت لاحتلال تدريجي منذ بداية القرن العشرين. 

وفي عام 1967 احتلت إسرائيل الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية، ومنذ ذلك الوقت، أقامت مئات المستوطنات في الضفة الغربية رغم مخالفة ذلك للقانون الدولي الذي يعتبر المستوطنات غير شرعية، ويؤكد الفلسطينيون أن إسرائيل تسعى عبر سياسة الأمر الواقع إلى ضم الضفة الغربية وإفراغها من سكانها، بينما تتمسك القيادة الفلسطينية بحق إقامة دولة مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية