انتظاراً للبت في طلباتهم.. عشرات المهاجرين القُصر ينامون في العراء بفرنسا

انتظاراً للبت في طلباتهم.. عشرات المهاجرين القُصر ينامون في العراء بفرنسا
خيام للمهاجرين في فرنسا

يعيش نحو 250 قاصراً غير مصحوبين بذويهم في مدينة ليون الفرنسية حالة إنسانية بالغة القسوة، بعد أن تُركوا منذ يناير في مخيم غير صحي بانتظار البت في طلبات الاعتراف بوضعهم كقاصرين، في فراغ قانوني حوّل حياتهم اليومية إلى معاناة مفتوحة على البرد والجوع والقلق النفسي.

يلجأ عشرات من هؤلاء الشبان، منذ 23 نوفمبر، إلى كنيسة سان بوليكارب في حي كروا روس، هرباً من ليالي الشتاء القارسة، حيث تنخفض درجات الحرارة إلى ما دون الصفر، بس ما دكرت شبكة "مهاجر نيوز، اليوم السبت. 

يدخلون فرادى، يحملون البطانيات والفرش، وينامون في الممرات بهدوء ثقيل، تحت أنظار صامتة لجدران تعود إلى القرن السابع عشر. 

ورغم سماح الكنيسة باستضافتهم، تظل القواعد صارمة: لا طعام، دخول في السادسة مساءً، ومغادرة في التاسعة صباحاً.

ينتظرون اعترافاً قانونياً 

ينتظر هؤلاء الشبان، القادمون في غالبيتهم من إفريقيا جنوب الصحراء، قرار قاضي محكمة الأحداث بعد رفض أولي لطلباتهم. 

وخلال هذه الفترة الانتقالية، لا يُعترف بهم لا كقاصرين يحق لهم الاستفادة من رعاية الطفولة، ولا كبالغين يمكنهم دخول منظومة الدعم الاجتماعي، ما يضعهم في منطقة رمادية تحرمهم من أي حماية مؤسسية.

يواصل بعضهم الذهاب إلى المدارس الإعدادية صباحاً، في حين يقضون لياليهم في الكنيسة أو في المخيم. يستيقظون فجراً، يدرسون، ثم يعودون إلى واقع لا يشبه حياة الأطفال في شيء. 

هذا التناقض القاسي بين الدراسة والحرمان يقوّض فرص اندماجهم ويثقل كاهلهم نفسياً.

مخيم غير إنساني

يقيم معظم القاصرين في مخيم حديقة شارترو، حيث تنتشر عشرات الخيام فوق منصات خشبية، بلا تدفئة كافية أو حماية من الأمطار. تتسلل المياه إلى الخيام، ويتحول المكان إلى وحل، في حين تنتشر الفئران بين الأغطية. 

يؤكد الشبان أنهم ينامون في خوف دائم، ويعانون نقص الغذاء وصعوبة الاستحمام، في ظروف لا تليق بكرامة الإنسان، فضلاً على طفل.

وحذرت منظمات مثل أطباء بلا حدود وجمعية “يوتوبيا 56” من “أزمة إنسانية حقيقية” داخل المخيم، مشيرة إلى تدهور حاد في الصحة البدنية والنفسية لهؤلاء القاصرين. 

وأكدت أن طول فترة الانتظار، التي تمتد أحياناً إلى عام كامل، يزيد من معدلات الاكتئاب والإنهاك وفقدان الأمل.

اتهامات حقوقية للسلطات

ينتقد ناشطون حقوقيون ما يصفونه بـ“التخلي الكامل” من قبل المؤسسات، مشيرين إلى أن نحو 75% من هؤلاء الشبان يُعترف بهم في نهاية المطاف كقاصرين، بعد أشهر من العيش في ظروف قاسية كان يمكن تفاديها. 

ويرون أن تركهم دون حماية خلال فترة الطعن يمثل انتهاكاً واضحاً لالتزامات فرنسا بحماية حقوق الطفل.

تدير جمعية “لو ماس” مركز “لا ستيشن” منذ عام 2020، موفّرة السكن والدعم الصحي والتعليمي لنحو 102 شاب في آن واحد. 

ورغم نجاحها في استقبال مئات القاصرين، تبقى قدراتها محدودة مقارنة بحجم الحاجة، ما يترك الغالبية خارج أي إطار حماية.

التنصل من المسؤولية

تتبادل السلطات المحلية والإدارية الاتهامات بشأن الجهة المسؤولة عن هؤلاء الشبان، تؤكد المنطقة أنهم يُعدون بالغين مؤقتاً، في حين تشير المحافظة إلى أن حمايتهم غير واضحة قانونياً إلى حين صدور قرار قضائي. هذا التهرب المتبادل يطيل أمد المعاناة ويكرّس الفراغ الحقوقي.

تكشف هذه الأزمة عن خلل بنيوي في نظام حماية القاصرين غير المصحوبين بذويهم في فرنسا، حيث يُترك الأطفال في مواجهة البرد والعوز بانتظار إجراء إداري. 

ويطرح المدافعون عن حقوق الإنسان سؤالاً جوهرياً: كيف يمكن لدولة ترفع شعار حماية الطفولة أن تسمح باستمرار هذا الوضع، في حين يُثبت الواقع أن التأخير الإداري قد يتحول إلى عقوبة إنسانية جماعية؟

وتدعو الجمعيات الحقوقية إلى إنشاء مراكز إيواء إضافية، وتطبيق مبدأ الاحتياط لصالح الطفل، بما يضمن حمايته فور تقديم الطعن، بدل تركه عرضة للخطر. فهؤلاء الشبان، قبل أي توصيف قانوني، هم أطفال يحتاجون إلى الأمان، لا إلى الانتظار في العراء.


 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية