حقوقيون يطالبون بملاحقة قادة طالبان بتهم جرائم ضد الإنسانية

حقوقيون يطالبون بملاحقة قادة طالبان بتهم جرائم ضد الإنسانية
عناصر حركة طالبان الأفغانية

في خطوة تعكس تصاعد الضغط الحقوقي الدولي على حركة طالبان الأفغانية، دعا عدد من المدافعين عن حقوق الإنسان وممثلي منظمات المجتمع المدني إلى اتخاذ إجراءات منسقة من قبل الدول لملاحقة واعتقال قيادات بارزة في الحركة، على رأسهم زعيم طالبان ورئيس المحكمة العليا فيها، وذلك على خلفية أوامر الاعتقال الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية بحقهم.

وأفادت شبكة "أفغانستان إنترناشيونال" السبت أن هذه الدعوات جاءت خلال لقاء خاص خُصص لمناقشة أوضاع النساء الأفغانيات، عُقد أخيراً في العاصمة الإسبانية مدريد، برعاية وزارة الخارجية الإسبانية، وبمشاركة حقوقيين وخبراء قانون دولي ونشطاء معنيين بشؤون المرأة وحقوق الإنسان.

مسؤولية قانونية دولية

وأكد المشاركون في اللقاء أن أفغانستان صادقت عام 2003 على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة دون أي تحفظات، ما يجعلها ملتزمة قانونياً بتطبيق بنود الاتفاقية واحترام حقوق النساء والفتيات، بغض النظر عن طبيعة السلطة الحاكمة، وشددوا على أن عودة طالبان إلى الحكم لا تعفي الدولة الأفغانية من التزاماتها الدولية، ولا تسقط مسؤولية قادتها عن الانتهاكات الجسيمة المرتكبة.

وأشار المتحدثون إلى أن السياسات التي فرضتها طالبان منذ سيطرتها على البلاد قبل أكثر من أربع سنوات أدت إلى إقصاء شبه كامل للنساء والفتيات من الحياة العامة، شمل حرمانهن من التعليم والعمل، ومنع مشاركتهن في الحياة السياسية والاجتماعية، وفرض قيود صارمة على حركتهن وحرياتهن الأساسية.

سياسات ممنهجة وإقصاء شامل

وأوضح المشاركون أن هذه الإجراءات لم تكن مؤقتة أو ناتجة عن ظروف استثنائية، بل جاءت ضمن سياسة ممنهجة تهدف إلى إعادة تشكيل المجتمع الأفغاني على أسس تمييزية قائمة على النوع الاجتماعي، واعتبروا أن استمرار هذا النهج، إلى جانب تجاهل حركة طالبان للنداءات الدولية المتكررة، يستدعي الانتقال من مرحلة الإدانة السياسية إلى مرحلة المحاسبة القانونية الفعلية.

وأشاروا إلى أن المحكمة الجنائية الدولية أصدرت في يونيو من العام الجاري أوامر اعتقال بحق زعيم حركة طالبان هبة الله أخوندزاده، ورئيس المحكمة العليا عبدالحكيم حقاني، بتهم ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، على رأسها القمع المنهجي والاضطهاد القائم على النوع الاجتماعي بحق النساء والفتيات في أفغانستان.

تنفيذ الأحكام رهن بإرادة الدول

وشدد المشاركون على أن صدور أوامر الاعتقال بحق قادة حركة طالبان يمثل خطوة قانونية مهمة، لكنها تبقى غير كافية ما لم تقترن بإرادة سياسية دولية حقيقية لتنفيذها، وأكدوا أن ملاحقة المتهمين واعتقالهم لن يكون ممكناً دون تعاون عملي وفعّال بين الدول، سواء عبر تفعيل آليات التسليم، أو فرض قيود صارمة على تحركاتهم، أو استخدام الولاية القضائية العالمية.

ولفتوا إلى أن الأدلة المتوفرة حول ممارسات طالبان، بما في ذلك قرارات رسمية وتصريحات علنية وقيود موثقة، تثبت بما لا يدع مجالاً للشك وجود سياسة إقصاء منهجية تستهدف النساء والفتيات حصراً، وهو ما وصفه المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بحقوق الإنسان في أفغانستان بأنه يرقى إلى جرائم ضد الإنسانية، بل وأبارتايد جنسي.

الأبارتايد الجنسي كجريمة دولية

وفي هذا السياق، دعا المشاركون الدول إلى دعم الجهود الرامية إلى إدراج الأبارتايد الجنسي جريمة مستقلة ضد الإنسانية ضمن منظومة القانون الدولي، واعتبروا أن ما تتعرض له النساء الأفغانيات يشكل نموذجاً صارخاً لهذا النوع من الجرائم، حيث تُستهدف فئة كاملة من السكان لمجرد انتمائها الجنسي، ويتم حرمانها بشكل ممنهج من أبسط حقوقها الإنسانية.

وأكدوا أن الاعتراف القانوني الدولي بالأبارتايد الجنسي من شأنه تعزيز أدوات المساءلة، وفتح الباب أمام ملاحقة مرتكبي هذه الجرائم في مختلف المحاكم الوطنية والدولية، بما يسهم في كسر دائرة الإفلات من العقاب.

تحذير من غياب الإرادة السياسية

وحذر المشاركون من أن غياب الإرادة السياسية المستدامة لدى الدول، إلى جانب نقص الدعم المالي المخصص لآليات العدالة الدولية، وعدم إشراك الضحايا بشكل فعلي في مسارات المساءلة، قد يؤدي إلى تقويض الجهود الحالية، واستمرار معاناة النساء الأفغانيات دون أفق واضح للإنصاف.

وأكدوا أن العدالة ينبغي ألا تبقى مجرد شعارات أو بيانات إدانة، بل يجب أن تُترجم إلى خطوات ملموسة تحمي الضحايا، وتضمن محاسبة المسؤولين عن الانتهاكات الجسيمة، مهما كانت مواقعهم أو نفوذهم.

عادت حركة طالبان إلى السلطة في أفغانستان في أغسطس 2021، بعد انسحاب القوات الدولية وسقوط الحكومة السابقة، ومنذ ذلك الحين، فرضت الحركة سلسلة من القيود الصارمة على النساء والفتيات، شملت منع التعليم الثانوي والجامعي، وحظر العمل في معظم القطاعات، وفرض قيود على التنقل دون محرم، إضافة إلى تقليص الوصول إلى الخدمات الصحية والقضائية، وقد أثارت هذه السياسات موجة إدانات دولية واسعة، ودفعت منظمات حقوقية وأممية إلى التحذير من انهيار كامل لحقوق النساء في البلاد، وفي ظل تعثر الجهود الدبلوماسية لإقناع طالبان بتغيير سياساتها، يتجه المسار الحقوقي الدولي بشكل متزايد نحو تفعيل آليات المساءلة القانونية، باعتبارها السبيل الأخير لردع الانتهاكات وإنصاف الضحايا.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية