بين الاندماج والقيود الإنسانية.. تشديد متطلبات الإعالة يثير قلق العائلات المهاجرة في السويد

بين الاندماج والقيود الإنسانية.. تشديد متطلبات الإعالة يثير قلق العائلات المهاجرة في السويد
عائلات مهاجرة في السويد- أرشيف

تشهد سياسة الهجرة في السويد تحولا لافتا يعكس توجها حكوميا متصاعدا نحو التشدد، مع إعلان وزارة الهجرة عن مقترح تشريعي جديد يستهدف تشديد متطلبات الإعالة في ملفات لم شمل العائلات، وهي خطوة تقول الحكومة إنها تهدف إلى تعزيز الاندماج ومكافحة التهميش الاجتماعي، بينما تثير في المقابل مخاوف واسعة داخل الجاليات المهاجرة والمنظمات الحقوقية بشأن آثارها الإنسانية والاجتماعية على آلاف الأسر.

تصريحات رسمية ورسائل واضحة

وزير الهجرة السويدي يوهان فورشيل أعلن الأحد أن الحكومة تعتزم تقديم المقترح إلى البرلمان خلال الربيع المقبل، مؤكدا أن من يرغب من المهاجرين في جلب أسرته إلى السويد يجب أن يكون قادرا على إعالتها بشكل كامل، وشدد فورشيل في تصريحات رسمية على أن الاكتفاء بإعالة الفرد نفسه لم يعد كافيا، معتبرا أن تحمل مسؤولية الأسرة شرط أساسي لضمان اندماج صحي ومستدام في المجتمع السويدي، وفق شبكة "الكومبس" الإخبارية.

ويعكس هذا الخطاب توجها حكوميا يرى في سياسة لم الشمل مسؤولية اقتصادية واجتماعية، وليس مجرد حق مرتبط بالإقامة، حيث تؤكد الحكومة أن الاعتماد على الذات يمثل حجر الزاوية في سياسات الاندماج الجديدة.

تقييد مصادر الدخل المقبولة

لا يقتصر المقترح على رفع سقف متطلبات الإعالة، بل يمتد ليشمل تشديدا في تعريف الدخل المقبول، فبحسب ما أعلنته وزارة الهجرة السويدية، لن يتم احتساب الدخل الناتج عن الوظائف المدعومة من الدولة أو تعويضات البطالة أو دعم البحث عن عمل أو أي إعانات مرتبطة بسوق العمل.

وترى الحكومة أن هذه الخطوة ضرورية للحد من الاعتماد طويل الأمد على أنظمة الرعاية الاجتماعية، وضمان أن تبدأ الأسر الوافدة حياتها في السويد من موقع الاستقلال الاقتصادي، بما يقلل من مخاطر العزلة الاجتماعية والاكتظاظ السكني، وهي ظواهر تقول السلطات إنها تفاقمت في بعض المناطق خلال السنوات الماضية.

رفع مستوى الإعالة المطلوب

ضمن التعديلات المقترحة، تخطط الحكومة لرفع الحد الأدنى للدخل المطلوب للإعالة بنسبة 30 بالمئة مقارنة بالمعايير الحالية المعتمدة على الحد الأدنى للمعيشة الذي تحدده هيئة جباية الديون، ووفقا للأرقام الواردة في المقترح، سيحتاج الزوجان من دون أطفال إلى دخل شهري لا يقل عن 13285 كرونا (نحو 1433 دولارا أمريكيا)، مقارنة بـ10219 كرونا حاليا (نحو 1102 دولار)، إضافة إلى تغطية تكاليف السكن بشكل مستقل.

ويعني هذا التغيير أن عددا كبيرا من المقيمين، خصوصا العاملين في الوظائف منخفضة الدخل أو غير المستقرة، قد يجدون أنفسهم غير قادرين على استيفاء الشروط الجديدة، ما يضع لم شمل عائلاتهم أمام تأجيل طويل أو استحالة واقعية.

شروط إضافية قيد النقاش

إلى جانب متطلبات الإعالة، تدرس الحكومة تطبيق توصيات تحقيق رسمي قدم في سبتمبر الماضي، من بينها اشتراط إقامة الشخص في السويد لمدة لا تقل عن عامين قبل التقدم بطلب لم الشمل، ورغم أن التحقيق لم يوصِ بشكل صريح برفع متطلبات الإعالة، فإن الحكومة اختارت الجمع بين الشرطين ضمن رؤيتها الجديدة لإدارة ملف الهجرة.

في المقابل، سيستمر إعفاء اللاجئين المعترف بهم وفقا للاتفاقيات الدولية من شرط الإعالة، بشرط تقديم طلب لم الشمل خلال 3 أشهر من الحصول على تصريح الإقامة، غير أن هذه الفئة تمثل نسبة محدودة من إجمالي الحاصلين على تصاريح الإقامة في البلاد.

وتستهدف الحكومة دخول هذه التعديلات حيز التنفيذ في عام 2027، بعد استكمال المشاورات القانونية والنقاشات البرلمانية اللازمة.

سياسة هجرة أكثر تشددا

يأتي هذا المقترح في سياق أوسع من التحولات التي تشهدها السويد في ملف الهجرة، فالدولة التي عرفت لعقود بسياساتها المنفتحة، بدأت منذ سنوات في إعادة ضبط تشريعاتها، مع التركيز على تقليص الهجرة غير النظامية، وتشديد الرقابة على ملفات اللجوء، وتسريع إجراءات الترحيل.

وبحسب بيانات رسمية، استقبلت السويد خلال العام الماضي 9645 مهاجرا، من بينهم 976 من سوريا، و839 من أفغانستان، و538 من العراق، وتقول الحكومة إن هذه الأرقام، إلى جانب الضغوط الاقتصادية وتحديات السكن والخدمات، تفرض مراجعة شاملة للسياسات السابقة، خصوصا في المدن الكبرى التي تشهد كثافة سكانية مرتفعة وتفاوتا اجتماعيا متزايدا.

قلق داخل الجاليات المهاجرة

أثارت هذه السياسات موجة قلق واسعة بين المهاجرين، خصوصا العائلات التي تنتظر لم شملها منذ سنوات، وتشير شهادات متداولة إلى تصاعد الضغوط النفسية على الأزواج والأبناء، مع شعور متزايد بعدم اليقين والخوف من الإبعاد أو الفشل في استيفاء الشروط الجديدة.

وتحذر منظمات حقوقية من أن تشديد متطلبات الإعالة قد يؤدي إلى تفكيك الأسر أو دفع بعض الأفراد إلى العمل غير النظامي لتلبية الشروط، ما يخلق مشكلات قانونية واجتماعية إضافية. في المقابل، تؤكد الحكومة أن الإجراءات تستند إلى القانون وتهدف إلى تعزيز الأمن والاستقرار الاجتماعي.

توازن صعب بين الأمن والإنسانية

يبدو المشهد في السويد اليوم معقدا ومتداخلا، حيث تحاول الدولة الموازنة بين ضبط تدفقات الهجرة وحماية منظومة الرفاه الاجتماعي، وبين التزاماتها الإنسانية والدولية تجاه اللاجئين والمهاجرين، وبينما تؤكد السلطات احترامها للاتفاقيات الدولية، تستمر المنظمات الإنسانية في التحذير من آثار السياسات المتشددة على الفئات الأكثر هشاشة، خاصة النساء والأطفال.

اعتمدت السويد طوال العقدين الماضيين واحدة من أكثر سياسات اللجوء انفتاحا في أوروبا، ما جعلها وجهة رئيسية للاجئين، خصوصا بعد عام 2015. إلا أن التحولات السياسية الداخلية، وصعود أحزاب تدعو إلى تشديد الهجرة، إضافة إلى الضغوط الاقتصادية وأزمات السكن والاندماج، دفعت البلاد إلى مراجعة شاملة لقوانين الإقامة واللجوء. 

وشملت هذه المراجعات تقليص فرص لم الشمل، وتشديد شروط الإقامات المؤقتة، وزيادة عمليات التفتيش والترحيل، وفي هذا السياق، يمثل المقترح الجديد بشأن متطلبات الإعالة حلقة إضافية في مسار يعكس تغيرا جذريا في رؤية السويد لدورها كبلد استقبال، ويطرح في الوقت نفسه أسئلة عميقة حول مستقبل الاندماج والعدالة الاجتماعية في واحدة من أبرز دول الرفاه في أوروبا.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية