الهجرة السويدية: لا تمييز في قرارات اللجوء على أساس الانتماء الديني

الهجرة السويدية: لا تمييز في قرارات اللجوء على أساس الانتماء الديني
لاجئون سوريون

في وقتٍ تتزايد فيه النقاشات داخل أوروبا حول مصير اللاجئين السوريين، أكدت مصلحة الهجرة في السويد الخميس أن العودة إلى سوريا ممكنة في الحالات التي لا توجد فيها حاجة للحماية، مشيرة إلى أن تقييمات اللجوء تُجرى على أساس فردي وليس جماعياً، وأن الوضع في سوريا لم يعد يوصف، وفق تقييماتها، بأنه يشهد عنفاً عشوائياً يبرر الحماية التلقائية لكل القادمين منه.

وقالت المصلحة في رد مكتوب على أسئلة وُجهت إليها بحسب موقع "الكومبس" الإخباري السويدي، إنّها تتابع تطورات الوضع الأمني في سوريا بشكل مستمر، وتستند في قراراتها إلى تقييمات محدثة من مصادر متعددة، تشمل تقارير الاتحاد الأوروبي، والمفوضية السامية لشؤون اللاجئين، ومنظمات حقوق الإنسان. وأضافت أن الوضع الأمني في البلاد يختلف من منطقة إلى أخرى، ولهذا تُقيّم كل قضية على حدة بناءً على ظروف مقدم الطلب ومكان إقامته الأصلي.

وتشير بيانات مصلحة الهجرة إلى أن السويد منحت منذ عام 2011 وحتى منتصف 2024 نحو 190 ألف تصريح إقامة للسوريين، لكن نسبة القبول تراجعت تدريجياً خلال السنوات الأخيرة مع تشديد السياسة العامة للهجرة، خاصة بعد أزمة عام 2015 التي شهدت تدفقاً واسعاً للاجئين.

لا تمييز على أساس الانتماء الديني

وبينما يتداول البعض عبر وسائل التواصل الاجتماعي أن الأقليات الدينية في سوريا تتمتع بفرص كبرى للحصول على الحماية في السويد، نفت المصلحة هذه المعلومات مؤكدة أنها غير صحيحة، وقالت إن الانتماء الديني قد يكون عاملاً من بين عدة عوامل تُؤخذ في الاعتبار عند تقييم الخطر الفردي، لكنه لا يمنح صاحبه الحماية تلقائياً، وأوضحت أن شخصين من نفس الطائفة الدينية قد يحصلان على قرارات مختلفة تماماً تبعاً لظروف كل منهما.

ويعتمد نظام اللجوء السويدي على مبدأ الخطر الفردي المبرر، أي ضرورة إثبات أن طالب اللجوء يتعرض لتهديد شخصي مباشر بالاضطهاد أو العنف إذا عاد إلى بلده، ويستند هذا المبدأ إلى القانون الدولي للاجئين واتفاقية جنيف لعام 1951، لكنه يتيح للدول هامشاً واسعاً في تفسير “الخطر”، وهو ما يثير جدلاً دائماً حول مدى صرامة أو مرونة التطبيق في السويد والدول الأوروبية الأخرى.

العودة إذا لم توجد حاجة للحماية

أكدت مصلحة الهجرة أن مهمتها لا تتعلق باتخاذ قرارات سياسية بشأن إعادة الإعمار أو التطبيع مع النظام السوري، بل بتطبيق القانون السويدي الذي ينص على منح الإقامة لمن يثبت حاجته إلى الحماية فقط، وأضافت: في الحالات التي لا يثبت فيها وجود خطر على حياة الشخص أو حريته، فإن العودة تصبح خياراً ممكناً.

وبحسب بيانات الهجرة السويدية، فقد تمت إعادة مئات السوريين خلال العامين الماضيين بعد رفض طلبات لجوئهم أو سحب إقاماتهم المؤقتة نتيجة تغير الظروف الأمنية في مناطقهم الأصلية، خصوصاً في ريف دمشق وحمص والسويداء، إلا أن منظمات حقوقية اعتبرت هذه الخطوات سابقة خطيرة، محذّرة من أن الظروف في سوريا ما زالت غير آمنة وأن العائدين قد يواجهون الاعتقال أو التعذيب.

تحذيرات حقوقية من الإعادة القسرية

أصدرت منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش تقارير متكررة منذ عام 2022 تؤكد أن “سوريا لا تزال غير آمنة للعودة”، وأن أجهزة الأمن السورية تواصل ممارسات الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري بحق العائدين من الخارج، ومنهم أولئك الذين عادوا طوعاً، كما حذّرت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة من تزايد حالات الانتهاك بحق العائدين من الدول المجاورة وأوروبا.

وفي تقريرها الأخير، أكدت المفوضية أن أكثر من 70% من اللاجئين السوريين في أوروبا لا يرون أن الظروف في بلادهم مناسبة للعودة، مشيرة إلى استمرار انهيار البنية التحتية وغياب الخدمات الأساسية في أجزاء واسعة من البلاد.

بين المبدأ القانوني والواقع الميداني

يستند الموقف السويدي إلى تقييمات داخلية تعد أن مستوى العنف العشوائي في سوريا تراجع مقارنة بفترة النزاع المفتوح بين عامي 2013 و2018، وهو ما يجعل تقييم “الخطر الفردي” شرطاً أساسياً لأي قرار حماية، لكن المنظمات الحقوقية ترى أن تراجع العنف لا يعني بالضرورة تحسناً في وضع حقوق الإنسان، إذ ما تزال التقارير تتحدث عن عمليات اعتقال ممنهجة وتجنيد قسري وانتهاكات تطول العائدين.

ويقول الخبير في شؤون الهجرة كارل يوهان إينغستروم إن "السياسات الأوروبية تجاه اللاجئين السوريين تشهد تحولاً تدريجياً نحو ما يسمى بسياسة العودة المستهدفة"، أي التركيز على تقييم الأفراد الذين لا توجد لديهم أسباب قانونية للبقاء، وأضاف أن السويد، رغم مواقفها الإنسانية السابقة، باتت تتجه إلى تطبيق نهج أكثر تشدداً في تقييمات الحماية منذ عام 2021.

التجربة الأوروبية الأوسع

تأتي التصريحات السويدية في سياق أوروبي أوسع يشهد تصاعد الدعوات لإعادة النظر في ملفات اللاجئين السوريين. فقد بدأت الدنمارك منذ عام 2020 بسحب تصاريح الإقامة من لاجئين سوريين بحجة أن مناطقهم، خصوصاً دمشق وريفها، أصبحت “آمنة”، في حين واجهت الحكومة الدنماركية انتقادات واسعة من الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي.

وفي ألمانيا، ورغم بقاء الحظر الرسمي على الترحيل إلى سوريا سارياً، شهدت بعض الولايات نقاشات حول العودة الطوعية وسبل تشجيعها، كما تسعى المجر والنمسا إلى إدراج سوريا ضمن قائمة البلدان الآمنة جزئياً، في خطوة تثير قلق المنظمات الحقوقية.

تداعيات إنسانية وسياسية

يرى مراقبون أن النقاش الدائر في السويد يعكس صراعاً بين البعد الإنساني والقانوني في سياسات اللجوء، فمن جهة، تواجه الحكومة ضغوطاً داخلية لتقليص أعداد طالبي اللجوء والحد من الهجرة، ومن جهة أخرى، تتعرض لانتقادات دولية في حال خالفت مبدأ عدم الإعادة القسرية المنصوص عليه في القانون الدولي، والذي يمنع إعادة أي شخص إلى بلد يمكن أن يتعرض فيه للخطر أو الاضطهاد.

كما تشير منظمات الإغاثة المحلية إلى أن الحديث عن العودة الطوعية في ظل غياب ضمانات دولية كافية قد يضع اللاجئين أمام خيار قسري غير معلن، وقال متحدث باسم الصليب الأحمر السويدي إن “العودة لا تكون طوعية بحق عندما يشعر اللاجئ أنه مهدد بفقدان إقامته أو مساعداته إذا لم يغادر”.

من جهة أخرى، ما تزال غالبية السوريين في السويد تواجه تحديات الاندماج وسوق العمل، إذ تشير إحصاءات هيئة الإحصاء السويدية لعام 2024 إلى أن نحو 48% فقط من السوريين الحاصلين على إقامة دائمة يعملون في وظائف مستقرة، في حين يعتمد الباقون على برامج التدريب أو المساعدات الاجتماعية.

خلفية النزاع وتطور الموقف الأوروبي

منذ اندلاع الحرب في سوريا عام 2011، نزح أكثر من 13 مليون شخص، نصفهم خارج البلاد، وفق بيانات الأمم المتحدة، وتشير المفوضية السامية لشؤون اللاجئين إلى أن نحو 5.2 ملايين منهم يعيشون في دول الجوار، في حين يقيم أكثر من مليون سوري في الاتحاد الأوروبي، منهم نحو 110 آلاف في السويد.

ومع استمرار الأزمة السياسية والاقتصادية في سوريا، يبقى السؤال معلقاً حول مستقبل اللاجئين في أوروبا بين الضغوط السياسية الداخلية وتدهور الأوضاع الإنسانية في بلدهم. وفي هذا السياق، قد تعكس تصريحات مصلحة الهجرة السويدية مرحلة جديدة من التحول في سياسة اللجوء، حيث تُعاد صياغة مفهوم الحماية في ضوء المصالح الداخلية أكثر من الاعتبارات الإنسانية.

وبينما تؤكد المصلحة أن العودة الطوعية تظل خياراً متاحاً وليست فرضاً، يرى المدافعون عن حقوق اللاجئين أن أي عودة في ظل غياب ضمانات السلامة الكاملة ستبقى عودة محفوفة بالمخاطر، تطرح أسئلة جوهرية حول التوازن بين السيادة الوطنية والمسؤولية الأخلاقية تجاه من فرّوا من الحرب بحثاً عن الأمان.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية