ينتهك حقهن في الحياة.. العنف الرقمي خطر يهدد النساء في السودان
ينتهك حقهن في الحياة.. العنف الرقمي خطر يهدد النساء في السودان
تتصاعد أشكال العنف التي تتعرض لها النساء في السودان، غير أن العنف الرقمي برز كأحد أخطر هذه الأنماط وأكثرها انتشاراً، متحولاً إلى أداة ممنهجة لإسكات النساء وإقصائهن من الفضاء العام، لا سيما في ظل استمرار الحرب، وغياب دولة القانون، وانعدام آليات الحماية.
وتنعكس آثار هذا العنف ليس على النساء وحدهن، بل تمتد إلى الأسر والمجتمعات، مخلّفة خوفاً جماعياً ومستقبلاً غامضاً للنساء السودانيات اللواتي يواجهن مصيراً قاسياً في واقع يزداد هشاشة، بحسب ما ذكرت وكالة “أنباء المرأة”، اليوم الاثنين.
تأتي حملة الـ16 يوماً لمناهضة العنف ضد النساء والفتيات، التي اختتمت أخيراً، كمحطة سنوية لتسليط الضوء على هذه الانتهاكات، غير أن ناشطات سودانيات يؤكدن أن الحملة يجب ألا تُختزل في إطار زمني محدود، بل تتحول إلى فعل دائم لمناهضة العنف وتعزيز أدوات الدعم، خاصة أن المرأة السودانية كانت ولا تزال المتضرر الأول من الحرب.
العنف كظاهرة عالمية
تسترجع الناشطة السودانية بثينة حماد حمدان، جذور حملة الـ16 يوماً إلى حادثة تاريخية تعود لعام 1960 في جمهورية الدومينيكان، حيث قُتلت ثلاث شقيقات بوحشية بعد تعرض إحداهن لتحرش من الحاكم ورفضها الصمت.
وتوضح أن تخليد ذكراهن تحول إلى رمز عالمي لمناهضة العنف ضد النساء والفتيات، مؤكدة أن العنف ظاهرة إنسانية عابرة للحدود، تتخذ أشكالاً متعددة.
وتشير بثينة إلى أن واحدة من كل ثلاث نساء في العالم تتعرض لشكل من أشكال العنف، وأن أنواعه تمتد من الجسدي والجنسي إلى الاقتصادي والقانوني، وصولاً إلى العنف الرقمي الذي بات يحتل مساحة واسعة على منصات التواصل الاجتماعي، خصوصاً في السودان خلال الحرب.
العنف الرقمي خطر متصاعد
تصف بثينة حماد العنف الرقمي بأنه شكل خطير من العنف يُمارس عبر الإنترنت والتقنيات الحديثة، ويشمل التشهير والابتزاز والتهديد وخطاب الكراهية.
وتلفت إلى أن الحرب شهدت حملات منظمة لتشويه سمعة النساء، واتهامهن بالتعاون مع أطراف النزاع عبر حملات مختلفة، ما قاد بعض الضحايا إلى المحاكم، بل وأحكام بالإعدام.
وتحذر من الآثار النفسية والاجتماعية العميقة لهذا العنف، مثل الاكتئاب والخوف وفقدان الثقة بالنفس وتفكك العلاقات الأسرية، داعية النساء إلى تعزيز حماية حساباتهن الرقمية، وعدم مشاركة بياناتهن أو صورهن، في ظل تصاعد جرائم الابتزاز الإلكتروني.
بين الحماية والانكسار
تؤكد الناشطة نسرين محي الدين، أن العنف الأسري يظل من أبشع أشكال العنف، لكونه ينطلق من داخل ما يُفترض أن يكون مساحة أمان.
وتعوّل نسرين على دور الأسرة في دعم النساء ضحايا العنف الرقمي، مشيرة إلى أن وقوف الأسرة إلى جانب الضحية يمكن أن يخفف من حدة الوصم الاجتماعي، ويمنح المرأة القدرة على الصمود.
وتحذر من خطورة خذلان الأسرة للضحية، معتبرة أن ذلك يسهل كسرها نفسياً واجتماعياً، وقد يدفعها إلى العزلة أو حتى التفكير في الانتحار، مشددة على ضرورة عدم التطبيع مع العنف أو التقليل من مخاطره.
انقسامات نسوية وتحديات
ترى الناشطة فاطمة لقاوة، أن العنف في السودان ينقسم بين ما هو مرتبط ببنية الدولة الذكورية، وما هو متجذر في الثقافة المجتمعية، مؤكدة أن العنف الرقمي استهدف النساء بشكل غير مسبوق خلال الحرب، خاصة الناشطات.
وتوضح أن منصات التواصل الاجتماعي تحولت إلى ساحات للتنمر والتشهير والبلاغات الكيدية، التي أدت إلى اعتقالات وأحكام قاسية بحق نساء بريئات في عدة مدن سودانية.
وتنتقد لقاوة الانقسامات داخل الأجسام النسوية، معتبرة أنها أضعفت القدرة على مواجهة العنف، وداعية إلى توحيد الجهود وتقديم قضايا المرأة السودانية على أي أجندات حزبية أو مناطقية.
طريق شاق نحو الحماية
تخلص الناشطات إلى أن مكافحة العنف الرقمي في السودان تبقى مهمة شاقة في ظل غياب الدولة واستمرار الحرب، مؤكدات أن إنهاء النزاع وبناء مؤسسات قانونية فاعلة يمثلان شرطاً أساسياً لحماية النساء.
وتشدد الأصوات النسوية على أن العنف الرقمي لم يعد مسألة هامشية، بل تهديد مباشر لحياة النساء وكرامتهن، ما يستدعي وعياً مجتمعياً وتشريعات صارمة تضع حداً لهذه الانتهاكات، وتعيد للمرأة السودانية حقها في الأمان والصوت والحياة.











