شتاء غزة يفاقم معاناة النازحين والأمم المتحدة تحذر من موت المواليد برداً

شتاء غزة يفاقم معاناة النازحين والأمم المتحدة تحذر من موت المواليد برداً
الشتاء وأزمات النازحين في غزة

حذرت الأمم المتحدة من تدهور خطير في الأوضاع الإنسانية بقطاع غزة مع استمرار القيود الإسرائيلية على إدخال المساعدات، في وقت يواجه فيه مئات آلاف النازحين شتاء قاسيا يهدد حياتهم، خاصة الأطفال حديثي الولادة الذين باتوا أكثر عرضة لخطر انخفاض حرارة الجسم والتجمد داخل خيام متهالكة لا توفر الحد الأدنى من الحماية.

وخلال المؤتمر الصحفي اليومي في مقر الأمم المتحدة، يوم الاثنين، قال نائب المتحدث باسم الأمين العام فرحان حق إن الظروف الجوية القاسية التي تشهدها غزة من أمطار غزيرة وبرد شديد خلال الأيام الأخيرة فاقمت الوضع الإنساني الهش أصلا، محذرا من تزايد خطر وفاة الأطفال حديثي الولادة نتيجة انخفاض درجات الحرارة، وأوضح أن فرق الإغاثة تعمل على توزيع مجموعات مساعدات خاصة تهدف إلى الوقاية من حالات التجمد، إلا أن حجم الاحتياجات يفوق بكثير ما يمكن تقديمه في ظل القيود المفروضة وفق وكالة أنباء الأناضول.

قيود تعرقل الاستجابة الإنسانية

وأكد حق أن الأمم المتحدة وشركاءها يواصلون جهودهم لإيصال المساعدات إلى الأسر الفلسطينية الأكثر ضعفا في مختلف مناطق قطاع غزة، لكنه شدد على أن العراقيل المستمرة تعوق وصول كميات كافية من الإمدادات الإنسانية، وأشار إلى أن موظفي مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية يحذرون من أن حجم الاحتياجات المتراكمة يتجاوز قدرة العاملين في المجال الإنساني على الاستجابة، ما ينذر بتفاقم الأزمة خلال الأسابيع المقبلة.

وبحسب المسؤول الأممي، جرى خلال الأسبوع الماضي توزيع 3800 خيمة و4600 غطاء مشمع، إلى جانب حزم مساعدات شملت مواد غذائية أساسية ولوازم للنظافة الشخصية. غير أن هذه الجهود تعرضت لانتكاسة منذ يوم الجمعة، إذ اضطرت المنظمات الإنسانية إلى تقليص نطاق المساعدات المقدمة بسبب القيود التي تحول دون إدخال كميات كافية من المواد الإغاثية إلى القطاع.

خيام غارقة ومعاناة بلا مأوى

وعلى الأرض، تحولت آلاف الخيام التي تؤوي النازحين في غزة إلى برك من المياه بعد الأمطار الغزيرة التي هطلت منذ يوم الأربعاء، ما أدى إلى غرق الفراش والملابس والطعام، وترك عائلات بأكملها في العراء دون مأوى أو وسائل تدفئة، ويصف سكان القطاع هذه الأيام بأنها من الأصعب منذ بداية الحرب، حيث يمتزج البرد القارس بانعدام مقومات الحياة الأساسية.

وفي هذا السياق، أعلن مدير عام وزارة الصحة في غزة منير البرش عن وفاة الرضيعة رهف أبو جزر في مدينة خان يونس جنوب القطاع نتيجة البرد وغرق الخيمة التي كانت تأوي أسرتها بمياه الأمطار، في حادثة أعادت تسليط الضوء على المخاطر المباشرة التي تهدد حياة الأطفال في مخيمات النزوح.

أزمة تعليم متفاقمة للأطفال

ولم تقتصر تداعيات القيود المفروضة على الجانب الإغاثي فقط، بل امتدت إلى القطاع التعليمي، وأشار فرحان حق إلى أن الأمم المتحدة تعمل على إنشاء مساحات تعليمية مؤقتة يستفيد منها نحو 5000 طفل في محاولة للحفاظ على الحد الأدنى من حقهم في التعليم، لكنه شدد على أن هذه الجهود تبقى محدودة للغاية بسبب منع إدخال المواد التعليمية اللازمة، ما يحرم جيلا كاملا من الأطفال من التعليم الطبيعي ويترك آثارا نفسية واجتماعية عميقة.

وحذر المسؤول الأممي مجددا من أن استمرار العوائق الحالية يقوض قدرة فرق مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية على تسريع وتوسيع نطاق الاستجابة الإنسانية، مؤكدا أن إزالة هذه العوائق باتت ضرورة ملحة حتى تتمكن الأمم المتحدة وشركاؤها من الوصول إلى جميع المحتاجين دون استثناء.

خيام غير صالحة للسكن

وتشير تقديرات المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة إلى أن واقع النزوح يزداد سوءا مع مرور الوقت، إذ يعيش معظم النازحين داخل خيام بالية فقدت صلاحيتها للسكن، ووفق إحصاءات صدرت في نهاية شهر سبتمبر الماضي، بلغت نسبة الخيام غير الصالحة للإقامة نحو 93 بالمئة، أي ما يعادل 125000 خيمة من أصل 135000، وهو ما يفسر حجم الأضرار التي خلفتها الأمطار والرياح خلال فصل الشتاء الحالي.

واقع معيشي متأزم

ورغم سريان وقف إطلاق النار في 10 أكتوبر الماضي، لم يلمس سكان غزة أي تحسن ملموس في ظروفهم المعيشية، فما زالت القيود المشددة المفروضة على دخول شاحنات المساعدات قائمة، في انتهاك واضح للبروتوكول الإنساني المرافق للاتفاق، الأمر الذي يعرقل جهود التعافي ويؤجل أي أمل بتحسين الأوضاع الإنسانية.

إرث ثقيل من الدمار والمعاناة

وخلال نحو عامين من الحرب، تعرضت عشرات آلاف الخيام لأضرار جسيمة نتيجة القصف المباشر أو الاستهداف القريب، في حين تهالكت خيام أخرى بفعل العوامل الطبيعية من حرارة الصيف المرتفعة والرياح الشتوية العاتية، هذا الواقع ترك مئات آلاف الفلسطينيين بلا مأوى آمن، وجعل فصل الشتاء تحديا وجوديا لا مجرد موسم عابر.

أنهى اتفاق وقف إطلاق النار حرب إبادة جماعية شنتها إسرائيل على قطاع غزة بدأت في 8 أكتوبر 2023 واستمرت قرابة عامين، وأسفرت عن استشهاد أكثر من 70000 فلسطيني وإصابة ما يزيد على 171000 آخرين، إلى جانب دمار واسع طال نحو 90 بالمئة من البنى التحتية المدنية، وقدرت الخسائر الأولية بنحو 70 مليار دولار، في وقت لا يزال فيه القطاع يعاني من حصار خانق يحد من دخول المواد الأساسية، ومع حلول فصل الشتاء، تتقاطع آثار الحرب مع الظروف المناخية القاسية لتخلق واحدة من أعقد الأزمات الإنسانية في العالم، حيث يقف مئات آلاف النازحين بين برد الشتاء وقلة المأوى وندرة المساعدات، وسط تحذيرات أممية متواصلة من كارثة إنسانية شاملة إذا لم يتم رفع القيود بشكل فوري.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية