مأساة دولية متزايدة.. عدد النازحين حول العالم تضاعف في غضون 10 سنوات

مأساة دولية متزايدة.. عدد النازحين حول العالم تضاعف في غضون 10 سنوات
لاجئون في أوروبا- أرشيف

تواجه المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين واحدة من أخطر أزماتها منذ تأسيسها، في وقت يُقدَّر فيه عدد النازحين قسراً حول العالم بنحو 117.3 مليون شخص في عام 2025، وهو رقم يعادل عدد سكان جمهورية الكونغو الديمقراطية.

ويعكس هذا الرقم تضاعف حجم المأساة الإنسانية تقريباً خلال عقد واحد فقط، بالتوازي مع تراجع حاد في تمويل المساعدات الدولية، لا سيما منذ عودة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في يناير الماضي.

تعيد الأمم المتحدة، في ظل هذا المشهد القاتم، النظر في مجمل استراتيجياتها المتعلقة بقضية اللاجئين، على وقع تصاعد النزاعات المسلحة، وتسييس قوانين اللجوء، وتشديد سياسات الهجرة في دول الاستقبال، وتقليص الموارد المالية. 

وذكرت إذاعة “إر إف إي” الفرنسية، أن اجتماعاً عُقد يوم الاثنين الماضي في جنيف خصص لمناقشة مستقبل عمل المفوضية، وسط تحذيرات من انهيار قدرتها على الاستجابة للاحتياجات المتزايدة.

التفكير في أدوات الاستجابة

تركّزت المناقشات الأممية على جملة محاور بديلة، من بينها البحث عن آليات تمويل مبتكرة، وتعزيز سياسات الإدماج في المجتمعات المضيفة، وفتح مسارات آمنة لإعادة توطين اللاجئين في دول ثالثة، إضافة إلى تحويل مخيمات اللجوء من فضاءات طوارئ مؤقتة إلى ما وُصف بـ“منشآت إنسانية” أكثر استدامة، والسعي إلى حلول طويلة الأجل تُخفف الاعتماد المزمن على المساعدات.

ويتزامن هذا التحرك مع حقيقة مقلقة أخرى، إذ يعيش اليوم ثلاثة من كل أربعة لاجئين في مناطق معرضة بشكل مباشر للكوارث المناخية، مثل الجفاف والفيضانات والأعاصير، ما يجعل النزوح القسري ظاهرة مركبة لا تحركها الحروب وحدها. 

وخلال السنوات العشر الماضية، تصاعدت الصراعات في سوريا واليمن والسودان وأوكرانيا وميانمار، إلى جانب عودة عدم الاستقرار إلى أجزاء واسعة من إفريقيا جنوب الصحراء، بينما لعب تغيّر المناخ دوراً مضاعفاً في تفكيك سبل العيش ودفع السكان إلى الهجرة.

تُجسّد منطقة حوض بحيرة تشاد هذا التداخل بوضوح، إذ تُعد من أكثر المناطق تضرراً من التغير المناخي خلال العقود الأخيرة، فقد أدى انحسار مياه البحيرة، التي كانت من أكبر البحيرات العذبة في العالم بمساحة تقارب 25 ألف كيلومتر مربع، إلى تحولات بيئية واقتصادية عميقة، أثّرت مباشرة على ملايين السكان في تشاد والكاميرون والنيجر ونيجيريا، وأطلقت موجات نزوح واسعة.

الهجرة خيار اضطراري

تكشف تقارير سابقة لشبكة “البارومتر العربي” حول نوايا الهجرة في البلدان العربية أن نحو ثلث السكان يبدون رغبة في مغادرة بلدانهم، بدوافع تتراوح بين الأزمات الاقتصادية والضغوط السياسية والمخاوف الأمنية وضعف فرص التعليم، في اتجاه تصاعدي يعكس فقدان الأمل في الاستقرار الداخلي.

يتفاقم المشهد أكثر مع تصاعد خطاب كراهية الأجانب وتراجع الالتزام الدولي بحق اللجوء، ولا سيما في الولايات المتحدة، حيث خفّضت الإدارة الأمريكية حصة اللاجئين المسموح بدخولهم لعام 2025 إلى 7500 شخص فقط، مقارنة بـ100 ألف في سنوات سابقة. 

وهاجم الرئيس دونالد ترامب في الآونة الأخيرة ما وصفه بـ“الدول البائسة” التي تُرسل مهاجريها إلى الولايات المتحدة، في موازاة قرارات بتقليص التمويل المخصص لمعظم المنظمات الدولية.

ينعكس هذا التوجه بشكل مباشر على المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، التي كانت تعتمد بنحو 40% من ميزانيتها على الدعم الأمريكي، إذ يعني خفض التمويل تسريح ما يقارب 5000 موظف خلال عام واحد، ما يهدد بشلل عمليات الإغاثة في مناطق الأزمات.

قيادة في لحظة حرجة

تستعد الوكالة الأممية أيضاً لمرحلة انتقالية على مستوى القيادة، مع تعيين الرئيس العراقي السابق برهم صالح خلفاً للإيطالي فيليبو غراندي بدءاً من يناير، بعد عشر سنوات قضاها الأخير في المنصب، ورغم أن التعيين يتطلب رسمياً موافقة الجمعية العامة للأمم المتحدة، أكدت وكالتا رويترز وفرانس برس أن القرار حُسم بالفعل.

ويثير هذا الاختيار تساؤلات داخل أروقة الأمم المتحدة، نظراً للطابع السياسي البالغ الحساسية لهذه التعيينات، ولأن المفوضية كانت تُدار تقليدياً من شخصيات غربية بوصفهم المانحين الرئيسيين، غير أن تراجع دعم هؤلاء المانحين، بحسب مراسل “إر إف إي”، قد يدفع الوكالة إلى البحث عن وجوه جديدة قادرة على فتح قنوات تمويل بديلة، ربما من دول الخليج أو قوى إقليمية أخرى.

وتقف المفوضية، في المحصلة، أمام مفترق طرق تاريخي، إما إعادة ابتكار دورها وأدواتها في عالم يتغير بسرعة، أو مواجهة خطر التآكل التدريجي لقدرتها على حماية ملايين البشر الذين لم يعد لديهم مكان آمن يذهبون إليه.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية